الجرب والقمل والفطريّات تهدّد صحّة النازحين في مراكز الإيواء!
طبيبة امراض جلديّة تنصح باتباع خطوات... والانتباه الى مؤشرات قبل تفاقم المشكلة!
ندى عبد الرزاق - "الديار"
في ظل الظروف القاسية التي يعيشها النازحون في مراكز الإيواء المكتظة، تتزايد المخاطر الصحية التي تهدد حياتهم اليومية، خصوصاً مع انتشار الأمراض الجلدية المعدية، التي تتفشّى بسرعة في بيئات مزدحمة وغير صحية. اذ إن التجمعات السكانية الكبيرة في أماكن تفتقر إلى النظافة، تعد بيئة خصبة لانتقال العدوى، مما يزيد من تعقيد الأوضاع الصحية في ظل الحرب ونقص الإمكانات اللوجستية. ومع التحديات النفسية والاقتصادية التي يواجهها المهجرون، تأتي الأزمات الصحية لتفاقم مأساتهم.
لذلك، تحدثت طبيبة متخصصة لـ «الديار» بهدف توعية المواطنين بشأن الامراض الجلدية المعدية التي تهدد صحتهم، بالإضافة الى مناقشة أسباب انتشارها في بيئاتهم المتراصّة، والإجراءات التي يمكن اتخاذها للحد من هذه المخاطر.
الاحتشاد في الأماكن
المغلقة يكثّر الاسقام
توضح المتخصصة في الأمراض الجلدية الدكتورة غادة قصير، أن «الاكتظاظ في الأماكن المغلقة مثل المدارس والملاجئ والسجون، يسهم بشكل كبير في انتشار الأمراض الجلدية المعدية. تنتقل العدوى بسهولة نتيجة التماس المباشر بين الأفراد، لا سيما في ظروف الحرب التي تضعف الموارد المادية والبشرية والصحية الضرورية».
مرض يتناقل سريعاً!
وتقول: «يعد مرض الجرب من أبرز الأمراض التي تنتشر في البيئات المزدحمة. وعلى عكس الشائع، فإن الجرب لا يرتبط بالنظافة الشخصية، بل ينتج من وجود الأشخاص في أماكن محتشدة». وتضيف «أن الجرب ناجم عن حشرة صغيرة لا تُرى بالعين المجردة تبيض تحت الجلد، حيث تحفر أنفاقا لوضع بيوضها. لذا تتمثل الأعراض الرئيسية بالحكة الشديدة، وتتركز غالباً بين الأصابع والمرفقين والمناطق الحساسة».
صعوبة الوقاية تزيد من خطورة الواقع!
وتشير الى انه «في ظل غياب الحمامات ووسائل النظافة الأساسية، يصعب على النازحين الوقاية من هذا المرض. لذا، تعتبر الحرارة العالية وغسل الملابس في درجات حرارة مرتفعة، من الوسائل الفعالة للقضاء على هذه الحشرات، لكن القدرات غير متاحة في الظروف الراهنة».
وتلفت الى «امر إيجابي وحيد في كل ما تقدم، وهو ان الشفاء من الجرب سهل، بحيث يمكن وضع بعض أنواع اللوشن مثل «غاما بنزا» او «البيرميثرين»، وتستخدم هذه المستحضرات الطبية لعلاج هذا المرض، حيث توضع على الجلد لمدة 8 ساعات، ومرة واحدة كافية».
تهديد آخر للأطفال
وتشير إلى أن «القمل مشكلة أخرى تنتشر في مراكز الإيواء المكتظة، خاصة بين الأطفال. ومن الضروري أن يستشير كل من يعاني من حكة في الرأس طبيباً مختصاً، حيث يكون حاضرا في مركز الايواء، بخاصة الأطفال، لتجنب تفشي العدوى».
الفطريات... هلاك دائم في بيئات الرطوبة العالية
وتلفت الى أن «الرطوبة المرتفعة في لبنان تساهم في انتشار الفطريات الجلدية، والتي تعتبر من أشرس الأمراض في هذه الظروف. وتزداد خطورتها عندما يضطر الأفراد إلى ارتداء الأحذية لفترات طويلة دون تهوية كافية، بسبب حرمانهم من حريتهم الشخصية، مما يؤدي إلى تفشي الفطريات في الجسم، وبخاصة لدى الأطفال، وقد يصاب هؤلاء بالصلع الدائم اذا اصابت منطقة الرأس، وهذا ان دل على شيء فيدل على مدى اذية هذا الداء».
العدوى تدق ناقوس الخطر!
