عجباً من منظومة تسوّق لتجار سياسة يكدّسون ثرواتهم فيزداد أضعف الناس ضُعفاً
أنطون الفتى - وكالة "أخبار اليوم"
شخصيات وأحزاب وتيارات وأطراف وعائلات... سياسية تجول على بعضها، وتتبادل الزيارات، بمعيّة تبادُل التصريحات الإيجابية والسلبية، المُرحِّبَة (ببعضها البعض) والمُهينة (لبعضها البعض)، فيما يبقى شعبنا متلقّفاً للمُنتَج هو نفسه، مهما تمّ تبديل المُلصقات عليه، وتجديد تواريخ صلاحيّته.
فعجباً وألف عجب من منظومة شعبية وإعلامية لبنانية لا تضجر من "استهلاك" الكذب السياسي ومتفرّعاته الاقتصادية والمالية والمعيشية الصّعبة. وعجباً من شعب مَيْت الى درجة أنه لا يشعر بالغثيان من الأسماء ذاتها تتكرّر في آذانه، وذلك رغم علمه بأنها لا تفعل شيئاً سوى الاستثمار به، لمصالحها.
الى التاريخ...
ننظر الى الخلف، أي الى شخصيات تاريخية في الغرب والشرق على حدّ سواء، وحتى في دول شرقية ديكتاتورية، فنجدها في كتب التاريخ، أو في أرشيف الأخبار والأحداث. فيما من لا يزال حيّاً منها يُكمل حياته مع أولاده وأحفاده... بعيداً من الإعلام، والضجيج، ومن محاولات التأثير في الأحداث، وذلك حتى ولو كانت (تلك الشخصيات) لعبت أدواراً عالمية خلال حقبات سابقة.
وإذا تحدّثنا عن إيران ذاتها كدولة إيديولوجية، وعن رئيسها الأسبق محمود أحمدي نجاد الذي قاد حرب تموز 2006، وحروب حركة "حماس" المتكرّرة على إسرائيل خلال ولايته الرئاسية، وتمدُّد "الحرس الثوري" الإيراني الى عموم الشرق الأوسط وأفريقيا، والذي أشرف على تكريس الفصائل المسلّحة المدعومة من طهران كألوية في "الحرس الثوري"، (إذا تحدّثنا عنه) نقول إنه شخصية مُستبعَدَة عن الحُكم الإيراني خلال السنوات الأخيرة، وشخصية توجّه انتقاداتها للمنظومة الإيرانية التي كان يوماً من الأيام في صُلبها.
"عَلْك" إعلامي
وأما في لبنان، فلا شيء أمامنا سوى "بيوتات" وشخصيات وأحزاب وتيارات وعائلات سياسية، تجدّد نفسها بنفسها، وتتجدّد وتتجدّد، وتدوم وتدوم، الى ما لا نهاية.
فمن الجدّ أو أب الجدّ، الى الإبن والحفيد وحفيد الإبن، حتى الساعة، فيما الآتي أعظم، إذ يُنتَظَر المزيد والمزيد من الأجيال لاحقاً، ليدخل لبنان (إذا بقيَ بحالته الحالية) الألفية الرابعة ربما، بالأسماء، والعائلات، والتيارات، والأحزاب... السياسية نفسها.
وهذا كلّه فيما "العَلْك" الإعلامي المُحيط بتلك المنظومة يزداد ويتصاعد، ومن دون أي شعور بالغثيان، أو بالتّعب.
دائماً على حقّ
لنفترض أن البلد عائلة. فأفراد العائلة الواحدة يتشاجرون أحياناً كثيرة، أو تتباين أفكارهم، أو يتعاتبون، أو تمرّ فترات من الفتور والبرودة الاجتماعية في ما بينهم.
الأخوة في البيت الواحد قد يتشاجرون أحياناً كثيرة، وقد ينشدون تغييراً معيّناً بعيداً من بعضهم البعض. وأما الحزبي اللبناني، والمواطن التابع لتيار أو لحزب أو لفريق سياسي، أو لشخصية سياسية، فلا يشعر بتلك "العوارض" كما يبدو.
فرئيس حزبه أو تياره... دائماً على حقّ. وهنا لا حاجة لعتاب، ولا لتقديم أفكار أو اقتراحات حول بعض الأمور، ولا لاختلاف في الأفكار. ويبقى رئيس الحزب أو التيار أو... (ألقاب عدّة يتمتّعون بها) دائماً على حقّ، حتى ولو "شَوْشَطَت الطبخة" ودخل الجميع في الحائط. فتناول الطعام المحروق يُصبح مُفيداً، وضرب الرأس في الحائط أيضاً، إذا كانت القيادة الحزبية العليا راضية، وهذا هو المهمّ والأهمّ.
"يشتغلون في الناس"
عجباً من هكذا شعب، ومن منظومة إعلامية تواكب تحرّكات سياسية، وزيارات ولقاءات ومشاورات وكأنها تقوم بشيء مهمّ، وذلك رغم علم الأطفال في البلد بأن كل تلك الحركة ما هي إلا سخرية من الناس، لا أكثر.
فلا زياراتهم تُجدي نفعاً، ولا تصريحاتهم، ولا مبادراتهم، ولا تحرّكاتهم، ولا ردودهم على بعضهم البعض. فهؤلاء لا يستحقّون الذّكر أصلاً.
وهؤلاء جميعاً "يشتغلون في الناس"، ويربحون من الاستثمار بحياة أضعف الناس، أي انهم يُبقون على بلد - جيفة لأنهم أصحاب مصلحة ببقائه على تلك الحالة، وحتى لو هلكت ملايين الأنفُس بسبب هذا الوضع. فهؤلاء لديهم "الحاشية" التي يتدبّرون أمرها لا لشيء سوى لأنهم يمدّون عرشهم عليها، أي لأنها تؤمّن لهم الإطار الشعبي اللازم لزعاماتهم الأبدية.
استهلاك القبليّة
عجباً من هكذا شعب، ومن منظومة شعبية وإعلامية لبنانية، تستهلك القبليّة، وتسوّق لمن لفظ التاريخ الكثير منهم عملياً منذ ما قبل زوال السلطنة العثمانية من شرقنا، فيما تُعيدهم منظومة محليّة الى يومياتنا ليُتاجروا بها، وليستثمروا بالحياة وبالعَيْش في هذا البلد.
أحزاب وعائلات وبيوتات... سياسية وصلت الى أجيال ما بعد الأحفاد أو أكثر اليوم، أي انها تختزن مخزوناً أقدم من القرن السابع عشر، فيما هي تتحكّم بمصير السياسة والاقتصاد والأمن... ببلد اسمه لبنان، في عام 2024.
فعجباً من هكذا بلد، ومن هكذا شعب، ومن هكذا منظومة شعبية وإعلامية، تسوّق لتجار سياسة ينجحون في تكديس ثرواتهم، فيزداد أضعف الناس ضُعفاً.