في ذكرى "الطائف": خريطة طريق لإنقاذ لبنان
هذا هو السبيل لولادة الدولة الجديدة
داود رمال – "اخبار اليوم"
صادف الاول من امس الذكرى الخامسة والثلاثين لتوقيع اتفاق الطائف، الذي وافق عليه مجلس الأمن الدولي في 5 تشرين الاول من العام 1989، ليكون الحدث المحوري الذي وضع حداً للحرب الأهلية اللبنانية وأسس لمرحلة جديدة من الاستقرار السياسي بجهود عربية ودولية، حيث لعبت دولة الكويت دورا بارزا فيها، ومقدمة الدستور التي جاءت كنتيجة مباشرة لهذا الاتفاق لم تكن مجرد نص قانوني، بل خريطة طريق للخلاص الوطني، إذا ما تم تطبيقها بحكمة وإرادة رجال دولة ينتمون إلى لبنان فقط، دون ولاءات خارجية.
وجاء اتفاق الطائف ليعالج التوترات الطائفية التي عصفت بالبلاد لعقود. إذ شكل الطائف الإطار الذي يضمن التوازن بين الطوائف المختلفة ويؤسس لنظام سياسي يتسم بالاستدامة، ومقدمة الدستور التي ولدت من رحم هذا الاتفاق نصت بوضوح على أن سيادة لبنان واستقلاله تقوم على انتماء وطني لا يشوبه تدخل خارجي، وهذه المبادئ لا تزال حتى اليوم تشكل السبيل الأمثل لحل الأزمات اللبنانية المتفاقمة، شريطة أن تتولاها قيادات سياسية نظيفة الكف وذات كفاءة، تعمل لمصلحة لبنان أولاً وأخيراً.
وفي ظل التقلبات الإقليمية والدولية، يبقى انتماء لبنان إلى محيطه العربي عاملاً أساسياً لاستقراره، والتزام لبنان بميثاق الأمم المتحدة وبالعلاقات الدولية المتوازنة هو جزء من استراتيجيته للحفاظ على موقعه كدولة ذات سيادة، وهذا الانتماء الإقليمي يُعد ضرورة للحفاظ على العلاقات الديبلوماسية والاقتصادية مع الدول العربية والمجتمع الدولي، وهو ما يعزز موقع لبنان في النظام الدولي ويحميه من التدخلات الخارجية.
ونص اتفاق الطائف بشكل صريح على ضرورة تحييد لبنان عن النزاعات الإقليمية، وهذا المبدأ يهدف إلى حماية لبنان من أن يصبح ساحة للصراعات الإقليمية التي لا تمت له بصلة، وفي ظل الأوضاع المضطربة في المنطقة، من الضروري أن يلتزم لبنان بهذا التحييد لضمان عدم زجه في أتون صراعات إقليمية تهدد أمنه واستقراره الداخلي.
ومنذ زمن طويل، كان موقف لبنان الرسمي ثابتاً تجاه القضية الفلسطينية، حيث يؤيد الحل العادل الذي يضمن قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة، وهذا الموقف يعزز الاستقرار الداخلي ويمنع أن يتحول لبنان إلى ساحة للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، والحل العادل للقضية الفلسطينية ليس فقط مطلباً أخلاقياً وإنسانياً، بل هو أيضاً ضرورة لضمان السلام في المنطقة، الذي يؤثر بشكل مباشر على استقرار لبنان.
واليوم، وفي ظل الفساد الذي نخر جسد الدولة اللبنانية لعقود، باتت الحاجة ملحة أكثر من أي وقت مضى لرجال دولة نظيفي الكف وكفوئين. كما ان تطبيق مبادئ الطائف بشكل صحيح يتطلب قيادة سياسية تعمل على أساس الكفاءة والنزاهة، بعيداً عن المحسوبية والفساد الذي أضر بالبنية السياسية والاقتصادية للبنان. هذه الشروط هي المفتاح لإعادة بناء الدولة اللبنانية على أسس متينة تضمن استدامة الاستقرار والنهوض الاقتصادي.
في هذه الذكرى التاريخية، يتجدد الأمل بأن يشكل اتفاق الطائف، ومقدمة الدستور التي جاءت كنتيجة له، خارطة طريق لإنقاذ لبنان من أزماته الراهنة، ومن الحرب المدمرة التي تشنها اسرائيل عليه، انطلاقا من التزام لبنان بمحيطه العربي، وبتحييد نفسه عن النزاعات الإقليمية، وبحل عادل للقضية الفلسطينية، هو السبيل لولادة الدولة اللبنانية الجديدة. دولة تقوم على الكفاءة والنزاهة، وتقودها قيادات سياسية تضع مصلحة لبنان فوق كل اعتبار.
أخبار اليوم