الوضع المالي نهاية تموز: إستمرار نزف الايرادات وحصر النفقات
موريس متى -"النهار"
توقَّع التقرير الاخير لصندوق النقد الدولي حول آفاق الاقتصاد العالمي للعام 2020 أن يسجل الاقتصاد اللبناني إنكماشا قياسيا بنسبة تقارب الـ25%، نتيجة تراجع الناتج المحلي الى 18.7 مليار دولار في العام 2020 مقابل 52.5 مليارا في 2019، وبعدما سجل الاقتصاد نسبة انكماش قاربت -6.9%.
مجموعة عوامل دفعت الى تعميق نسبة الانكماش المتوقعة للإقتصاد اللبناني في العام الحالي، أبرزها اشتداد الازمة الاقتصادية والمالية والنقدية التي حصلت في الربع الأخير من العام الفائت، مروراً بتبعات إعلان لبنان تعليق سداد ديونه الخارجية وما ترافق معه من فشل في وضع خطة شاملة للتفاوض مع الدائنين، وصولاً الى انتشار فيروس كورونا وإقفال القطاعات لوقف انتشاره، ما وجَّه ضربة إضافية الى القطاعات الاقتصادية والانتاجية، الى انفجار المرفأ وخسائره التي تتخطى الـ7 مليارات دولار، توازياً مع الانقسامات السياسية والازمة الحكومية وغياب المسؤولين. كلها عوامل دفعت الى ارتفاع حدة الازمة الاقتصادية والمالية والنقدية.
ومع الانكماش القياسي المتوقع للإقتصاد اللبناني في العام 2020، يتوقع صندوق النقد ان تصل نسبة التضخم في لبنان الى مستويات مرتفعة جدا قرب 145% بعدما سجل التضخم نسبة 7% في العام 2019 مع استمرار تردّي الأوضاع النقدية نتيجة التفاوت الملحوظ بين سعر الصرف الرسمي للدولار الاميركي وسعر الصرف السائد في السوق الموازية.
تراجع الايرادات
وتستمر الايرادات العامة لخزينة الدولة بالتراجع مع التراجع المستمر في الايرادات الضريبية وغير الضريبية بالمقارنة مع الفترة ذاتها من العام الفائت. وفي ملخص الوضع المالي في لبنان، وبحسب البيانات التي حصلت عليها "النهار"، إستمرت الايرادات في نزفها الحاد خلال شهر تموز2020 بالمقارنة مع تموز 2019 وتراجعت بنسبة 28.61% في اول 7 أشهر من العام الحالي مقارنة مع الفترة ذاتها من العام الفائت، بتراجع يقارب 2880 مليار ليرة. وتراجعت الايرادات الضريبية بنسبة 27.43% في اول 7 أشهر من العام الحالي مقارنة مع الفترة ذاتها من عام 2019، كما تراجعت إيرادات الجمارك بنسبة 33% وإيرادات الضريبة على القيمة المضافة بنسبة 55.21%، اي بتراجع قيمته نحو 1234 مليار ليرة، مقارنة مع اول 7 أشهر من العام 2019. كما تراجعت إيرادات الاتصالات الى خزينة الدولة بنسبة 56.53% الى 300 مليار ليرة فقط في اول 7 اشهر من العام الحالي مقارنة مع حوالى 690 مليار ليرة في الفترة ذاتها من 2019.
تراجع النفقات
ويشير ملخص الوضع المالي الى تراجع النفقات الاجمالية بنسبة 23.23% مقارنة مع ما سجلته في اول 7 أشهر من 2019 اي بما يقارب 3027 مليار ليرة، بعدما سجلت النفقات العامة مستوى يناهز الـ10 آلاف مليار ليرة في اول 7 اشهر من 2020 مقارنة مع حوالى 13033 مليار ليرة في الفترة ذاتها من العام الفائت.
