مجد بو مجاهد-"النهار"
المعطى الأكثر أهمية الذي يتوقف عنده المقربون من الرئيس سعد الحريري بعد المواقف التي أشار اليها قُبيل أسبوع من خميس الاستشارات النيابية، هو أنّه أطلق مرحلة جديدة رسم من خلالها باب أمل بوقف الانهيار المتدحرج انطلاقاً من فكرة الأمل نفسه المنبثقة من باب قصر الصنوبر الذي جمع الأقطاب السياسيين حول مبادرة فرنسية قائمة على تأليف حكومة مهمّة من اختصاصيين مع تنحي الأحزاب جانباً، وهدفها تنفيذ الإصلاحات وإنقاذ الاقتصاد. من هنا، يؤكد تيار "المستقبل" أن هذه المعطيات التي أتاحت فتح كوّة في حائط المراوحة الحكومية، شعارها التصويت بنعم للمبادرة الفرنسية أولاً في خميس الاستشارات.
وتشير مصادر "المستقبل" عبر "النهار" إلى أنّ الرئيس الحريري لم يرشّح نفسه لرئاسة الحكومة، بل اعتبر أنّه مرشّح طبيعيّ لسدّة الرئاسة الثالثة، وهذا تصريح منطقيّ باعتباره رئيس كتلة نيابية وازنة ورئيساً سابقاً للحكومة، ويتمحور جوهر كلامه في هذه المرحلة حول إعادة تعويم المبادرة الفرنسية التي قد تكون الفرصة الأخيرة لضمان استمرارية لبنان. ويعمل الحريري على هدف محدّد قائم على وقف الانهيار المالي والاقتصادي والمعيشي في البلاد وإعادة إعمار مرفأ بيروت، وسط واقع صعب لا يمكن تخطّيه إلا من طريق إعادة تعويم المبادرة الفرنسية ووضعها على جدول الأعمال. وتلفت الى أن الموضوع لا يتعلق برغبة في العودة الى منصب رئاسة الحكومة، لكنّ الحريري استعدّ لتحمّل المسؤولية وقال إن باب الأمل سيفتح مجدّداً وسط وضع اقتصادي لم يعد يحتمل في البلاد. ويترقّب "التيار الأزرق" ردود الفعل السياسية، ويرى أن الهدوء السياسي يخيّم على المواقف العامّة حتى اللحظة، والسؤال الذي يوجّهه "المستقبل" اليوم، يتمحور حول ما اذا كان لا يزال هناك التزام من القوى السياسية ببنود المبادرة الفرنسية أم لا؟
وتؤكّد المصادر أنّ أحداً لا يعمل على الانقلاب على نتائج الانتخابات النيابية بل إنّ القوى السياسية كانت أجمعت في غالبيتها على المبادرة الفرنسية بكامل بنودها التي تنصّ على تنحّي الأحزاب جانباً، باستثناء موضوع الانتخابات النيابية المبكرة الذي لم يلقَ قبولاً لدى جميع المكوّنات، فيما غالبية القوى التي تشكّل المجلس النيابي لا تزال تؤيد مندرجات المبادرة الفرنسية بوضوح (علنيّاً وظاهريّاً) وهي مشكّلة من تيار "المستقبل" و"القوات اللبنانية" و"التيار الوطني الحرّ" والحزب التقدمي الاشتراكي، في وقت لا يشكّل الفريق المتبقي الذي عدّل موقفه أكثرية نيابية اليوم.
وتشير المعطيات الى أن الحريري متمسّك بكامل بنود المبادرة وبالمنهج الذي اعتمد مع تكليف السفير مصطفى أديب في المعطى السياسي، والذي لا يزال هو نفسه من طريق اختيار آليات سياسية واضحة وتأليف حكومة مصغّرة من اختصاصيين غير حزبيين لمهمّة واضحة ومحدّدة لمدّة 6 أشهر وإبقاء الأحزاب السياسية جانباً. وتقوم توجّهات الحريري على إعادة تحريك عجلة المفاوضات مع صندوق النقد الدولي في المعطى الاقتصادي. وتفيد معلومات "النهار" بأنّ جدول الرئيس الحريري مبنيّ على بلورة مشاورات داخل البيت السياسي مع رؤساء الحكومة السابقين في الثماني والأربعين ساعة المقبلة، على أن تعمل محرّكات الاتصالات مع الأحزاب والقوى السياسية انطلاقاً من مطلع الاسبوع المقبل. وفي انتظار تحريك عجلة الاتصالات، تفيد الأجواء بأن ما لفت "المستقبل" في بيان "القوات اللبنانية" هو الخلاصة التي أكّدت على نقاط الالتقاء الكثيرة والكبيرة جدّاً بين المكوّنين، مع التأكيد بأن "المستقبل" سيعمل على هذا الأساس أيضاً. وكذلك توقّف "المستقبل" عند التوضيح الذي أشار اليه النائب وائل بو فاعور.
إذاً، تخيّم أجواء ايجابية هادئة على مشهد "بيت الوسط" حتى اللحظة، مع ترقّب اقلاع حركة الاتصالات. ولوحظ أن الأحزاب السياسية بعيدة عن الادلاء بمواقف وتصريحات في الوقت الحالي مع الدخول في مهلة 72 ساعة الى أن تترجم الاتصالات. وتفيد معلومات "النهار" أنّ موقف "التيار الوطني الحرّ" من عودة الحريري الى رئاسة الحكومة لم يتبلور حتى اللحظة وأن العبارة التي تلخّص الموقف الآن هي أنّه ليس هناك تقويم جدّي اليوم بانتظار أي اتصالات ستجري بين الطرفين، فيما أي تصريحات سلبية تطلق على أنّها أجواء التكتّل البرتقالي لا تمثّل حقيقة موقفه. ومن جهتها، ترى مصادر مقربّة من الرئاسة الأولى أن مقاربة الحريري ساهمت في حدوث خرق في الملف الحكومي وحرّكته بعد مرحلة سادها غياب المخارج. وتلقّفت بعبدا أنّ الحريري أعاد نفسه إلى خيار الترشّح ورسم خريطة طريق في برنامجه هي المبادرة الفرنسية، مع الاشارة الى أن رئيس الجمهورية ميشال عون سيكون مع أيّ مرشّح تحدّده الاستشارات النيابية واذا سميّ الحريري سيكلّف وفق ما ينصّ الدستور.
في سياق آخر، أشارت أجواء في اليومين الماضيبن الى امكان إعادة تكليف السفير مصطفى أديب مجدداً لتولي تشكيل الحكومة، إلا أن المعطيات المستقاة في هذا الاطار تفيد بأن هذه الأجواء ليست قريبة إلى الواقع.
ترسم الخلاصة مشهداً يشير الى أنّه لا يزال من المبكر الحكم على توجّهات الأحزاب السياسية ومقاربتها واذا ما كانت تسير باتجاه تسمية الرئيس الحريري في استشارات الخميس المقبل، إلّا أنّ جوّاً من الهدوء الايجابي الحذر يختصر المشهد الحكومي حتى اللحظة بانتظار تطوّرات الأسبوع المقبل.