سياسيون وصحافيون وإعلاميون "جواسيس" للروس والإيرانيين وكلمة السرّ "زخّ الرصاص"!... | أخبار اليوم

سياسيون وصحافيون وإعلاميون "جواسيس" للروس والإيرانيين وكلمة السرّ "زخّ الرصاص"!...

انطون الفتى | الخميس 15 فبراير 2024

العزي: تتوجّه لشعوب أوروبا بلغاتها وتقاليدها وهو ما يُتيح شراء ذمم رافضة لحكوماتها

 

 

 

 

أنطون الفتى - وكالة "أخبار اليوم"

 

 

 

أعاد الإعلان عن كشف فرنسا شبكة منظمة من الدعاية الروسية الموجّهة ضدّ دول أوروبية والولايات المتحدة الأميركية، التذكير بحقبة الحرب الباردة، وبالاختراقات السوفياتية للغرب عبر تجنيد السياسيين والصحافيين والإعلاميين كجواسيس لأجهزة الاستخبارات التابعة لموسكو.

 

دفعة واحدة

فبحسب بعض الأوساط المطّلعة، نجحت فرنسا بالكشف عن تلك الشبكة التي تتضمّن ما لا يقلّ عن 193 موقعاً إلكترونياً، بعد تعاون كبير مع ألمانيا وبولندا أيضاً. وهي مواقع إلكترونية تنقل منشورات لروس أو لموالين لروسيا، وتبثّ الدعاية لحربها على أوكرانيا، ولتلميع صورة وأعمال جيشها هناك.

وما ان أُعلِنَ عن ذلك، حتى ضجّت بعض الأوساط الغربية بما شهدته حقبات سابقة من تجنيد سوفياتي وروسي لصحافيين أجانب، داخل أكبر وكالات ووسائل الإعلام الغربية، وصل في بعض المرّات الى اختراق بعضها بعشرات الصحافيين "الجواسيس" دفعة واحدة وخلال أشهر قليلة، الذين تكون مهمّتهم نقل معلومات لموسكو عن الاستثمارات في اقتصاد بعض دول الغرب، وعن أمور عسكرية وأمنية حسّاسة، وذلك من خلال المقابلات أو البرامج التي يقومون بها. هذا فضلاً عن تجنيد شخصيات سياسية في الغرب، لنقل معلومات حسّاسة للروس.

 

لبنان؟

وأمام هذا الواقع، وإذا كانت روسيا قادرة على اختراق واشنطن وأكبر العواصم الأوروبية والغربية بسياسيّيها ونوّابها ووزرائها، وبصحافيّيها ووسائل إعلامها الى هذا الحدّ، ولعشرات الأعوام المتتالية كما في حالة بعض أشهر الصحافيين في أوروبا، فماذا عن لبنان، حيث فقدان أي نوع من نظام سياسي - أمني مُحصَّن ومتين؟

وماذا عن قدرة الروس أو الإيرانيين والصينيين، الأقوياء جدّاً في مجال الهجمات السيبرانية، وأساليب القرصنة، والاختراقات السرية والعلنية، على اختراق لبنان بشخصياته السياسية والإعلامية... وعلى تجنيدهم كجواسيس بالسرّ والعَلَن، خصوصاً أن بعضهم يتباهون بصداقتهم لروسيا، وإيران... ويمارسون الدعاية لهما بسبب أو من دونه، وفي كل مرّة تسمح لهم الظروف بذلك؟

 

"تنظيف" السفارات

أوضح الاختصاصي في شؤون روسيا وأوروبا الشرقية وآسيا الوسطى، والأستاذ في العلاقات الدولية الدكتور خالد العزي، أن "الحديث عن اختراق روسي للدول الغربية ليس جديداً، بل الإعلان عن فصول جديدة منه هو الأمر الجديد. ففي مقابلة تعود الى التسعينيات، كشف وزير الشؤون الخارجية السابق لروسيا أندري كوزيريف أنه عندما انهار الإتحاد السوفياتي، أصبح توجّهه كوزير للخارجية أن يعمل بالديبلوماسية، وبالتعاطي مع الدول الغربية من خلال المساحة المؤمَّنَة له في أوروبا عبر السفارات والوسائل الديبلوماسية والإعلامية التي من الممكن أن تخلق نوعاً من النقاش مع الآخر وفقاً للمعلومات والحقائق. وعلى هذا الأساس، تساجل مع (الرئيس الروسي الراحل) بوريس يلتسين حول وجوب القيام بعملية قضم للموظفين الروس بالسفارات في الخارج، لأنهم لا يتبعون لجهاز الخارجية، بل توظّفهم وزارة الأمن الخارجي التي كانت تتحكّم بنسبة مهمّة من العناصر الموجودة في السفارات".

