بين رفض إبادة الفلسطينيين في غزة ورفض الاعتراف بالإبادة الأرمنية... تركيا... | أخبار اليوم

بين رفض إبادة الفلسطينيين في غزة ورفض الاعتراف بالإبادة الأرمنية... تركيا...

انطون الفتى | الأربعاء 24 أبريل 2024

كريكوريان: ما يمنع تركيا من الاعتراف هو أنه سيجعلها مُضطَّرَة للتصحيح والتعويض

 

 

 

أنطون الفتى - وكالة "اخبار اليوم"

 

 

أكثر من قرن مرّ على المجازر التي ارتكبتها السلطنة العثمانية بحقّ الأرمن (وقوميات أخرى كالأشوريين، والكلدان...) خلال "زحمة" الحرب العالمية الأولى، وانشغال العالم بمعاركها، والفوضى التي تسبّبت بها على أكثر من مستوى، في أكثر من مكان.

 

الاعتراف

وبعد أكثر من قرن، "تتبارى" تركيا مع دول عدّة في المنطقة والعالم بإدانة الجرائم الإسرائيلية في قطاع غزة، وبابتداع الطُّرُق للتعبير عن تضامنها مع الفلسطينيين، التي من بينها إرسال أساطيل الحرية وكَسْر الحصار عن غزة، والمساعدات الإنسانية لسكان القطاع، وذلك رغم رفضها الاعتراف بأن ما فعله العثمانيون قبل أكثر من 100 عام كان إبادة جماعية يتوجب الاعتراف بها، وتعويض أضرارها، وإحقاق الحقّ المرتبط بها. فما هي هذه الازدواجية؟

وفي سياق متّصل، باتت نسبة مهمّة من دول العالم الوازِنَة والتي تتمتّع بثقل دولي، تصنّف ما جرى قبل أكثر من قرن بالإبادة، وذلك من دون النجاح في إلزام أنقرة بفعل شيء. فهل من مجال لإحقاق الحقّ في هذا الملف، مهما طال الزمن، ومهما اختلفت ظروف لعبة المصالح بين الأمم؟

 

صراع أجنحة

أوضح القيادي في حزب "الطاشناق" جورج كريكوريان أن "الازدواجية التركية بين رفض إبادة الشعب الفلسطيني في غزة، وبين رفض الاعتراف بالإبادة الأرمنية على يد العثمانيين، ليست ازدواجية، بل تغطية لمصالح جوهرية تحرّك دولة عنصرية. ففي الأساس، كانت السلطنة العثمانية قائمة على الفكر الديني وليس على القومية التركية. وعندما تأسّس "حزب الإتحاد والترقي"، كان هدفه إصلاح تلك السلطنة".

وأشار في حديث لوكالة "أخبار اليوم" الى أن "هدف الإصلاح كان يعترضه وجود أجنحة مختلفة. والجناح الذي تغلّب في الصراعات السياسية كان الجناح العنصري، الذي يحمل الفكر الطوراني، والذي كان يسعى لإقامة دولة طورانية تمتدّ من آسيا الصغرى وصولاً الى آسيا الوسطى. وهذا الفكر بقيَ هو الطاغي على مرّ الزمان، والمُسَيْطِر على النّخب السياسية التركية، سواء كانت علمانية أو ذات جذور وامتدادات دينية".

 

ضغوط؟...

وذكّر كريكوريان بأن "في الوقت الذي تشجب فيه تركيا الحرب في غزة، وتُرسل أساطيل الحرية الى هناك، يرى الجميع أنها أهمّ مُصدِّر للمواد الأولية والأسلحة والذخائر للكيان الإسرائيلي. فسياسات تركيا تحرّكها العقائد العنصرية والمصالح المتبادلة أيضاً. هذا مع العلم أن الرئيس التركي الحالي والحزب الحاكم في تركيا اليوم، هما أحد أجنحة "الأخوان المسلمين"، أي انهما بحاجة الى الحفاظ على ماء الوجه والمصداقية تجاه المجتمع والشعوب والجماعات التي تنظر إليهما كقوّة إسلامية".

