الظروف التي أدت الى انطلاق مفاوضات الترسيم بين لبنان وإسرائيل
قد تكون هي وراء الحكومة الجديدة
أحمد عياش -"النهار"
ما يشبه الاجماع في الاوساط السياسية العابرة للاصطفافات التقليدية، ان التحرك الجديد للرئيس سعد الحريري أتى نتيجة دفع خارجي لاقاه تجاوب داخلي، ما يعني ان البلاد باتت قاب قوسين أو ادنى من حسم ملف تأليف حكومة جديدة. وبقي الاهتمام مركّزاً على الظروف التي ستؤدي الى ولادة هذه الحكومة بتأييد من "حزب الله" الذي ستكون له الكلمة النهائية في هذا الاستحقاق سلباً أم إيجاباً. فما هي المعلومات المتصلة بموقف الحزب على هذا الصعيد؟
في معلومات لـ"النهار" من اوساط قريبة من مساعي تأليف الحكومة، ان المسألة الجوهرية في هذه المساعي هي برنامج عمل الحكومة العتيدة الذي سيتقدم على تركيبتها التي تستأثر بالاضواء الآن، أي ان تأتي حكومة من المستقلين الذين لا ينتمون الى الاحزاب تحمل صفة "مهمة" لفترة محددة بـ 6 أشهر فقط. وما قاله الرئيس الحريري في القسم الاخير من المقابلة التلفزيونية الخميس الماضي، في رأي هذه الاوساط، كان يجب ان يكون في بداية تلك المقابلة، وهو: "السؤال الأساسي بالنسبة إليّ، مبادرة الرئيس ماكرون واضحة جدا في ما يخص الإصلاحات الواجب القيام بها والمفاوضات مع صندوق النقد. لذلك، ليس عليك أن تناقشني بشكل الحكومة إن كنتَ تختلف معي بالبرنامج".
ما هي قصة البرنامج الذي لم يمضِ في شرحه الحريري كفاية بعدما طغت تفاصيل اخرى على المقابلة الطويلة؟
في الجواب عن هذا السؤال، إستنادا الى المعلومات المشار اليها آنفا، ان هذا البرنامج يتضمن تماما ما لمَّح اليه الحريري جواباً عن احد الاسئلة عندما قال: "حزب الله يقول إنه لا يريد لا خصخصة ولا فرض ضرائب ولا صندوق النقد، فكيف ندعم؟ إن لم نفعل شيئا وأتى شباط، ماذا نفعل؟ هل نبيع احتياط الذهب لدينا؟ علينا أن نتفق مع صندوق النقد الدولي".
بعيداً من التلميح، تفيد المعلومات المتداولة ان النقطة الأهم في برنامج "حكومة المهمة" هي كيفية ضبط الدولة مواردها من مصادر عدة في مقدمها العائدات الجمركية. وسيترتب على الشروع في تحقيق هذا الهدف، وضع يد الدولة تحت رقابة دولية على المعابر وفي مقدمها مطار بيروت الذي لا تزال تتكرر فيه الممارسات التي كانت سائدة في مرفأ العاصمة لغاية 4 آب الماضي عندما دمر الانفجار الهائل المرفق منهياً سيطرة الحزب بالتكافل والتضامن مع شركاء في السلطة استولوا منذ أكثر من عقد على موارد تقدر بمليارات الدولارات كان يجب ان تنتهي الى الخزينة العامة. وعندما سيبصر برنامج الحكومة المقبلة النور وفق المواصفات الدولية المتداولة، سيعني ذلك الذهاب سريعا الى تطبيق النموذج الرقابي الجديد الذي سيتضمن تركيب اجهزة كشف متطورة لكل ما يدخل الى المطار ويخرج منه، ما يعني نهاية كل نفوذ لـ"حزب الله" في الشريان الاخير للبنان مع العالم الخارجي. فهل وصل الحزب الى مرحلة سيسلّم فيها نفوذه لمثل هذا البرنامج الاقتصادي؟
في سياق متصل، يتحدث أصحاب المعلومات عن ان الحدود البرية بين لبنان وسوريا، هي الآن في ذروة الانفلات بسبب اعمال التهريب الناشطة بلا هوادة على امتداد مئات الكيلومترات. وتروي اوساط شخصية بقاعية بارزة لـ"النهار" ما جرى قبل اسابيع عندما اوقف حاجز امني قافلة من الصهاريج التي تنقل المحروقات الى سوريا بصورة غير شرعية على معبر غير شرعي. ولم يمضِ سوى وقت قصير بعد توقيف سائقي الصهاريج وحجز الآليات، حتى حضر الى المكان مسؤول في الحزب على متن سيارة رباعية الدفع وقام بإبراز مستند امام المسؤول عن الحاجز، فكان ان تم الافراج عن السائقين فوراً وواصلت القافلة طريقها نحو الاراضي السورية. وتقول هذه الاوساط ان القوافل التي تنقل المحروقات المدعومة من مصرف لبنان الى مناطق النظام السوري الذي يعاني شحاً لا سابق له في سوق المحروقات هناك، تعود الى الاراضي اللبنانية عبر المعبر ذاته الذي دخلت منه الى سوريا وهي محمّلة بالمواد المهربة من السوق السورية أيضا. وخلصت الاوساط نفسها الى القول ان هناك قرارا سياسيا على المستوى القيادي في "حزب الله" كي تمضي عمليات نقل المحروقات من لبنان الى مناطق النظام السوري.
إذاً، في صلب برنامج التعافي من الازمة الاقتصادية التي غرق فيها لبنان هو ضبط موارد الدولة وفي مقدمها العائدات الجمركية التي تقع الآن تحت رحمة "حزب الله". فهل حان الوقت لتصحيح هذا الخلل الخطير في وصول الدولة الى مواردها؟
في رأي خبراء ان الجدل الذي ساد، ولا يزال، موضوع تأليف الحكومة يبتعد عن قصد عن وضع الاصبع على "جرح" الموارد. ومرة اخرى، وبالعودة الى ما قاله الحريري في المقابلة التلفزيونية، يتبين ان القفز فوق هذا الملف يخفي الحقيقة وراء هذا التعطيل للمبادرة الفرنسية. وفي هذا السياق سأل الحريري: "الأسباب التي تم التذرع بها في وزارة المال أو تسمية الوزراء الشيعة، هل هي بالفعل سبب يستحق أن نوقف من أجله المبادرة الفرنسية التي يمكنها أن تضع حداً للانهيار وتعيد إعمار بيروت؟".
لا بل ان الحريري يمضي بعيداً في تصغير حجم مشكلة سلاح "حزب الله" الذي هو العنوان العريض للحملة الغربية عموما والاميركية خصوصا عندما قال: "لا أحد يعدُّ مؤامرة على حزب الله، والكل يعلم في لبنان والمجتمع الدولي ان سلاح حزب الله موجود، وهذا السلاح له تداعيات اقليمية، ولكي تُحل هذه المشكلة عليك أن تحل المشكلة الاقليمية".
لا يختلف اثنان على ان الظروف التي أدت الى انطلاق مفاوضات الترسيم بين لبنان وإسرائيل هذا الاسبوع، قد تكون هي وراء الحكومة الجديدة إذا أبصرت النور في المستقبل القريب. فهل حان اوان "التنازل الكبير" الذي ارجأ "الحزب" تقديمه منذ العام 2005 تقريبا؟