وذكّر في حديث لوكالة "أخبار اليوم" بأن "كوزيريف أكد ليلتسين أنه يتوجب إلزام الموظفين الروس بالسفارات في الخارج بالخط الديبلوماسي لا الأمني. فاقتنع يلتسين، وبدأ تنظيف السفارات الروسية في الخارج، ووصلت النتيجة الى نسبة 60 في المئة تقريباً. ولكن (وزير الخارجية الروسي سيرغي) لافروف، وبالرغم من أنه ديبلوماسي قديم وعريق، إلا أنه استسلم لقيادة المخابرات التي جعلت من السفارات الروسية في أوروبا ساحة حرب مع الآخرين، بأعداد من الموظفين يفوق العدد الذي يجب أن يخدم سفارات الدولة الروسية".

 

تضليل

وشرح العزي أن "لدى الروس ما يمكن أن يُسمّى بالانبعاث الخارجي، الذي يعمل من أجل تطوير تكنولوجيا الطلاب. فعلى سبيل المثال، إذا تخرّج مليون مهندس في مجال التكنولوجيا، يُرسِلون منهم نحو 100 ألف مهندس سنوياً للتدرّج في الخارج. وهؤلاء يتمّ اختيارهم وفق معايير وزارة الأمن الروسية، فيما يُوظَّف نحو 55 في المئة منهم لخدمة السفارات والوزارة (الأمن). وبالتالي، في عهد (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين، المخابرات لا تقود البلاد هناك فقط، بل تتغلغل في كل مراكز النفوذ العالمي التي يُسمَح لروسيا بالعمل فيها. فهذه حقبة قيادة البلد لا بالديبلوماسية بل من خلال الجواسيس المنبثقين من مهمّة حماية أمن روسيا والتجسُّس على الآخرين. ولذلك، نرى فضائح كثيرة تورّط بها جواسيس لموسكو سواء في الولايات المتحدة الأميركية، أو بريطانيا، أو سلوفاكيا، أو جورجيا، أو غيرها".

وأضاف:"الإعلام في روسيا من أفشل أنواع الإعلام في العالم، وذلك لأن الروس يعملون في البروباغندا والترويج والتسويق والدعاية وقلب الحقائق بدلاً من المعلومات الدقيقة. ورأينا جيّداً كيف أن بوتين أدخل الصحافي الأميركي تاكر كارلسون في سراديب التاريخ فضاعت الحقائق، وهو أسلوب من أساليب الدعاية والتسويق، من ضمن نظرية روسية إسمها "زخّ الرصاص" في الإعلام بشكل لا يعود يسمح للمحاور والرأي العام بأن يفكّروا بنوعية وصحة المعلومات التي يتمّ ضخّها بكثافة تقوم على الدعاية والبروباغندا والتضخيم. فعلى سبيل المثال، انتهت المقابلة ولم يجاوب بوتين عن سبب هجومه على أوكرانيا بشكل دقيق، ولا عن مصير الأطفال الأوكرانيين في روسيا، ولا عمّا جرى في ماريوبول وغيرها من المدن الأوكرانية، وهو ما حوّلها (المقابلة) الى منبر للتضليل، بدلاً من الحديث عن أمور واضحة وملموسة".

 

ترويج...

