خطر الكوليرا يلوح في الأفق... والاحتياطات الفرديّة قد تحدّ من انتشار المرض!
الاجراءات الاحترازية تتطلب اهتماما مستمرا من السلطات اللبنانية لضمان السلامة العامة
ندى عبد الرزاق - "الديار"
يواجه لبنان اليوم ظروفا إنسانية وصحية معقدة جدا، نتيجة لتصاعد الاعتداءات «الإسرائيلية»، التي أدت إلى اندلاع حرب شرسة بين حزب الله والكيان الصهيوني، لا سيما في جنوب لبنان والبقاع وضاحية بيروت الجنوبية. وقد أسفرت هذه الاشتباكات عن تهجير عشرات الآلاف من المواطنين، مما فرض ضغطًا غير مسبوق على البنية التحتية المحلية، بما في ذلك خدمات المياه والصحة التي كانت تعاني من ضعف شديد قبل الأزمة.
في ظل هذه الأوضاع، تم تحويل أكثر من 1100 مدرسة إلى مراكز إيواء مؤقتة للنازحين، وبالرغم من ذلك، تفتقر هذه المنشآت إلى أبسط التجهيزات الأساسية، مثل أنظمة تنقية المياه وأدوات التعقيم، وقد تسببت عوامل عدة بجعل هذه المرافق بيئة خصبة لانتشار الأمراض المعدية، وعلى رأسها الكوليرا.
في المقابل، ينجم عن نقص المياه النظيفة وعدم تجهيز هذه المراكز بشكل مناسب لاحتياجات النازحين خطر تفشي الكوليرا. ووفقا للوضع الراهن، يضطر المهجرون إلى استخدام مياه ملوثة لأغراض الطهي والتنظيف، مما يضاعف من احتمالات انتشار هذا الوباء بشكل كبير في المجتمع اللبناني.
تسجيل أول إصابة بالكوليرا... إنذار خطر
في ظل تفاقم الأزمة الإنسانية، تم تسجيل أول حالة إصابة بالكوليرا في لبنان، وكانت لامرأة من بلدة السمونية في عكار. لذا، كانت هذه الإصابة كناقوس الخطر، حيث يشير أطباء لـ «الديار» إلى أن تفشي الكوليرا قد يكون سريعا، بخاصة مع الارتفاع المستمر في أعداد المهجرين.
ولمواجهة هذا التهديد سارعت السلطات اللبنانية إلى تفعيل «الخطة الوطنية للكوليرا»، التي تهدف إلى مكافحة انتشار المرض، وحماية المواطنين والمهجرين من تداعياته.
الداء يُنذر بواقع مؤلم
لا شك أن عملية التهجير الواسعة التي شملت العديد من المحافظات والاقضية اللبنانية من الجنوب الى البقاع مرورا ببيروت، قد فاقمت الأوضاع الصحية في لبنان، خاصة مع تزايد أعداد المهجرين يوما بعد يوم. وقد انعكست هذه الأزمة على الخدمات الأساسية، مثل المياه النظيفة والرعاية الطبية. وبالاستناد الى كل ما تقدم، فان تفشي بعض الأمراض مثل الجرب، يبرهن على أن الأوضاع في لبنان تمثل تهديدا حقيقيا لانتشار الأوبئة الخطرة، وعلى رأسها الكوليرا.
بالإضافة الى ذلك، تعاني المؤسسات التربوية التي تحولت إلى مراكز إيواء من مشكلات عديدة، منها الازدحام الشديد، وعدم توافر المرافق الصحية المناسبة، مما يبيّن ان المهجرين يعيشون ظروفا قاسية في هذه الأماكن، وبالتالي يجعلهم أكثر عرضة للأمراض المعدية، بخاصة مع نقص الإشراف الصحي والافتقار إلى وسائل الوقاية الفعالة.
وفي هذا السياق، قامت «الديار» بجولة على بعض مراكز الإيواء في بيروت والدكوانة وغيرهما من المناطق التي تأوي مهجرين ، وتعمدت الدخول إلى بعض الغرف التي تحولت إلى مطابخ، لتجد أن هذه الغرف، التي كانت في الأساس غير مهيأة لمتابعة العملية التعليمية، تفتقر إلى ابسط الشروط الصحية والحياتية معا. حيث شاهدت الاطباق مبعثرة على الأرض، والملاعق والأكواب متناثرة، بينما الطناجر والأواني المستخدمة في الطهي ملقاة أيضا في كل زاوية، وهذا يزيد من احتمالات تلوث الطعام وانتشار الأمراض. تسلط الحالة الراهنة الضوء على المخاطر الصحية الكبيرة التي يواجهها النازحون، في ظل افتقارهم إلى الظروف الأساسية للحياة الآمنة.
