رأس المال البشري كضرورة للقيام والصمود والبقاء
رأس المال البشري يشكل اصولا غير ملموسة نحتاج الى تطويرها للدخول في الثورة التكنولوجية
مازن عبّود - النهار
مما لاشكّ فيه بانّ ما جعل مفاعيل الصدمات الاقتصادية لبنانيا اقل على الناس كان وجود الاسر وترابطها. مما خلق حواجزا طبيعية بوجه الانهيار المالي والتداعي السياسي. روابطنا الاسرية كانت مصدر مرونتنا الاقتصادية التي قللت من خسائرنا خلال فترات الانهيار النقدي. فقد شكلت شبكة امان. بقاؤنا في البلد اتى اما نتيجة عدم توفر إمكانات الرحيل او بسبب إصرارنا على ضرورة البقاء والتصدي ومتابعة المسير. ونحن ندين لروابطنا الاسرية والاجتماعية هنا وفي المغتربات التي رفدتنا بما يلزم كي لا نستمر. واستمرينا في العيش والانفاق لأننا كنا نعلم ان اقاربنا في المغتربات لن يتركوننا. وجودهم هو بمثابة شبكة تأمين ضد تقلبات محيط مشتعل. الحمد لله على وجود عائلات وتماسك اجتماعي.
انّ اقتصدنا لم يتداعى كليا بفعل الاقتصاد المواز ورأس المال البشري المقيم والمغترب. رأس المال البشري يشكل اصولا غير ملموسة نحتاج الى تطويرها للدخول في الثورة التكنولوجية. استثمار الإباء بأبنائهم يشكل الرأس المالي البشري للأطفال. وقوة السوق ستحدد معدل العائد على الاصول في الوقت t بحسب Becker (1989). ثمة أصول ورثناها من أهلنا، وهي غير ملموسة. هذه الأصول هي في تمايزنا وتربيتنا ومواهبنا. فمواهبنا مقياس تمايز رأس مالنا البشري التي ترفع معدلات دخلنا كنتيجة لاستثمار أهلنا في رصيدنا البشري. الاستثمار في رأس المال البشري يكون فعالا إذا ما تخطى معدل العائدات الهامشي معدل العائد على الأصول او تساوى معه على الاقل. أولادنا في الاقتصاد "سلع أدنى" إذا ما أهملنا الاستثمار فيهم. تسليع الجامعات وتدمير نظامنا التربوي خطر يهدد رأس مال البلد البشري. وهذه هي النكسة. الاستثمار في رأس المال البشري كفيل بجعل العلاقة ما بين بين الخصوبة ودخل الفرد إيجابية ((Becker,1988.
تحديات العصر تفرض زيادة الاستثمار في رأس المال البشري وليس العكس. فالاقتصادات المعرفية تتطلب مواهبا وابتكارات. اعتبرBecker (1988) انّ استثمار الآباء في الأطفال يشكل مخزونا اهم من المخزون الرأسمالي الملموس. فقيمته أكبر من تراكم رأس المال المادي على مدار دورة الحياة. فهو يشكل أكثر من 70% من إجمالي رأس المال في الولايات المتحدة. "ام ميشال" باعت ارضها التي كانت مصدر رزقها الوحيد لتعلم وحيدها، الذي تكريما لدمعتها عمل فامتلك أكثر من مائتي صك ملكية.
لا يجب إهمال رأس المال البشري لأنه اهم من الادخار وتراكم الثروة. نقضي معظم اوقاتنا مع عوائلنا التي تمتص جهدنا واموالنا وساعاتنا. وقد ينتج هذا لنا عثرا ماليا واكتئابا. الا انّ ذلك يشكل اسهامنا الحقيقي في إمكانية قيام بلد وعالم أكثر سلما ورفاها. تراكم رأس المال البشري حفظ ويحفظ لبنان. ويجب احتسابه بدقة. فقد ساهم في لجم التدهور الاقتصادي ويقدم اليوم فرصا كبيرة وآمالا بالنهوض. لا يمكن ان نحسّن واقعنا المؤسسي والاجتماعي والاقتصادي الا من بالتعليم والتربية.
رأس مالنا البشري كفل النمو والإنتاجية في الأسواق وخارجها. وهذا لا يمكن النظر اليه الا من خلال عدسة جودة اسرنا وروابطنا الاسرية ونظامنا التربوي وجامعاتنا. روابطنا الاسرية والاجتماعية مصدرا مرونتنا الاقتصادية التي قللت من خسائرنا خلال فترات الانهيار النقدي. هي شبكة الأمان التي يتوجب عدم التفريط بها. اولويتنا الاقتصادية في إعادة النظر بتدهور نظامنا التربوي. وتحدينا الأبرز في الحفاظ على شبكة الأمان ومصانع تمايز اللبنانيين على الصعيد الاسري او التربوي او الاجتماعي.