مهدي، أب لأربعة أطفال يعيش في مركز إيواء مكتظ، يروي لـ «الديار» معاناته اليومية قائلاً: «بدأت الحكة تنتشر بين أفراد أسرتي واحدا تلو الآخر. اعتقدنا في البداية أنها مشكلة عابرة، ولكن مع تزايد الحكة والاحمرار على الجلد، اكتشفنا أننا جميعا مصابون بالجرب. ومع غياب الخدمات الطبية المناسبة، أصبح علاجنا معقدا بسبب الاحتشاد الهائل في مركز الايواء هذا».
من جانبها، تقول أم ابراهيم، وهي أم لثلاثة أطفال، «لقد انتشر القمل في رؤوس أطفالي بعد ايام من وصولهم إلى المركز، وبتّ مضطرة كل يوم الى فحصهم، لأننا نفتقر إلى الأدوات الأساسية للعناية الشخصية».
الجهود المبذولة لمعالجة
الأزمة الصحية في مراكز الاستقبال
وتشير احدى المنظمات الإنسانية المحلية لـ «الديار»، إلى أنها «تسعى لتقديم الدعم الطبي العاجل للنازحين، بما في ذلك توزيع مواد النظافة الشخصية مثل الصابون والمطهرات والشامبو الخاص بمعالجة القمل. ومع ذلك، فإن حجم الأزمة يتطلب مزيدا من الموارد والتدخلات. تُعد الحملات التوعوية في مراكز الإيواء إحدى الطرق الرئيسية، التي تعتمد عليها الجمعيات لتقليل انتشار العدوى».
وفي هذا المجال، توضح الدكتورة غادة قصير أن «زيادة الوعي بطرق الوقاية، مثل غسل الملابس والاهتمام بالنظافة الشخصية رغم الظروف الصعبة، خطوة أساسية في تقليص خطر انتشار الأمراض الجلدية المعدية».
التحديات اللوجستية
وتوزيع الموارد بشكل عادل
وفقا لمصادر اغاثية مطلعة، فانه «على الرغم من الجهود الكبيرة التي تبذلها المنظمات الإنسانية، تواجه الفرق الميدانية عقبات عديدة، أبرزها صعوبة توصيل الإمدادات الطبية ومواد النظافة إلى مراكز الإيواء المكتظة، لا سيما في المناطق البعيدة عن بيروت أو تلك القريبة من مناطق النزاع. كما يضاعف نقص المياه النظيفة من تعقيد الأمور، حيث يعتمد النازحون في بعض الأحيان على مصادر مياه غير صالحة للاستعمال، مما يسهم في تفاقم انتشار الأمراض الجلدية».
تضافر الجهود في ظل الأزمة الإنسانيّة
وتؤكد المصادر لـ «الديار» انه «مع تعاظم الأزمة نتيجة النزوح، الذي شمل حوالى مليون مواطن لبناني بسبب الحرب المستمرة في الجنوب والضاحية والبقاع، تبرز الحاجة الملحة الى تضافر الجهود المدنية والحكومية، للتصدي لهذه التحديات الصحية والإنسانية، بحيث لا يقتصر الامر على فقدان المأوى، بل يتجاوز ذلك ليشمل تعرض الحوامل وكبار السن والأطفال لأخطار صحية جسيمة، بشكل خاص مع تنامي انتشار الأمراض الجلدية وغيرها من الأمراض المعدية».
وتشير الى ان «العمل المشترك بين الحكومة اللبنانية والمنظمات الإنسانية والمجتمع المدني، يعد ضرورة ملحة لتوفير الدعم اللازم لهؤلاء النازحين، سواء كان ذلك من خلال تحسين ظروف الإيواء، أو تعزيز حملات التوعية الصحية، أو ضمان تأمين الخدمات الطبية الأساسية. فضلا عن ذلك، يجب أن يتحلى الجميع بحس المسؤولية الوطنية للتعامل مع هذه الأزمات، لأن التضامن والتعاون هما السبيل الوحيد لحماية صحتهم وكرامتهم».
وتختم المصادر «تتطلب الأوضاع الراهنة التزاما جادا من جميع الأطراف لتحقيق استجابة فعالة وشاملة، لتجسد قيم الإنسانية وتسعى الى بناء مستقبل أكثر أمانا وصحة لجميع اللبنانيين. فالوقت ليس في مصلحتنا، وتحتاج الأوضاع الراهنة الى حلول فورية، لكفالة عدم تفاقم الواقع أكثر، وتجنب المزيد من المآسي في حياة المواطنين، الذين يواجهون بالفعل صراعات عديدة في ظل ظروف قاسية».