فيديو عن النسوية اثار الجدل في الساعات ال٢٤ الماضية
ميشال نجيم – "أخبار اليوم"
هي باختصار دوّامة. لا يمكنني أن أجد وصفاً آخر يناسبها. فأنا اصلاً في قلبها وهذا المقال يساهم في استمرارها. لكن مهلاً، هل يجب نقلها من مكانها الأصلي على تويتر الى هنا (أقصد الى موقع الكتروني)؟ الن تصبح الدوّامة عندها أكبر وأكثر انتشاراً؟ ولكن مهلاً مرة ثانية، لقد سبق ان انتقلت الدوّامة الى المواقع الالكترونية قبل اليوم، لذا هل لا يزال من الممكن تجاهلها او اعتبار انها ليست موجودة؟ بالطبع لا، فالدوّامة هنا وهي باقية ولن تزول وستعرفون كيف ولماذا بعد قليل.
اسمحوا لي بدايةً أن اخبركم عن ماهيّة هذه الدوّامة. نقطة انطلاق الدوّامة هي تويتر عندما ينشر أحدهم (قد يكون فرداً او مؤسسة إعلامية، شرط ان يكون لديه عدد لا بأس به من المتابعين) على حسابه تسجيلاً مصوّراً لشخص معيّن (احياناً يكون هذا الشخص المعيّن هو ناشر الفيديو) يقول فيه كلاماً مستفزاً لفئة او أكثر من المغرّدين والناشطين (وهذا حقه الطبيعي ان كنّا فعلاً نؤمن بحرية التعبير). عندها يأخذ أحد ما من معارضي ما قاله هذا الشخص، ويعيد نشر التسجيل عينه مصحوباً بعبارات الشجب والاستنكار والشتم احياناً. يهبّ باقي معارضي الكلام واحداً تلو الآخر لاستنكاره، معيدين نشر الفيديو احياناً فيلقى مزيداً من الرواج او من دون ان يعيدوا نشره احياناً أخرى فيسألهم متابعوهم عن السبيل لمشاهدة الفيديو مثار الجدل فيدلّهم شخص آخر من المتابعين على مكان نشر الفيديو او ينشره بنفسه تحت التغريدة المعارضة. وفي المقلب الآخر، تهبّ فئة ثانية من المغردين والمغردات لتعبّر عن عدم معارضتها لهذا الكلام الذي اثار الجدل او اقلّه على احترامها للشخص الذي قاله مدافعةً عن حقه المشروع في قول ما يريد!
وهكذا يتزايد بسرعة انتشار الفيديو ويزداد عدد التغريدات والتعليقات بشأنه وينتشر هاشتاغ (او أكثر) حول الموضوع ويتحوّل الى ما يعرف في لغة تويتر بال "ترند" وعندها يلفت هذا الترند مزيداً من الناس ويحقق الفيديو الأصلي عدداً كبيراً من المشاهدات. وعندما يحصل هذا الامر، تتلقف المواقع الالكترونية الموضوع وينشر كل منها خبراً في شأن الجدل الدائر وفي متن الخبر يبرز الفيديو المثير للجدل فيزداد عدد المطلعين على الامر ويزداد بالتالي عدد الردود والتعليقات. وهنا يدخل الاعلام المرئي الى الساحة فيحضر الجدل في الفقرة اليومية التي تعالج شؤون وسائل التواصل الاجتماعي على الشاشة ويزداد انتشار الموضوع وتنتهي القصة بحلول صاحب الفيديو ضيفاً على برنامج تلفزيوني يحرص على اطلاع المشاهدين على أي جدل (من أي نوع كان) يدور في البلد، وهكذا تصبح اعداد كبيرة من الناس على اطلاع على موقف مثير للجدل قيل في فيديو موجّه اساساً لعدد محدد من الناس وإذ به يجتاح البلد جارفاً في طريقه اخباراً أكثر أهمية منه بأشواط وأكثر تأثيراً بمئات المرات على حياة الناس! وفي اليوم التالي (او الذي يليه)، يُنشر فيديو جديد فيه كلام مثير للجدل ايضاً ويتكرر المشهد نفسه من الفه الى يائه.
هذه هي الدوّامة التي حدّثتكم عنها. هل استوعبتم ماهيّتها؟
في أي حال، لمزيد من التوضيح، سأحدثكم عن نينا عبد الملك نموذجاً للدوّامة على اعتبار انها كانت أمس الثلاثاء صاحبة الفيديو الذي شغل المغرّدين وهزّ تويتر في لبنان.
نينا عبد الملك لمن لا يعرفها صبية من مواليد عام ١٩٩٢ اشتركت قبل سنوات في برنامج ستار اكاديمي ولم تحرز اللقب لكنها شقّت طريقها في الوسط الفني. قبل أربع سنوات تقريباً، تحوّلت بقدرة قادر او بسحر ساحر، نجمة على مواقع التواصل الاجتماعي وباتت تملك حتى اللحظة أكثر من مليونين ومئتي ألف متابع على انستغرام وما يزيد عن ١،٦ مليون متابع على فيسبوك وما يربو على ١٣٣ ألف متابع على تويتر. في تموز عام ٢٠١٩، كشفت نينا عن زواجها من المذيع السوري حسان الشيخ الذي حصل قبل عام من إعلانها عنه وأطلق الثنائي قناتهما المشتركة على يوتيوب واسمها "حسانينا" ويتابعها اليوم ٢٣٣ ألف مشتركاً وعدد مشاهدات الفيديوهات الموجودة عليها يزيد عن ١٢ مليوناً.
