القوة الاقتصادية تحتاج الى نفوذ خارجي وقوّة سياسية
أنطون الفتى - وكالة "أخبار اليوم"
الى أي مدى تبرز الحاجة ماسّة اليوم لأن تقوم كل دولة، والدول الكبرى قبل سواها، بالعودة الى داخلها، وبالنّظر الى حاجات شعوبها أولاً، وذلك قبل أن توزّع "مواعظ" الحريات، والديموقراطيات، وحقوق الإنسان، وحماية الضّعفاء... على غيرها من البلدان والشعوب، في وقت يُظهر القليل من التدقيق أن نسبة مهمّة من شعوبها تلامس الجوع، والفقر، والحاجة الى برامج الدّعم والمساعدة، والى كل أنواع العدالة الداخلية أوّلاً.
حاجة في الأزمات
وأمام هذا الواقع، الى أي مدى تُصبح عناوين أميركا للأميركيين أولاً، وفرنسا للفرنسيين... وما يُشبهها من شعارات في البلدان كافّة، حاجة لا مفرّ منها، خصوصاً في أزمنة الأزمات؟ وهل آن أوان لَمْلَمَة كل الدول الكبرى لقواها في داخل حدودها، والابتعاد عن أفكار الحدود المفتوحة؟
الحرب العالمية الثانية...
في تقييم لآخر المستجدات الدولية، رأت مصادر مُواكِبَة أن "شعارات بلدنا لنا أولاً، أو ليس لسوانا، أو ما يُشبهها أثبتت فشلاً كبيراً منذ عقود، وفي كل مكان".
وأشارت في حديث لوكالة "أخبار اليوم" الى أن "الزّعيم النازي أدولف هتلر والفاشي بينيتو موسوليني أقاما أعمدة حكمهما على خدمة ألمانيا أولاً بالنّسبة الى هتلر، وإيطاليا أولاً بالنّسبة الى موسوليني، الى درجة وصلت معها حالة الزّعيم النازي الى المُناداة بتفوّق الألمان كشعب وعرق على باقي شعوب العالم. ولكن كيف أتت النتيجة؟ المحصّلة كانت أن سياستَيْهما لم تنحصر داخل الحدود الألمانية والإيطالية، ولا بتنمية بلدَيْهما فقط، بل توسّعت الى خارج الحدود، مروراً بوضع العين على ما هو خارج أوروبا، وصولاً الى حدّ التسبُّب بنزاع دولي كبير خلال الثلاثينيات والأربعينيات، تُرجِم باندلاع الحرب العالمية الثانية".
نفوذ خارجي
وشدّدت المصادر على "صعوبة تطبيق مبدأ هذا البلد أو غيره لأهله أوّلاً. فحتى ألمانيا التي انهمكت بورشة إعادة إعمار نفسها وتقوية اقتصادها قبل عقود، الى درجة جعلتها أقوى دولة اقتصادية في أوروبا، تنبّهت في ما بَعْد لضرورة التمتّع بنفوذ خارجي. وإذا سألنا لماذا، نجد الجواب في أنها اكتشفت أن القوة الاقتصادية لا تحتاج الى البقاء ضمن حدود الجدران الداخلية الأربعة، بل الى نفوذ خارجي وقوّة سياسية أيضاً. ولذلك، رأينا كيف أن ألمانيا فتحت أبوابها لتجنيس مهاجرين من دول وأعراق أخرى، وزادت من مبادراتها وحركتها في ملفات دولية وأوروبية خارج الحدود الألمانية. وإذا انتقلنا الى مشهد العالم اليوم، نرى أن الصين أيضاً بدأت تشعر بالحاجة الى القوة السياسية والنفوذ الخارجي لنموّها الاقتصادي، وعدم الانحسار ضمن الحدود الداخلية أو حتى الإقليمية الضيّقة".
جزيرة معزولة؟
وأكدت المصادر أن "اكتفاء الولايات المتحدة الأميركية بمقولة أميركا للأميركيين أولاً في أي يوم من الأيام، سيُحوّلها الى ما يُشبه جزيرة معزولة عن العالم، وهو ما لن يناسبها. وهذا ينطبق على كل الدول الكبرى في العالم أيضاً".
وختمت:"الولايات المتحدة ليست قوية بالسلاح فقط، بل بمدّ يدها الى العالم كلّه. وإذا مضَت بعيداً بأفكار من مستوى طرد الطلاب الذين شاركوا في الاحتجاجات الجامعية على حرب غزة، بحسب بعض الأصوات الداخلية فيها، فإن ذلك سيتسبّب بانهيارها. فهي دولة مُركَّبَة من جنسيات وأعراق وأمزجة مختلفة، وتفكيك أي مكوّن فيها سيسرّع في انهيارها، وسط استحالة قبول أي مكوّن لسيطرة الآخر عليه بشكل كامل".