ليلي جرجس -"النهار"
من طبيب إلى مريض، انتقل مدير وحدة العناية بالتنفس والاختصاصي في الأمراض الرئوية في مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت الدكتور حسن شامي، من خانة الطب إلى خانة مرضى كورونا بعد إصابته بالفيروس. وبعد أن كان يُعالج ضيق التنفس عند المرضى أصبح يعيش في هاجس انخفاض نسبة الأوكسجين ومراقبة حالته طوال شهر.
يُشاركنا الطبيب تجربته لتسليط الضوء على صعوبة ما يمرّ به مريض الكوورنا وأهمية الوقاية وعدم الاستهانة به. لديه الكثير ليقوله، فما جرى معه اختبره عشرات العاملين في القطاع الطبي من أطباء وممرضين ومساعدين. جنود دفاع الخط الأول هم اليوم في الواجهة، ويدفعون أثماناً باهظة. في هذه السطور تجربة الدكتور شامي يرويها بكل تجرد وأمل.
يتسهل شامي حديثه بالقول: "عندما أصبتُ بالعدوى كانت الأرقام في #لبنان لم تتخطَّ الـ50 إصابة يومياً، وكنتُ على قناعة أن الالتزام بالتباعد الاجتماعي وعدم الاختلاط والانتباه سيكون كافياً للحماية من الإصابة بكورونا. وكنت على ثقة أن دائرة الأصدقاء المحددة التي تلتزم بالمعايير الوقائية نفسها ممكن أن تحمي، ولكن للأسف لم يحصل ذلك.
التقطُّت العدوى من صديقي الذي لم تكن تظهر عليه أي أعراض، وكان يتخذ كل إجراءات الوقاية. واكتشفنا فيما بعد أن مصدر العدوى جاءت من سائقه، خصوصاً أن صديقي من الأشخاص الذين يلتزمون بكل التدابير في مسألة الوقاية من الفيروس. لذلك لم أتوقع أن أصاب بالفيروس من خلاله، لا سيما أنني خلال هذه الفترة حددتُ دائرة الأصدقاء الذين أثق بهم.
الدراسات التي كانت تشير إلى أن الأشخاص الذين لا تظهر عليهم أعراض غير قادرين على #نقل العدوى لم تكن صحيحة، إذ أظهرت أن هؤلاء الأشخاص قد ينقلون العدوى قبل أن تظهر عليهم الأعراض. وهذا ما جرى فعلاً، حيث اتصل بي صديقي في اليوم التالي ليطلعني أن حرارته مرتفعة، وكان من البديهي إجراء فحص الكورونا كأول إجراء احترازي. في الوقت نفسه لم أكن أشعر بشيء".
مضيفا: "صدرت نتيجته وجاءت إيجابية، ما يعني أنه يتوجب عليّ إجراء فحص الكورونا للتأكد من إصابتي. عزلتُ نفسي واتصلت بالمستشفى لإلغاء كل مواعيدي بعد إطلاعهم على ما جرى. وكأن ما عشته أشبه بالكابوس، لم أكن أعاني صباحاً من أي عارض، وفجأة بعد الظهر بدأت تظهر عليّ أعراض: حرارة، آلام في الرأس، قشعريرة وآلام في الجسم... هكذا تطورت حالتي وبقيت في هذه الدوامة لمدة أسبوع.
لقد التقطتُ سابقاً الإنفلونزا، ولكن كورونا مختلف تماماً إذ يضرب الجسم على شكل موجات حيث تعيش 6 ساعات مؤلمة وقاسية ومن ثم تستيقظ بحال جيدة قبل أن تعاود الآلام مجدداً بأعراض قوية. هي أشبه بالمدّ والجزر، في حين أن الإنفلونزا تشعر بآلام في الفترة الأولى ومن ثم تتحسن تدريجياً.
كنتُ أعيش بين أعراض قوية ومن ثم راحة موقتة قبل أن تضرب آلام من جديد، وفجأة تستيقظ بعد أسبوع لتشعر أن كل هذه الأعراض اختفت وأنت بحالة أفضل بكثير من الأيام الماضية التي مررت بها. وبالرغم من ذلك لا تشعر بالطمأنينة لأنه عليك مراقبة حالتك خوفاً من تفاقم الأعراض أو المضاعفات الأخرى المرتبطة بالفيروس. وهنا عليك أن تعيش حالة من الترقب والتيقظ خصوصاً أني أعلم جيداً ما قد يفعله الفيروس في الجسم والمصطلحات الطبية التي تحفظها عن ظهر غيب وقد تختبرها اليوم بنفسك.
لقد عشتُ في قلق وخوف من نقل العدوى إلى زوجتي وأولادي والعاملين معي في المستشفى، ولكن الحمدلله لم أنقل العدوى لأحد إلا أن ما تعيشه مقلق قبل صدور النتيجة".
يعترف شامي: "تجربتي جعلتني أفهم أهمية إيصال الفكرة إلى المريض وكيفية بثّ الراحة والطمأنينة في نفسه رغم إصابته، إذ يلعب الشق النفسي دوراً مهماً في محاربة الفيروس. لقد اكتشفتُ مدى تأثير الكلمة على وقع المريض وحياته، وكيف يمكن لكلمة أن ترفع من معنوياته وأخرى أن تتعبه كثيراً وتقضي على عزيمته. وما عشته جعلني أفهم كل ما يمر به المريض، أنا الذي أعالج ضيق التنفس مررت بصعوبة التنفس وأصبحت أعرف ماذا يشعر المريض. لم أكن أتوقع أن أعيش هذه الأعراض خصوصاً أنني شخص صحي ورياضي وصغير في السن.
علّمتني هذه التجربة الكثير، اختلفت نظرتي وتعاملي في كيفية معالجة الأمور، التجارب تختلف عن النظريات، وأصبحتُ أعرف تأثير كل عارض وكل كلمة على حياة المريض. وبعد نتيجة فحصي السلبية والفحوصات الطبية الأخرى للتأكد من صحة القلب والمناعة وغيرها، بقيتُ أشعر بتعب وإرهاق حاد لأسبوعين حيث وجدتُ نفسي بحاجة إلى استراحة بين فترة وأخرى خلال النهار، واستغرقتُ نحو شهر لأسترجع قوتي ونشاطي".
ويختم شامي قائلاً: "يُحدث الفيروس تغييراً كبيراً في الجسم حتى عند الأشخاص الذين لم يحتاجوا إلى الدخول إلى المستشفى، لذلك ليس صحيحاً أن الفيروس مجرد إنفلونزا أو رشح ، وحدهم مرضى الكورونا سيفهمون صعوبة ما مروا به وأن الفيروس قاس وصعب. لذلك الوقاية ضرورية ومهمة، والفيروس قد يكون قريباً منك، وعليك الحذر والانتباه. الفيروس ليس مزحة أو بدعة!".