وأبرز النفقات التي تراجعت على نحو كبير في اول 7 اشهر من العام 2020 هي التحويلات الى "مؤسسة كهرباء لبنان"، وقد تراجعت بنسبة 36.19% مقارنة مع الفترة ذاتها من 2019 بما قيمته 457 مليارا و569 مليون ليرة نتيجة تراجع سعر برميل النفط عالميا. وتؤكد مصادر وزارة المال إستمرار تطبيق سياسة ترشيد الانفاق العام التي تساهم في تحقيق خفض في الانفاق، حيث حصرت الوزارة النفقات بالاساسيات والاولويات وعلى رأسها المستشفيات والادوية والشؤون الاجتماعية والنفايات والتعليم والجمعيات المسجلة، كما ساهم في خفض النفقات العامة، تراجع الانفاق المتعلق بخدمة الدين مع تعليق لبنان سداد ديونه. ويظهر ملخص الوضع المالي لوزارة المال نهاية تموز 2020 تراجعاً في نسبة الفوائد المسددة تقارب 54.5% مقارنة مع ما سدد في الفترة ذاتها من 2019، وتراجعت النفقات المتعلقة بتسديد فوائد الديون الخارجية بنسبة 87.63% نهاية تموز 2020 مقارنة مع الفترة ذاتها من 2019.
القطاع العقاري يفيد من الازمة
اللافت في الارقام المالية ما يتعلق بأداء القطاع العقاري والعمليات العقارية وإيراداتها التي ارتفعت بشكل قياسي في اول 9 أشهر من العام الحالي مقارنة مع الفترة ذاتها من 2019، وارتفاع الحجم الاجمالي للرسوم العقارية المستوفاة من القطاع العقاري بنسبة 150.56% خلال ايلول الفائت وحده مقارنة مع الشهر ذاته من العام 2019، وان إرتفعت قيمة هذه الرسوم المحصلة بنسبة تخطت 84% في آب 2020 مقارنة مع آب 2019، وتحقيقها نسبة زيادة قياسية قرب 332.94% في تموز 2020 مقارنة مع الشهر ذاته من العام الفائت. في الحصيلة، سجل مجموع الرسوم المستوفاة في اول 9 اشهر من 2020 حوالى 756 مليارا و404 ملايين و151 الفا و500 ليرة بارتفاع 83.94% مقارنة مع الفترة ذاتها من العام 2019 إستنادا الى أمانات السجل العقاري والمحاكم العقارية في لبنان. أما بالنسبة الى مجموع المعاملات والعقود التي أنجزت خلال هذه الفترة فقد وصل عددها الى 110435 عقداً ومعاملة مقارنة مع 107.42 عقداً ومعاملة في الفترة ذاتها من العام 2019.
وتبرر مصادر وزارة المال هذا الارتفاع الكبير في الطلب المرتفع على العقارات والشقق كاستثمارات بديلة من الودائع في المصارف، وبعد إجراء الكم الاكبر من هذه العمليات عبر شيكات مصرفية وهي وسيلة اعتمدها عدد من المودعين للإستفادة من اموالهم في ظل الأزمة المصرفية والنقدية الحالية والقيود المفروضة، كما تؤكد المصادر ان ما رفع من حجم الرسوم العقارية المستوفاة من وزارة المال تهافت العديد من المواطنين لتسوية بعض المخالفات والافادة من بعض الاعفاءات، والاهم الاستفادة من تدهور سعر صرف الليرة في السوق، ما جعل القيمة الحقيقية المستحقة على متأخراتهم او تسوية مخالفاتهم، أقل بكثير من قيمتها منذ العام 2019 وما قبل. وهذا ما تؤكده المصادر في الدوائر العقارية، حيث تشهد تقدم العديد من المخالفين بطلبات لتسوية مخالفاتهم او إنجاز عمليات التسوية أو إتمام عمليات الفرز لمبان وعقارات، والافادة من الاعفاءات والتسهيلات، والاهم الافادة من تدهور سعر صرف الليرة في السوق الموازية.
الرواتب والاجور
وبالنسبة الى الأرقام المالية، فقد تراجعت نسبة العجز بالنسبة الى مجموع الموازنة والخزينة العامة بنسبة 12.86% في اول 7 اشهر من 2020 مقارنة مع الفترة ذاتها من العام الفائت. بدوره، يتوقع صندوق النقد الدولي إرتفاع نسبة العجز المالي العام إلى الناتج من نسبة تقارب 10.5% في العام 2019 إلى 16.5% في العام 2020 توازياً مع التراجع الملحوظ في الإيرادات العامة هذا العام. وفي سياق آخر، تؤكد مصادر وزارة المال ان الوزارة ستستمر في دفع الرواتب والأجور للقطاع العام حتى نهاية شهر تشرين الثاني المقبل من حساب الخزينة مباشرة، ولا حاجة للإستدانة مع تأكيدها ان الرواتب مؤمّنة حتى نهاية السنة.