طلّاب تحت القصف وطلّاب في الصف... كيف يمكن المساواة؟!
عجاقة تحذّر من التداعيات النفسيّة: لم يتلقوا أي دعم والقلق يتضاعف
فالنتينا سمعان – "أخبار اليوم"
تصرّ وزارة التربية على إجراء الامتحانات الرسمية للشهادة الثانويّة بفروعها الأربعة، في كلّ لبنان، وتؤكّد أنّها امتحانات موحّدة سيخضع لها الطلاب في نفس الوقت دون أي تغيير أو تعديل عمّا كانت أعلنته سابقًا.
وهذا الإصرار وضع طلّاب الجنوب، الذين يعانون الأمرين ولم ينجزوا عامهم الدراسي كما يجب، أمام واقع مُحيّر، إلّا أنّ مصادر في الوزارة تشير عبر وكالة "أخبار اليوم" إلى أنّ لطلاب الجنوب مراكز مجهّزة، فعندما قلنا "في نفس التاريخ ونفس الوقت ونفس الإمتحان، كان الإصرار على أن يكونوا مثلهم مثل طلاب كل لبنان، وألّا يكونوا لوحدهم كي لا يكون هناك فرق في الشهادات لناحية الضّعف والقوّة".
أمّا عن مواقع المراكز، فتلفت المصادر عينها إلى أنّ "الوزير سيعلنها في الوقت المناسب، وسيعرفها التّلاميذ عند توزيع بطاقات الإمتحان"، مؤكّدة أنّ "التربية" تدرس كلّ السيناريوهات المحتملة.
ولكن هل هذا الإجراء كافٍ، وماذا عن الضّغط النّفسي الذي يتعرّض له الطلّاب خصوصًا وأنّ الغموض يلفّ كيفيّة خضوعهم للإمتحانات؟
تشير الخبيرة التربوية الدكتورة لورانس عجاقة في حديث إلى وكالة "أخبار اليوم"، إلى أنّه "من المتعارف عليه في بلاد العالم، أنّه عندما يكون هناك نقطة نزاع أو حرب، من غير المعقول أن نعرّض الأطفال والتلاميذ لمواقف تهدّد سلامتهم النفسيّة والجسديّة".
وتتابع: في الأيام الطبيعيّة، هناك ما يسمّى "القلق الإمتحاني"، هذا القلق يولّد مشاكل نفسيّة للطالب، فما الحال إذا كان يُجري امتحانه ويسمع أصوات القصف؟
أولًا: ستتشتت أفكاره لا محالة، وبالتالي لن يستطيع تحليل واستعمال معلوماته المخزنة بطريقة صحيحة.
ثانيًا: سيتشتّت انتباهه، وبالتالي "سيتعطّل" ويضعف أداؤه الأكاديمي.
تضيف: عادة نهيئ الطالب نفسيًّا وجسديًّا قبل دخوله الإمتحان، فإذا كان تحت القصف، كيف نتوقّع منه أن يكتب؟ حكمًا لن يكتب شيئًا، وحكمًا ستكون النتائج سلبيّة لو مهما وسّعنا هامش الخيارات.
وتلفت عجاقة إلى أنّه كان من المفترض أن يكون لتلامذة الحدود استثناءات بهدف تهيئتهم، فهم غير جاهزين أساسًا لإجراء الإمتحانات، لأسباب عدّة أبرزها:
- الانقطاع عن الدراسة، أو عدم التمكّن من متابعة الدروس "أونلاين" بشكل كاف، بسبب انقطاع الكهرباء وشبكات الإتصال في معظم الأوقات.
-الخوف والقلق اللّذان تولّدهما الأجواء المحيطة بالتلاميذ، يؤثران على قدرتهم على التركيز والاستعداد للامتحانات.
- الأحداث صادمة، كالعنف، النزوح، الموت، فقدان الأحبّة... كلّها تؤدي إلى تطوير اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)، الذي يؤثر على الأداء الأكاديمي والتركيز لديهم.
- الشعور بعدم الأمان، البيئة غير المستقرّة والخوف من المستقبل، يضعف الدافع للدراسة.
- الدعم الإجتماعي المحدود، ففي ظل الحرب لا يتلقى التلاميذ هذا الدعم من الأساتذة والأهل، ما يُشعرهم بالعزلة والوحدة ويؤثر سلبًا على أدائهم الأكاديمي.
وتتابع: وزارة التربية حاولت واعتبرت أنّ إجراء الامتحانات هو الحلّ الأنسب، ولكنّ هذا الحل له تداعيات كبيرة على الطلاب، ربمّا تكون جسديّة بإصابة أحدهم أثناء تواجده في المدرسة- لا سمح الله- والأكيد أنّ مشاكل نفسيّة كثيرة ستتولّد لديهم من جرّاء الخوف على عدم سلامتهم، وعدم الأمان الموجودين فيه.
وفي هذا الإطار، تشرح عجاقة أن المشاكل النفسيّة التي ترافق الكبار والصغار إثر تداعيات الحرب تتمثل بالشعور الدائم بالخوف، القلق والإكتئاب، ومن الممكن أن تؤثر على تأخر النمو العقلي والبدني والعاطفي للأفراد، وأن تسبّب صعوبة في اندماجهم في المجتمع وعجزهم عن بناء روابط عاطفيّة مع الآخرين، ومن الممكن أن يكون لديهم اضطرابات سلوكيّة وردود فعل عدائيّة، أيضًا تؤدي إلى صعوبة النّوم وضعف الذّاكرة، ما يجعلهم يعيشون الألم والمعاناة.
وتشدّد عجاقة على أنّ آلام الحرب لا تزول بمجرّد وقف إطلاق النار أو انتهاء العمليّات العسكريّة، فالمأساة تمتدّ لسنوات طويلة، عندما يصحو الناس على ما خلّفته الحرب من ندوب عميقة داخل نفوسهم.
وتختم متسائلة: "كيف نتحمّل مسؤوليّة إذا أُصيب أحد الطلاب؟ أو إذا تعرّض لـ"تروما" وتفاقمت حالته في المستقبل؟ كيف نسمح لأنفسنا أن نضع التّلاميذ في هكذا موقف ونعرّض جيلًا بكامله لمشاكل نفسيّة جمّة؟ ألا تكفيهم المشاكل النفسيّة التي ولّدوها من الحرب بحدّ ذاتها؟
أخبار اليوم