شركات الاقتصاد الشرعي أمام خيارين أحلاهما مرّ!... | أخبار اليوم

شركات الاقتصاد الشرعي أمام خيارين أحلاهما مرّ!...

| الإثنين 01 أبريل 2024

شركات الاقتصاد الشرعي أمام خيارين أحلاهما مرّ!...

مغادرة البلاد أو الانضمام إلى الاقتصاد غير الشرعي!


 "النهار"- سلوى بعلبكي

وضع الإهمال المتمادي من السلطتين التشريعية والتنفيذية في عدم إقرار قوانين لإعادة هيكلة المصارف والكابيتال كونترول وإعادة التوازن المالي الاقتصاد اللبناني على فوهة بركان، يمكن أن ينفجر في أيّ لحظة ليحلّ محلّه الاقتصاد غير الشرعي، الذي بات حجمه يوازي ما بين 65 و70% من حجم السوق. فخلال الأربع سنوات الماضية، "لم تقم الدولة بتحمل مسؤوليتها عن الخسائر الباهظة التي سببتها، ولم تقم الجهات الرسمية بدورها لناحية إقرار قوانين يطلبها صندوق النقد الدولي ويمكن أن تسير بالبلاد إلى برّ الأمان".

كما أنه بعد أكثر من 4 أعوام على الأزمة التي انفجرت في العام 2019، لم يبادر المعنيون إلى اجتراح حلول أو اتخاذ أي إجراءات تكبح تفشي الاقتصاد غير الشرعي، فيما أصبحت الشركات في القطاع الخاص الشرعي أمام خيارين، أحلاهما مرّ؛ فإما توضيب حقائب أعمالهم والانتقال بها إلى الخارج لضمان الاستمرارية، مع ما يعني ذلك من هجرة أدمغة وخسارة للشركات التي لا تزال متمسكة بالبقاء في البلاد، وإما مزاولة الأعمال غير الشرعية بما لا يعكس قناعاتها أو القيم التي تؤمن بها، ولكن وفق قاعدة "مجبر أخاك لا بطل"، إذ ليس في مقدورها منافسة الاقتصاد غير الشرعي الذي تغيب عنه المحاسبة والرقابة الرسمية.

وفي ظل حجم اقتصاد بات يراوح ما بين 20 و23 مليار دولار، فيما ثمة 10 مليارات إضافية تدور في فلك السوق السوداء والاقتصاد غير الشرعيّ، يستغرب رئيس تجمع رجال وسيدات الأعمال اللبنانيين RDCL، نقولا بو خاطر، السياسة التي تعتمدها الدولة من خلال إقرارها موازنة تزيد فيها الضريبة على الاقتصاد الشرعيّ، بما يقلّص حجمه في مقابل توسع الاقتصاد غير الشرعي، إذ إن "فرض وزيادة ضرائب وتعريفات جديدة على القطاع الخاص الشرعي والمواطنين الملتزمين بدفع ضرائبهم سيُعطي الفرصة للقطاعات غير الشرعية وغير الملتزمة بدفع ضرائبها ومستحقاتها للاستحواذ على السوق كلّها، والتدمير التدريجيّ لما تبقّى من اقتصاد شرعيّ لمصلحة الاقتصاد الأسود، ورفع وتيرة التهرّب الضريبيّ والتهريب الجمركي.

