إنّ السلوكيات تعاني كثيراً من السطحية وتتحرّك من لا مبالاة في العمق مغلّفة بمبالاة شكليّة
بقلم الدكتور أنطونيو فرح
لم يعد خفياً أنّ المسيحية في لبنان تنحر ذاتها وريداً أساسياً والأسباب متعدّدة وممتدّة منذ عشرات السّنين حتى يومنا هذا نزيفاً.
- هل نذكّر بالحرب الأهليّة التي قضت على المارونية السياسية وما رافقها من هجرة طالت اللبنانيين عموماً والمسيحيين بشكل خاص؟
- هل نعيد نكأ الجراح عن المذبحة بين الأفرقاء المسيحيين والتي كانت آخر معاركها الأكثر دموية حرب القوات والجيش بقيادة الجنرال ميشال عون آنذاك والتي أدّت إلى الإستسلام باتفاق الطائف؟
- هل الطاقة الكبرى أنّ الخلاف السياسي في لبنان تخطّى مفهوم التنوّع الإيجابي المطلوب ديموقراطياً نحو صدام بنيويّ أباح تمزّقاً عميقاً لا يمكن أن يردمه حتى رئيس جمهورية له حيثيته التمثيلية؟
- هل نوجّه اللّوم الشديد إلى الكنائس المسيحية بالبعض الكثير من بطاركتها ومطارنتها الذين يعون خطورة الأزمة الوجودية – اللّهم – أن تراهم يرنّمون إستحقاقاً على أطلالها؟
إنّ السلوكيات تعاني كثيراً من السطحية وتتحرّك من لا مبالاة في العمق مغلّفة بمبالاة شكليّة. تلك هي المعاناة المهولة والخطيرة القائمة في الإنفصام بين المـُضمَر والمـُعلَن.
الأزمة باتت أزمة هوية وكيان، وقد تحلّلت واندثرت لأنّ الكيان بالإنتماء إلى وطن يُكتب بكلمات الدّماء الذي يحدّد استمرارية الوجود.
إنّ غالبية القيادتين السياسية والدينية تماهوا عن قصد مع القوى اللاعبة وتاهوا في مصالح ضيّقة انغمسوا فيها حتى الثمالة عن سابق إصرار وتصميم.
لم تعد بجدية كل الخطابات الرّنانة شكلاً والخصومات الموجّهة بين المسيحيين لأنّ الجحيم آتٍ لا مُحال، جحيم إندثارهم من الشرق ولبنان، كميّة ونوعيّة.
النوعيّة باتت تبحث عن ذاتها في دول تشبه نُبلها وثقافتها وتوقها نحو الغد الأفضل، والكميّة تضاءلت لأنّ التّعداد يتناقصُ يوماً بعد يوم وبات المسيحيون بل اللبنانيون يبحثون عن اغترابهم في لبنانهم...
باتت القضية أفظع وأكبر من كرسيّ رئيس جمهورية لم يتبنّى فيها سوى العدم... والمسيحيون بالشراكة الكاملة مع البعض الكثير من قياداتهم في الدين والدّنيا يتآمرون على مستقبل وجودهم وينهشون لحم دماء أجدادهم التي سقت عطش لبنانهم بأرزه ووديانه.
أخشى أن يكون حلّ يتيم بانتخاب ديكتاتور يفرض نظاماً علمانياً إلزامياً شاملاً أو برئيس خطة طوارئ مسيحية يعيد التوازن العدديّ وملحقاته مع الإخوة في الوطن بفرض قانون تعدّد الزوجات (والأزواج) تكريساً للحقوق والسّماح بزواج المتعة المعتمد لدى الأديان الأخرى، وإلزام كلّ رجال الدين المسيحيين الحاليين واللاّحقين بكافة رُتبهم بالإحتفال بعقد زواج وتأسيس عائلة (إلاّ الذين يرغبون بالعيش حياة نسكية في مغاور وكهوف الأودية والجبال التي استشهد فيها أسلافهم)، حتى إعادة التوازن الوجودي والعدديّ ضمناً، حينها تكون العدالة والمساواة مع الآخر بمنطق الحقوق والواجبات وإلاّ فالمسيحيون أسفاً يقتاتون غدهم من محبة الآخر وقناعته بالمساواة أو يكون الإلغاءمن نصيبهم...
أخشى أنّ الحلّ المذكور أعلاه أضحى خيار مسيحيةٍ سارحةٍ والربّ، لم يعد راعيها والسّلام.