التطرّف ينمو خلال الأزمات التي تجعل الشعوب تتشدّد وتعود الى الداخل
أنطون الفتى - وكالة "أخبار اليوم"
عندما ينظر المواطن الأوروبي الى فواتير الكهرباء، والمياه، والنفط، والغاز، والى أسعار المواد الغذائية، والأدوية... ويجدها في حالة تصاعد مستمرّ. وعندما يسمع بمزيد من التضخّم والصعوبات الحياتية. وعندما يستمع الى ضرورات تغيير أنماط الحياة اليومية فيما سلطاته السياسية لا تختصر بشيء في مجالات صناعة الأسلحة، وفي كل المشاريع التي تستهلك الأرض والإنسان... تُصبح الانتخابات الأوروبية أو الفرنسية... تفصيلاً صغيراً.
"مصاري ما فيش"
فالنّقمة التي يشعر بها المواطن الأوروبي على المستويات السابق ذكرها، هي نفسها تلك التي يشعر بها المواطن الأميركي أو الغربي... من جراء إنفاق الحكومات الغربية مليارات الدولارات على حرب أوكرانيا مثلاً، فيما ملايين الناس من شعوبها تعيش في ظروف بائسة بكل ما للكلمة من معنى، وهي تسمع يوميّاً بأن "مصاري ما فيش".
وانسجاماً مع هذا الواقع، هل يشكل تصاعُد اليمين المتطرّف في أوروبا درساً للسلطات الحاكمة؟ وهل يُستكمَل هذا التصاعُد أوروبيّاً، بإعادة انتخاب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، في الولايات المتحدة الأميركية خلال تشرين الثاني القادم، وهو الشخصيّة التي تمثّل التطرّف الأميركي في مكان ما؟ وماذا في خلفيات تسليم الشعوب حياتها لتيارات متعصّبة ومتشدّدة؟
دفاع عن النّفس
أشار مصدر مُطَّلِع الى أن "الاقتراع الأوروبي الذي أعطى اليمين المتطرّف نقلة معيّنة في الانتخابات الأوروبية الأخيرة، أتى كردّة فعل على الأزمات الاقتصادية والمعيشية التي تغيّر في حياة الناس. هذا الى جانب كونه ردّة فعل على التطرّف الذي استقبلته أوروبا مع عدد لا بأس به من المهاجرين أيضاً".
وشرح في حديث لوكالة "أخبار اليوم" أن "شعوب أوروبا الغربية تحديداً مُتسامِحَة بنسبة مقبولة، وهي تتقبّل المهاجر. ولكن ما ارتكبه بعض المهاجرين خلال السنوات الأخيرة دفع شعوب تلك الدول الى أن تفكّر بردّات فعل هي أقرب من دفاع عن النفس. فنسبة مهمّة من الأوروبيين تشعر حالياً بأنها غريبة في بلدانها، وهو ما يتلاقى مع انعكاس الأزمات العالمية على الحياة اليومية للناس، ومع انتهاء أزمنة البحبوحة، فأتت النتيجة بتصاعُد اليمين المتطرّف الذي ينتقد السياسات الاقتصادية وسياسات الهجرة التي تنتهجها الإدارات الحالية الحاكمة في أوروبا".
فقدان القيادات
وشدّد المصدر على أن "هناك مشكلة أساسية تُعاني منها أوروبا والغرب منذ سنوات أيضاً، وهي فقدان القيادات السياسية العميقة، وعدم ظهور قيادات حقيقية في أوان الأزمات".
وأوضح:"في الماضي، كان أي زعيم أوروبي يتكلّم، فيتبعه الناس في كل الخيارات. وأما اليوم، تلحق الإدارات والحكومات والبرلمانات الغربية هي بالرأي العام، بدلاً من حصول العكس، وتعمل على شرائه بالأفكار التي قد تعجبه كالمثلية الجنسية، والإجهاض، والعديد من النقاشات والتشريعات الفوضوية، التي تجعل الجميع يبحثون عن أي جديد، والتي تفتقر الى أي مستوى في معظم الأحيان والحالات. وهذه نتيجة لفقدان القيادات القادرة على أن تقود الشعوب، وعلى أن تحكم وتشرّع وتحسّن حياة الناس. وهذا سبب رئيسي في الشيخوخة التي ضربت النظام الأوروبي والغربي الذي تشكّل بعد نهاية الحرب العالمية الثانية".
وختم:"هي ليست صدفة أن يتّجه العالم كلّه تقريباً اليوم الى كل ما هو متطرِّف. فالتطرّف ينمو خلال الأزمات التي تجعل الشعوب تتشدّد، وتعود الى الداخل، فيما تتلاشى رخاوة اليسار وتيارات "النصّ نصّ" في تلك الظروف. وبالتالي، يتغذّى التطرف من الأزمات السياسية والاقتصادية والأمنية التي تشكل خطراً وجودياً على الناس، وهي كثيرة في زمننا الحاضر".