يوم الاحد الماضي، نشرت قناة "حسانينا" فيديو مدته نحو ٢٧ دقيقة يظهر فيه الزوجان حسان ونينا في ما يشبه الستوديو الإذاعي يتحاوران حول موضوع النسوية او Feminism (حصد حتى ساعة كتابة هذه السطور ٢٧ الف مشاهدة). فجأة، ظهر على تويتر أمس الثلاثاء فيديو مدته نحو دقيقتين يتضمن مقطعاً من الفيديو الأصلي الذي نُشر الاحد على يوتيوب، تقول فيه الزوجة التي تلعب دور الضيفة: "لا يجوز التساوي بين الجنسين.. الرجل له شغله، والمرأة لها دورها" لتعود وتضيف "وظيفة المرأة الأولى هي التكاثر.. أن تنجب، وتربّي ...لا اعرف لماذا النسويات غاضبات من الحياة، بينما أعطانا الله أسمى المواقع. الدنيا أمّ. لماذا تسعين لأن تكنّ رجالاً؟".
لاقى الفيديو المجتزأ رواجاً بسرعة فائقة على تويتر وبدأ المغردون والمغردات (اللبنانيون في شكل خاص) إعادة نشره واخذ معظمهم يكيل الانتقادات الشديدة القسوة لنينا عبد الملك فأثار الموضوع اهتمام الصحافيين والصحافيات ممن هم حاضرون على تويتر، فباشروا بدورهم نشر الفيديو على حساباتهم (او إعادة نشره) وأدلوا بدلوهم في شأن ما تفوهت به نينا وعاب معظمهم عليها كلامها واصفين إياه بالرجعي واحياناً ب"الاستفراغ".
في المقابل، برزت قلة من المغردين والمغردات رافضة للهجوم على نينا ودافعت عن حق الفنانة في ابداء رأيها بغض النظر عن مضمونه، واعادت المغنية نشر تغريدة للصحافي في قناة الميادين احمد عبدالله الذي انتقد نفاق من قام بترهيب نينا معنوياً فيما هو يعلن تمسكه بحرية التعبير في الوقت نفسه.
رغم ملايين المتابعين الذين تحظى بهم على السوشيل ميديا، لم تحلّ نينا عبد الملك يوماً ضيفة أولى او وحيدة على أي من البرامج التلفزيونية الذائعة الصيت في لبنان والعالم العربي. استضافها مرةً هشام حداد في برنامجه "لهون وبس" انما لدقائق فقط انطلاقاً من كون برنامجه يستقبل أي ظاهرة على وسائل التواصل، وغنّت يوماً اغنية مع أحد المشتركين في موسم من مواسم ديو المشاهير. وإذا ما بحثتم عن اسم نينا عبد الملك بالعربية على يوتيوب، لن تجدوا أي مقتطف من مقابلة تلفزيونية أجريت معها! لكن فيديو "النسوية" لنينا عبد الملك الذي انتشر أمس على تويتر كفل لها لساعات او ربما لأيام وفي أحسن الاحتمالات لأسبوع، "شهرة" مستجدة وبنوع خاص على منصة تويتر تحديداً حيث هي الاضعف مقارنةً بحضورها على باقي منصات التواصل الاجتماعي. كما برز اسمها في الساعات الأربع والعشرين الماضية في مقالات نُشرت في ما لا يقل عن ستة مواقع الكترونية يتوقع ان يزداد عددها في الساعات المقبلة (وموقعنا من بينها).
والأرجح باعتقادي ان برنامجاً تلفزيونياً سيستضيف نينا (وربما زوجها معها) في الساعات او الايام المقبلة لتردّ على موجة التعليقات السلبية التي طالتها وهكذا سنجد في المرة التالية التي نبحث فيها عن اسم نينا عبد الملك على يوتيوب، مقابلةً أجريت معها. ولكن في حقيقة الامر، من المسؤول عن كل هذه الجلبة؟ هل هي نينا عبد الملك التي لم يشاهد الفيديو الأصلي لها سوى عدد لم يصل الى ثلاثين الفاً (واغلب الظن انهم شاهدوا فقط اول دقيقة منه وبالتالي ليس المقطع الذي انتشر على تويتر)؟ ام المغردون والمغردات الذين ردوا عليها ونشروا الفيديو المجتزأ على تويتر؟ تلك هي المسألة ويجب ان يكون فيها نظر...
في أي حال، غداً او ربما اليوم، سينتشر فيديو جديد لشخص جديد وسيدخل في دوّامة تويتر. فأهلاً بكم في الدوّامة!