وأكد العزي أن "روسيا تحاول في اللحظة العالمية الحالية أن تخاطب اليمين المتطرف الذي تراهن عليه في كل دول العالم، لا سيّما في أوروبا، لأن تحالفها معه يشكل أزمات للحكومات. فهذا يسمح لها بتحقيق هدفَيْن، الأول محاولة التسبُّب بتآكُل الدول الأوروبية وإضعافها من الداخل، والثاني هو محاولة شقّ صفّ الإتحاد الأوروبي بواسطة الترويج الدعائي غير السليم، ومنها مثلاً أن موسكو تدافع عن المسيحية، وعن القِيَم بوجه المثليين، بشكل يقول للأوروبيين المتطرّفين إن حكوماتكم ستأخذكم الى صراع مع الدين، ومع الإنسانية، وحقوق المجتمع. وعندما تؤسّس روسيا مواقع إلكترونية وتحاول النشر من خلالها، فهذا يعني أنها تتوجّه لشعوب أوروبا بلغاتها وتقاليدها، وهو ما يُتيح شراء ذمم وشخصيات رافضة لحكوماتها".

وتابع:"هذه الممارسات تسمح للدول الشمولية كروسيا وإيران بتغيير الحقائق وتحريفها، وبالعمل على اختلاط المعلومات ومنع البحث عن الصادقة والموثوقة منها، وذلك بواسطة بثّ التشويش. وقد استفاد الروس من تلك التجربة بنقطتَيْن، الأولى هي النظرية الماركسية القائمة على الجدلية، والثانية هي نظرية الدعاية والتسويق السياسي التي استقدموها من ألمانيا النازية، والتي استفادت منها إيران كثيراً أيضاً بممارساتها في كل دول المنطقة".

 

المدى الجيوسياسي

وردّاً على سؤال حول سهولة قيام دول مثل روسيا أو إيران بتجنيد جواسيس في بلد مثل لبنان، أجاب العزي:"تبقى ساحات النفوذ والصراع في كل دول العالم، هي الساحات التي تتلاقى فيها المصالح بين الدول المتصارعة. ولكن هل ان لبنان ساحة يستطيع الروس أن ينفّذوا فيها ما يريدون؟ وبوجه من؟ وما هي مصلحتهم فيها؟".

وأضاف:"يمكن للروس أن يجنّدوا في لبنان، ولديهم الكثير من الجواسيس فيه. ولكن ذلك لا يُفيد أحياناً، لأن المصالح الروسية فيه قليلة، بينما تنظر موسكو إليه كمنطقة نفوذ أميركي وغربي وسعودي، وهو ما يجعلها حذرة في التعاطي معه. بينما يمكن لروسيا أن تتوسّع في تجنيد الجواسيس لها بسهولة في سوريا، وبشكل كبير، لكونها تعتبر أنها (سوريا) منطقة نفوذ خاصّة بها".

وتابع:"القدرات الدعائية والإعلامية لدى الإيرانيين تبقى أقلّ من تلك التي يمتلكها الروس. هذا فضلاً عن أن الدعاية الإيرانية تسوّق لمصلحة نظام الملالي وولاية الفقيه بشكل أساسي، التي يتركّز جمهورها في أوساط شيعيّة معيّنة تحديداً، دون سواها من اللبنانيين. ولكن هناك وسائل إعلام لبنانية باتت مُغطّاة ومموَّلَة من جانب منظومة "المُمَانَعَة، ومن دون أن تكون مرتبطة بـ "الحرس الثوري" الإيراني بشكل مباشر. ويحصل ذلك عبر برامج معيّنة مثلاً، تحت شعار الرأي والرأي الآخر، فتُبَثّ أفكار "المُمَانَعَة" وتُسوَّق، مقابل المال، وتوفير شرائح جديدة من الجماهير بما يساهم برفع الرّبح الإعلاني لدى هذه الوسيلة الإعلامية أو تلك".

وختم:"يبقى أن المدى الجيوسياسي الخاصّ بكل دولة، سواء كانت روسيا أو إيران أو غيرهما، هو العامل الذي يجعلها تدير إطار العمل الدعائي والإعلامي الخاص بها خارج حدودها، وهو الذي يتحكّم بتجنيدها للجواسيس في هذا المكان أكثر من ذاك. وهامش المناورة الأكبر والأعمق لدى روسيا ليس في بلد مثل لبنان، بل في أوروبا بشكل أساسي، ولذلك هي تركّز على الاختراقات هناك بشكل أساسي".

 

انضم الى قناة " AkhbarAlYawm " على يوتيوب الان، اضغط هنا


المزيد من الأخبار