إسرائيل (لا) تجد ضالّتها: فشل الشمال يلوح جنوباً... أيضاً
الضغط في الشمال لم يكن رافعة حقيقية وكاملة لفرض تحقيق الهدف
يحيى دبوق - الاخبار
مرّ شهران على الحرب الإسرائيلية - الأميركية على قطاع غزة، من دون أن تحقّق إسرائيل إلى الآن، بمعية الولايات المتحدة، أياً من أهدافها المعلنة. ففي حين بدأت تعمّق عمليتها البرية في اتجاه جنوب القطاع، مع تجنّب القتال في مراكز الثقل العسكري للمقاومة في شماله، يبدو أن صانع القرار يريد مزيداً من الشيء نفسه، وإن كانت الشكوك كبيرة جداً، وتتعزّز مع مرور الوقت، حول إمكانية الخروج بنتائج مغايرة. لكن ما الذي يدفع تل أبيب إلى الاستمرار في حرب تُدرك أن أهدافها متعذّرة التحقيق؟ يتجاذب الإجابة أكثر من عامل وسبب، وإن كان أهم ما يدفع إلى ذلك هو أن إيقاف المعركة، كما هي الآن، يُعدّ تسليماً بانتصار فلسطيني، لا تقوى «إسرائيل الدولة» على التعايش معه لما يمثّله من تهديد لأمنها ومكانتها، فضلاً عن معاكسته مصلحة مسؤوليها السياسيين والعسكريين، ممّن هم معنيون بأن لا يُحمَّلوا مسؤولية الفشل، وكذلك تطلّعات الجمهور الإسرائيلي وتوقعاته، التي تتجاوز حد المعقول، نتيجة صدمة الضربة التي تلقاها الكيان في السابع من تشرين الأول.تتّجه الإرادة الإسرائيلية، إذاً، إلى نقل القتال جنوباً، وتحديداً إلى شرق مدينة خانيونس، من دون أن تتّضح أهداف ذلك، وإن كان الإسرائيلي يعتبره جزءاً من خطط المرحلة الثانية من العملية البرية، كما يسمّيها الإعلام العبري. لكن بين المعلن وغير المعلن، تبحث إسرائيل جنوباً عن مزيد من الضغط العسكري على حركة «حماس»، على أمل إجبار الأخيرة على إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين لديها، بثمن لا يشمل وقفاً دائماً لإطلاق النار، وهو كما يبدو الهدف الذي تعمل عليه تل أبيب في هذه المرحلة من الحرب، وربما أيضاً هدفها الأخير منها. وعليه، فالمعركة الآن، هي معركة إرادات، وبحث دائم من جهة إسرائيل عن روافع ضغط ميدانية وغير ميدانية، ومن بينها التهويل والحرب النفسية، في اتجاه تحقيق الغرض المطلوب. وفي وقت سابق، شكّلت مسألة إطلاق سراح المجندات من الأسرى، جزءاً من هذه المعركة، التي أظهرت أن روافع ضغط العملية البرية الإسرائيلية لم تصل إلى الحد الذي «يلوي ذراع حماس»، ويُليّن موقفها في تصنيف الأسرى؛ إذ أرادت تل أبيب أن توصّف المجنّدات على أنهن مدنيات يجب إطلاق سراحهن وفقاً لاتفاق الهدنة، بينما أصرّت «حماس» على أنهن يصنّفن ضمن الأسرى العسكريين، ويجري عليهن ما يجري على الجنود في الخدمة الدائمة أو الاحتياط.
كانت المسألة فاصلة آنذاك، وأكدت لإسرائيل أن الضغط في الشمال لم يكن رافعة حقيقية وكاملة لفرض تحقيق الهدف، فاختارت أن تنقل العملية البرية إلى الجنوب، وتحديداً إلى خانيونس ومخيمها، حيث تقدّر الاستخبارات الإسرائيلية، هذه المرة، أن قيادة «حماس» العسكرية موجودة فيها، علّها تحقّق ما عجزت عنه في المرحلة الأولى، علماً أن ما يُقدّر بأربعٍ من «كتائب القسام»، تتمركز هناك، وهو ما يشكّل عامل خشية لدى الجيش الاسرائيلي، ويحول إلى الآن دون التقدّم في هذه المنطقة، أبعد من القشرة المباشرة لها. إلا أن «الساعة الرملية» للحرب لا تتوقف، ليس على أساس الضغط الدولي لإنهائها فقط، على رغم أهمية هذا العامل، من الجانب الأميركي تحديداً، بل على خلفية عوامل إسرائيلية ذاتية، يجدر أن تكون حاضرة على طاولة التقدير.
يقاتل في قطاع غزة معظم ألوية النخبة، التي تكاد تُستنفد ويتحتّم على القيادة سحبها، إذ لا يمكنها أن تستمر في القتال، وهو عامل لا تنكره نخبة الخبراء العسكريين في إسرائيل، وكان موضع تحذير من قبلها منذ أن تقرّرت العملية البرية. أما القوات الاحتياطية فهي غير قادرة على الحلول مكان هذه الألوية، إلا في حالات التأمين اللاحق لأماكن محتلة باتت خارج الخط الأمامي للقتال المباشر، كما أنها عاجزة عن الحلول مكان النخبة في الخط الأمامي للاحتكاك المباشر مع المقاومين الفلسطينيين، إلا مع المخاطرة بسقوط عدد كبير من القتلى في صفوفها. لكن الأهم، أنه لا يكاد يمرّ يوم من دون مواجهات مباشرة، عبر القنص أو تفجير عبوات، أو اصطياد المركبات المصفحة بمن فيها، الأمر الذي كان واضحاً جداً في معارك أمس في شرق خانيونس. وهو ما يؤثر في قرار رفع مستوى المخاطرة بتعميق التوغل البري في المناطق ذات الثقل العسكري لفصائل المقاومة.
قد لا تكون إسرائيل معنية بأن تبحث عن صورة انتصار ما، ومن ثم تمهّد الطريق لإنهاء الحرب، بل هي معنية فعلاً بالانتصار نفسه. إلا أن نقل القتال إلى جنوب القطاع، على رغم إظهار الجيش الإسرائيلي تصميمه على إنجاز المهمة، يحمل أيضاً معاني مغايرة، لا يبدو أن البحث عن صورة انتصار بعيد عنها. وكما تسرّب، أمس، في صحيفة «هآرتس»، ثمة تقدير بأن قيادة «حماس» في القطاع، وتحديداً يحيى السنوار، تتمركز في هذه المنطقة، فيما مع استمرار الحرب وزيادة تعقيدها، من الواضح أن التفكير الإسرائيلي يركّز على ضرورة ضرب السنوار، بما يسمح بإحداث تغيير في موقف «حماس» في ما يتعلق باستمرار القتال. فهل هو رهان على أن قتل السنوار، على فرض النجاح في ذلك، سوف يُخضِع «حماس»، أم أنه بحث عن إنجاز كبير يمهّد للخروج من الحرب؟