ولفت الى أن "واقع الأمر هو أن تركيا كانت محور الاحتكاك بين الشرق والغرب، خلال الـ 109 أعوام الأخيرة، تحت أسماء مختلفة. ففي آخر 70 عاماً تقريباً، باتت قاعدة أمامية متقدّمة لـ "حلف شمال الأطلسي"، والمخفر الغربي الى جانب إسرائيل المُكلَّف بمهمّة مراقبة المحيط العربي في سوريا والعراق، وغيرهما، ولمراقبة إيران، وجبهة متقدّمة بمواجهة "حلف وارسو" في السابق قبل أن تتحوّل تلك المهمّة بعد سقوطه ("حلف وارسو") الى مواجهة الوجود الروسي في القوقاز. ولطالما استعملت تركيا هذا الموقع لـ "تتغنّج"، وتطالب، وتكبح. ولذلك، نرى أن حكومات العالم تعترف بالإبادة الأرمنية، ولكنها لا تمارس ضغوطاً على الأتراك ليعترفوا بها".

 

برجوازية تركية

وأكد كريكوريان أن "ما يمنع تركيا من الاعتراف، هو أنه سيجعلها مُضطَّرَة للالتزام بالتصحيح وتعويض الأضرار التي نتجت عن الإبادة. هذا مع العلم أن مؤسّس الجمهورية التركية مصطفى كمال "أتاتورك" اعترف بالإبادة الأرمنية في الماضي، خلال مقابلة أجرتها معه "نيويورك تايمز". ولكنه عاد وتراجع عن هذا الاعتراف، حتى لا يُغضِب طبقة مُؤثِّرَة جدّاً في تركيا وداعمة له، وهي طبقة البرجوازية التي نشأت في الأناضول بعدما سيطرت على ممتلكات الأرمن من معامل ومشاغل ومزارع وغيرها، هناك. فالاعتراف بالإبادة يسلب تلك البرجوازية كل ما استولت عليه من الأرمن".

وأضاف:"الأمر نفسه تكرّر مع الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان، الذي كان يخطو خطوات متقدمة جدّاً وتدريجية نحو التفهُّم، فيما كان هناك أعضاء من حزبه يقدّمون التعازي بذكرى الإبادة، ولكن من دون أي اعتراف بكلمة إبادة. ولكن الحزب الحاكم الذي يقوده أردوغان، قوامه طبقة البرجوازية هذه نفسها التي استولت على ممتلكات الأرمن الذين قُتِلوا قبل أكثر من قرن. وهي من أكثر القوى المؤثِّرة في السياسة التركية، لا سيّما أنها فاعلة في كل الأحزاب، وتتمتّع بقدرة اقتصادية كبرى في الدولة التركية".

 

الحلّ؟

ورأى كريكوريان أن "تغيير الواقع والاعتراف التركي بالإبادة الأرمنية ممكن بمسارات معيّنة، من بينها أن يقوم المجتمع الدولي بإجبار تركيا على إيجاد حلّ، يشبه السياسة التي اعتمدها أردوغان في مطلع حكمه، والتي تقوم على قاعدة "صفر مشاكل" مع البيئة المحيطة بتركيا".

وختم:"ومن الحلول الممكنة أيضاً، أن يتمكن الفكر التركي المثقَّف والتقدّمي، والذي كان حاملاً لراية الاعتراف بالإبادة وتصحيح الخطأ وبناء علاقات للمستقبل، (أن يتمكّن) من إيجاد موقع ريادي ودور حاسم له في الحياة السياسية والفكرية التركية".

 

انضم الى قناة " AkhbarAlYawm " على يوتيوب الان، اضغط هنا


المزيد من الأخبار