بوريل الى بيروت والفرصة السانحة لانتخاب رئيس قبل 5 تشرين الثاني المقبل
عون انتخب قبل انتخاب ترامب بتسعة أيّام
دوللي بشعلاني - الديار
صحيح أن لا مؤشرات تدلّ على أنّ الملف الرئاسي اللبناني "بات على نارٍ حامية"، غير أنّ دول الخارج المعنية بلبنان تجد أنّ "الفرصة سانحة للموافقة على مبادرة برّي، أو تقديم مخرج آخر ينزع الإستحقاق الرئاسي من عنق الزجاجة قبل موعد إجراء الإنتخابات الرئاسية الأميركية، إذا أمكن. فالفراغ الرئاسي الذي يبدو متعمّداً، على ما قال البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في عظته امس، يترك تداعيات سلبية كبيرة على المستوى الوطني: أوّلها عدم انتظام المؤسسات، وتفكّك الإدارة واستباحة القوانين والأعراف، وصولاً الى استهداف مواقع ومراكز مسيحية، وخصوصاً مارونية في الدولة، تمهيداً لقضمها ما بات يُهدّد صيغة المشاركة والمناصفة في الحكم والإدارة.
مصادر سياسية مطّلعة رأت أن لا حماسة لدى المسؤولين اللبنانيين حالياً لانتخاب رئيس الجمهورية، رغم تكرار رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي دعوته الى التشاور، مع خفض مدّته التي كانت أسبوع وفق مبادرته الى "أيام معدودة" (أي أقّل من سبعة). إلّا أنّ حَراك دول الخارج في اتجاه لبنان خلال الأسبوع الطالع، من زيارة الممثل الأعلى للإتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والأمنية جوزف بوريل، الى لقاء سفراء "الخماسية" السبت، وصولاً الى احتمالية عودة قريبة لكلّ من الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان، ومستشار الرئيس الأميركي لشؤون الطاقة الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين الى بيروت، لا بدّ وأن يُوازيه حَراك داخلي أيضاً يلتقي معه في منتصف الطريق.
أمّا تمرير الوقت، وترك الفرصة السانحة تضيع في ظلّ الفراغ الرئاسي المستمر منذ سنة و11 شهراً، فلن يؤديا إلّا الى تكاثر الفراغات على مستوى المناصب الكبرى ، على حد قول المصادر، لا سيما المسيحية وتحديداً المارونية منها، من رئاسة الجمهورية الى حاكمية مصرف لبنان الى قيادة الجيش وسواها، فضلاً عن مواقع أخرى في المجلس العدلي ومجلس القضاء الأعلى، التي تفرغ مع إطالة عمر الشغور الرئاسي، وصولاً الى انتهاء ولاية مجلس النوّاب المعني الأول والأخير بالإنتخاب. علماً بأنّ الدول الصديقة، من "الخماسية" الى الدول الاوروبية، تتحرّك حالياً لتشجيع اللبنانيين على انتخاب رئيس الجمهورية خلال المرحلة الراهنة، وتحديداً قبل موعد انتخاب رئيس الولايات المتحدة الأميركية.
وهنا، ذكّرت المصادر نفسها بأنّ انتخاب العماد ميشال عون حصل في 31 تشرين الأول من العام 2016، أي قبل انتخاب دونالد ترامب الذي جرى في 9 تشرين الثاني من العام نفسه، بتسعة أيّام. ولهذا تُحاول دول الخارج المعنية بلبنان المحاولة مرّة أخيرة عبر موفديها الى بيروت.. علّ التوافق يحصل بين أيلول الجاري وتشرين الأول المقبل، فيجري انتخاب الرئيس اللبناني في البرلمان قبل 5 تشرين الثاني المقبل، رغم عدم وجود أي إشارات ملموسة تدلّ على قرب إجراء الإنتخاب.
ولهذا تأمل دول "الخماسية" أن تتجاوب بعض القوى السياسية مع مساعيها، سيما وأنّ رئاسة الجمهورية هي مفتاح الإستحقاقات الأخرى التي سيُصيبها الشغور أخيراً، على ما أوضحت المصادر، لأنّ بقاء جميع الأطراف على مواقفها السابقة لن يؤدّي الى التوصّل الى أي مخرج للأزمة الرئاسية. وتخشى بعض الدول من "ضياع لبنان الكبير"، رغم أنّ هذا الأمر من الصعب أن يحصل في ظلّ وجود المؤسسات العامّة والدستور، ولكن لا بدّ من الحفاظ عليهما من خلال عملية التحديث والتطوير ووقف الخلافات السياسية.
فالمجلس النيابي يبقى المسؤول الأول والأخير عن إتمام الإستحقاق الرئاسي، وهو وحده يستطيع وضع الحدّ للفراغ الرئاسي، على ما أضافت المصادر عينها، ما يجعله مُلزماً بالقيام بمهامه قبل انتهاء ولايته الحالية، لأنّه بعدها (أي في أيّار 2026) سيدخل في شغور من نوع آخر ، سببه عدم تعديل القانون الإنتخابي الحالي أو وضع قانون آخر يُمثّل الشعب تمثيلاً حقيقياً، الى جانب انتخاب 6 نوّاب لدول الإغتراب.. وهذه الأمور لا يُمكن حلّها إلّا بالتوافق الذي يبدأ بانتخاب رئيس الجمهورية، وإلّا وقعت البلاد في فراغين كبيرين فضلاً عن عدم وجود حكومة فاعلة إنّما حكومة تصريف للأعمال.
من هنا، يأتي بوريل، وفق المعلومات، للحديث مع المسؤولين اللبنانيين عن ضرورة استغلال الفرصة القائمة حالياً، والتي قد تكون الأخيرة قبل الإنتخابات الرئاسية الأميركية، والتوافق على انتخاب رئيس الجمهورية في أسرع وقت ممكن.. وإلّا فإنّ الأمور بشكل عام، سوف تتجه نحو المزيد من التأزّم. كما سيؤكّد على أنّ المبادرات الأوروبية والخارجية هي للتشجيع على التوافق الداخلي ولتسهيل انتخاب الرئيس، لكنّها لا تأتي بالحلول الجاهزة، إنّما على القيادات استنباطها بنفسها لإخراج لبنان من أزماته المستشرية. وسيُناقش بالتالي مسألة عقد المؤتمر الذي دعت اليه إسبانيا بشأن الحرب في قطاع غزّة وجنوب لبنان.
وإذا كان برّي يطرح مبادرة، فإنّ بوريل، على ما أشارت المصادر ذاتها، سوف يسأل بعض الأطراف السياسية عمّا يمنعها من ملاقاته الى منتصف الطريق، أو طرح مبادرة أخرى توصل الطرف الآخر الى منتصفها. فلبنان بلد صغير، وأزماته أكبر منه، ولا يُمكن الإستمرار بتأجيلها الواحدة تلو الأخرى، لأنّ الشغور سوف يعمّ جميع المؤسسات العامّة، وصولاً الى الحياة السياسية ككلّ، الأمر الذي يُهدّد "بزوال لبنان"، على ما حذّر لودريان في وقت سابق.
فهل ستتحمّل القوى السياسية المسؤولية الوطنية في ظلّ كلّ ما يُعانيه هذا البلد، وفي ظلّ المواجهات العسكرية القائمة عند الجبهة الجنوبية، والتي تُنبىء في كلّ ساعة بأنّ شرارة الحرب الإقليمية الشاملة قد تندلع منها؟!