المخاطر الوجودية التي يواجهها القطاع الخاص اللبناني الشرعي، الذي يتآكل تدريجياً في ظلّ وجود قطاعات غير شرعيّة في شتى المجالات، أمور نبّه بو خاطر إلى تفاقمها. فالقطاع الخاص الشرعي في وضع فائق الخطورة، حيث يواجه قطاعاً خاصاً غير شرعي، بات حجمه يقدّر بما يوازي 65% إلى 70% من حجم السوق، وبات ينافس القطاع الشرعي يومياً على السلع والخدمات كافة، حتى أنه بات يقوّض القطاع الخاص الشرعي، من خلال تهرّبه من دفع الضرائب وبيع السلع بأسعار أقلّ، عدا عن التهرّب الجمركيّ، والتهريب عبر الحدود، بما يؤدي إلى منافسة غير عادلة وخسائر مالية فادحة للشركات الملتزمة بالقوانين. عدا عن ذلك، فإن "القطاع الخاص الشرعي يواجه منافسة شرسة من القطاع الخاص غير الشرعي، خصوصاً في ظلّ ارتفاع تكاليف الكهرباء والرواتب والإجارات، وكذلك الرسوم الجمركية والضرائب. فهذه التّحديات برأي بو خاطر "أدت إلى انخفاض كبير في المبيعات للعديد من الشركات، لأنها تنافس قطاعات غير شرعية لا تدفع أي نوع من الضرائب".

إلى ذلك، وفي مقارنة بين نسبة "الضرائب المرتفعة" وتلك المفروضة في بلاد يرتكز فيها الاقتصاد على اقتصاد المعرفة وبيع خدماته للخارج، يشير بو خاطر إلى الإمارات العربية المتّحدة مثلاً، حيث الضرائب على أرباح الشركات تشكّل 9% فيما توزيع الأرباح 0%. كذلك الأمر، في سنغافورة حيث الضرائب على أرباح الشركات 17% و0% على توزيعها، بينما في لبنان، ضريبة أرباح الشركات هي 17% و10% على توزيع الأرباح، بما يرفع الرقم إلى إجمالي 25%؛ وهو يعتبر رقماً مرتفعاً جداً، ولا يشجّع على التنافس واستقطاب المستثمرين.

وفي مقابل هذه الضرائب، نجد أن الدولة غير قادرة على تزويد اللبنانيين بخدمات عامة بالجودة المطلوبة تعليمياً أو استشفائياً مع الأخذ في الاعتبار تآكل تعويضات نهاية الخدمة، بفعل التضخم وسوء الإدارة"، وفق بو خاطر.

‎وأمام خطورة الواقع القاتم الحالي في لبنان، يركّز بو خاطر على وجوب "اعتماد رؤية شاملة، ووقف سياسة الحلول الترقعية، لأنها أثبتت أنها لا تجدي نفعاً، خصوصاً أن الوضع يتدهور بشكل يدعو إلى دقّ ناقوس الخطر، وهو لن يتحسّن إن لم يتمّ إعداد رؤية شاملة وحلول جذرية للمشاكل المعروفة، بالإضافة إلى الإصلاحات العاجلة المطلوبة، وإعادة تعريف دور الدولة وإعادة هيكلة حجمها بالشراكة مع القطاع الخاص".

في سياق آخر، ومع تخطّي حجم التبادلات النّقدية نسبة الـ50% نتيجة لانعدام الثقة بالنظام المالي اللبناني ككلّ، بما سيؤثر سلباً على سمعة لبنان في الخارج، يؤكد بو خاطر "ضرورة السير ببرنامج سريع مع صندوق النقد الدولي، بغية إبعاد وضع لبنان المحتمل عن القائمة الرمادية لمجموعة العمل المالي (FATF)".

ولمواجهة هذه التحديات، اقترح بو خاطر حلولاً عدّة، بما في ذلك إعادة هيكلة ماليّة شاملة، وتعديلات على قوانين القروض لتفعيلها، وتخفيض رسوم الجمارك، بالإضافة إلى حلول هيكلية وفوريّة لمشكلة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. كما شدّد على ضرورة تعيين هيئة ناظمة للكهرباء، وهيئة للمنافسة، وهيئة للشكاوى وفق ما يقضي قانون الشراء العام، وتفعيل قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاصّ. كذلك دعا إلى فتح الأبواب أمام الأسواق الدوليّة للمنتجات والخدمات اللبنانية.