شهادات من النازحين
وفي هذا الإطار، تقول الحاجة هدى: «نعيش في مدرسة لا تحتوي على ما يكفي من المياه النظيفة». في حين تؤكد الحاجة فاطمة، نازحة من بنت جبيل ان «الحياة قاهرة في مراكز الاستضافة، فنحن نغسل الصحون على المغاسل القريبة من الحمامات وقد تكون المياه ملوثة، ويتعاظم خوفنا من الكوليرا يوما بعد يوم».
ويوضح النازح إبراهيم من قصرنبا البقاعية قائلا: «بسبب الاحتشاد الشديد، ليس هناك مساحة خاصة للنوم، وبالتالي نفتقد الأماكن النظيفة الخالية من الجراثيم والبكتيريا، او تلك المهيأة للقيام بأي عمل منزلي مثل غسل الاطباق والخضر والفاكهة وغيرها من الخدمات المنزلية البديهية، كما ان المياه التي نشربها غير صالحة ودائما تكون «معكّرة». لذلك نحن نعيش تحت تهديد مستمر من الكوليرا».
المخاطر والأسباب والوقاية
تعد الكوليرا مرضا بكتيريا ينتقل عبر المياه الملوثة بواسطة البكتيريا Vibrio cholerae، وينتج منها إسهال حاد وجفاف، يمكن أن يؤدي إلى الوفاة في حال عدم تلقي العلاج بسرعة. وحسب رأي اختصاصي التغذية طه مريود، ترتبط الكوليرا ارتباطا وثيقا بتدهور خدمات المياه والصرف الصحي في لبنان، بخاصة في الأماكن التي تفتقر إلى التجهيزات الصحية المناسبة، مثل المدارس التي تم تحويلها إلى مراكز إيواء».
ويؤكد لـ «الديار» أن «انتشارها يزداد بشكل كبير في ظل الظروف الحالية، حيث إن المئات من المدارس التي تأوي المهجرين ، لا تحتوي على أنظمة لتنقية المياه أو أدوات لتعقيمها، مما يجعلها عرضة لتلوث المياه بشكل متكرر».
أعراض الكوليرا وعلاجها
ويقول: «يمكن أن تظهر أعراض الكوليرا بشكل مفاجئ على بعض المصابين، مثل الإسهال الشديد الذي قد يؤدي إلى فقدان السوائل بمعدل يصل إلى لتر في الساعة، إلى جانب القيء والجفاف الحاد الذي يسبب انخفاضا في ضغط الدم.
اما بالنسبة الى العلاج، يؤكد مريود انه متاح عبر محاليل الإماهة الفموية التي تساعد في تعويض السوائل، لكن الوصول إلى هذه العلاجات في وقت مناسب يتطلب استجابة سريعة، بخاصة في المناطق المزدحمة».
كيفية الوقاية في هذه الظروف
لتفادي انتشار الكوليرا، يشدد مصدر في وزارة الصحة لـ «الديار» على «اهمية اتخاذ عدة خطوات للوقاية، من أهمها توفير مياه نقية وامنة للشرب، بالإضافة الى ضرورة غسل اليدين بانتظام، وتوعية النازحين حول تعقيم الأطعمة والأواني المستخدمة. إن الاجراءات الاحترازية تتطلب اهتماما مستمرا من السلطات اللبنانية لضمان السلامة العامة».
ويشير الى ان التحدي الأكبر أمام لبنان يبقى في توفير بنية تحتية صحية ملائمة في مراكز الإيواء، التي استضافت مئات الآلاف من النازحين. وفي ظل الظروف الصعبة التي يمر بها البلد، يظل الرجاء على تكثيف الجهود الحكومية والدولية لمكافحة انتشار الكوليرا وتقديم الرعاية الصحية المناسبة للمتضررين».
السلطة امام اختبارات!
في الخلاصة، تواجه السلطات اللبنانية اليوم تحديات كبيرة في التعامل مع أزمة التهجير المتفاقمة، لا سيما في توفير خدمات المياه والصرف الصحي في مراكز الإيواء. وفي ظل الأزمة الاقتصادية التي يرزح تحت وطأتها لبنان، يجد المواطنون والمهجرون صعوبة في الحصول على الخدمات الأساسية التي تحميهم من الأمراض المعدية مثل الكوليرا. علاوة على ذلك، تعاني الحكومة اللبنانية من شح في الموارد الضرورية، لتأمين هذه الخدمات في الوقت المناسب.