‎وعلى الرغم من الوضع المظلم، شدّد بو خاطر على أهمية التفاؤل والعمل الدؤوب لخلاص لبنان، وعلى أهمية إعادة هيكلة حجم الدولة وتنقيح ميزانية الاستثمارات العامة في لبنان لمعالجة العجز وتحفيز النمو الاقتصادي، مع التأكيد على ضرورة أن تسبق الإصلاحات أيّ زيادة في الضرائب لحماية وإحياء القطاع الخاصّ الشرعيّ، وتكبير الصحن الضرائبيّ، وضرورة إعادة هيكلة القطاع العام وتقليص النفقات فيه، وإعادة التفكير في دور كلّ من القطاعين العام والخاص مع أهمية شراكتهما لانتعاش الاقتصاد اللبناني".

اقتصاد الظل بين القرار السياسي وفقدان الثقة؟

يواجه لبنان تحديات كبيرة في مجال الاقتصاد النقدي وظهور الاقتصاد غير الرسمي أو "اقتصاد الظل"، فيما يعزو الخبير الاقتصادي الدكتور محمد فحيلي الأسباب، التي أدّت إلى تفشّي هذه الظاهرة، إلى الأزمة المالية والاقتصادية التي يعانيها لبنان، إذ تفاقمت الأوضاع بسبب تدهور الليرة اللبنانية، ارتفاع التضخم، والزيادة في معدّلات البطالة؛ إضافة إلى أن تدهور الليرة اللبنانية أدّى إلى فقدان الثقة في العملة المحليّة، وإلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية، ممّا أثر سلباً على قدرة الأفراد على الشراء، وزاد من حجم الفقر والتضخم. وفي ظلّ هذه الأزمات، زادت ظاهرة الاقتصاد غير الرسمي، إذ يلجأ الكثير من الأفراد والشركات إلى العمل بشكل غير قانوني أو إلى تجارة موازية لتفادي القيود والضرائب".

ويلفت فحيلي إلى أن "لبنان يواجه تحدّيات كبيرة في مكافحة تهريب الأموال وغسيل الأموال، حيث يعتقد أن هذه الأنشطة تزيد في ظلّ الأزمة الاقتصادية وتعزّز اقتصاد الظلّ"، مشيراً إلى تأثير الفساد والتدخلات السياسية في النظام المالي والاقتصادي بما يعزّز انتشار الاقتصاد غير الرسمي، ويقلّل من فاعلية الإصلاحات الاقتصادية، توازياً مع ضعف الهيئات الرقابية، إذ يواجه لبنان صعوبات في فرض القوانين ومراقبة الأنشطة الاقتصادية غير الرسميّة بفاعلية، ممّا يزيد من حجم هذا القطاع.

وللخروج من هذه الدوامة، يؤكد فحيلي أنه "على لبنان تنفيذ إصلاحات هيكلية شاملة في القطاع المالي والاقتصادي، بما في ذلك مكافحة الفساد وتعزيز الشفافية وتعزيز الهيئات الرقابية، بالإضافة إلى تحسين البنية التحتية الاقتصادية ودعم القطاعات الإنتاجية لتحقيق نمو اقتصادي مستدام وتقليل تداعيات الاقتصاد غير الرسمي".

قلّة من الدول احتاجت إلى مساعدة من صندوق النقد الدولي بنفس القدر الذي يحتاجه لبنان الآن. وصندوق النقد الدولي مستعدّ لتقديم الدعم شريطة التزام لبنان بإصلاحات حاسمة تهدف إلى استعادة استقرار الاقتصاد الكلي. ومع ذلك، يرى فحيلي أن "آفاق لبنان لتأمين هذه المساعدة الحيوية تبدو قاتمة. فقد أخرجت النخب الحاكمة مفاوضات صندوق النقد عن مسارها، وضلّلت الرأي العام بشأن شدّة الأزمة. وبدلاً من متابعة برنامج الصندوق، فإنّهم يدفعون بـ"خطة ظل" ضارّة من شأنها أن تدمّر الشعب اللبناني".

انضم الى قناة " AkhbarAlYawm " على يوتيوب الان، اضغط هنا


المزيد من الأخبار