"لدينا المال والخبراء لإصلاح الحال، لكن الحكومة اللبنانية غائبة عن الوعي"
مروان اسكندر -" النهار"
أنهى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أربع سنوات من ولايته، وقد حاولنا ان نتفحص الانجازات فلم نسمع سوى التنديد بالأفرقاء الآخرين الذين تسببوا بتأخير برنامج اصلاح الكهرباء الذي اشرف عليه مباشرة او مداورة الوزير جبران باسيل. ولا بد من الاشارة بالارقام الى فشل مخططات الكهرباء ووزارة الطاقة التي تشرف ايضا على مواضيع المياه وتأمينها نظيفة للاستعمال المنزلي.
الكهرباء هي العنصر الاساسي للتصنيع والخدمات والتحاليل الطبية والبرامج العلمية المتقدمة التي تفسح في مجال الانتساب الى مجموعة الدول ذات الانجازات إما في مجالات البرمجة، وإما في مجالات الاستعمال او التطوير المنتظم والمتفاعل مع حاجات الناس.
منذ عام 1996 وحتى تاريخه، توافرت دراسات معمقة حول برامج اصلاح الكهرباء وتأمينها 24/24 مقابل تكاليف معقولة، وكانت التوصية الاساسية في مجال سياسات الطاقة انشاء هيئة ناظمة تقر استهدافات البرنامج وجزئيات تحقيقه، وقد توافرت لنا الدراسات من "شركة كهرباء فرنسا" ومن بعد من البنك الدولي، ولم يُحرَّك أيّ مسعى تطويري.
رفيق الحريري الذي يُتهم بالتبديد، وفّر الكهرباء 24/24 قبل نهاية عام 2000، وطوَّر شبكات التوزيع وتعاقد على محطتين لتوليد الكهرباء بطاقة 450 ميغاواط لكل منهما، اضافة الى محطتين لكفاية حاجات بعلبك وجوارها والنبطية، وكانت طاقة المعملَين الاصغرين 80 ميغاواط لكل منهما، كما حصل على معونات لتنظيف مجاري الليطاني، إن للمحافظة على الصحة، او لتشغيل محطات أُنجِزت منذ سنوات واستمرت تعمل حتى عام 2005 لان الصيانة توافرت لهذه المحطات البالغة طاقتها 180 ميغاواط في عهد الحريري. وقت اغتيال الحريري الذي كان القصد منه تعطيل مسيرة النمو في البلاد، كان لبنان ينعم بطاقة لانتاج الكهرباء توازي 1160 ميغاواط من المعامل الاربعة الجديدة و180 ميغاواط من معامل مجرى الليطاني التي توقفت اعمالها بسبب اهمال الصيانة، ولجأ العهد الميمون الى استثمار بواخر انتاج الكهرباء منذ عام 2013 وحتى تاريخه بتكاليف بالغة الارتفاع.
كهربائياً، اشتمل عهد الحريري ايضا على توقيع لبنان عام 2004، مع سوريا والاردن ومصر، على استيراد الغاز الطبيعي كلقيم للمعامل الاربعة مقابل خفض في كلفة الانتاج لا يقل عن 40%، وقد استوردنا بعض الكميات قبل انقضاء عام 2004 لتغذية معمل الانتاج الجديد في الشمال. وبعد اغتيال الحريري وطمر آمال اللبنانيين وتوسع الانتقادات للحكم السوري، قطعت سوريا امدادات الغاز المصري الى لبنان، وكان التبرير حاجات السوق السورية الى الكميات المتعاقد عليها، وكان لبنان قد انجز مد خط لنقل الغاز من سوريا (قرب حمص) الى معمل انتاج الكهرباء في الشمال. والواقع ان انتاج الغاز في سوريا، من حقول برية لديها، كان كافياً، لكن المنهج السوري في التعامل مع لبنان كان دائماً من موقع المتحكم لا المتعاون، وها هم اليوم يعانون من تسلط فريق اقوى من الحكم السوري، اي الاميركيين، على انتاج الغاز في سوريا، وانقطاع الكهرباء في سوريا يتجاوز ما نواجهه في لبنان.
لقد توافرت مخصصات للوزير جبران باسيل بلغت نحو 1.4 مليار دولار للتعاقد على انجاز معمل بطاقة 500 ميغاواط وتحسين شبكات التوزيع وزيادة فعالية المعامل القائمة، فأنفق المبلغ على امور ثانوية. وتعاقد عام 2013 مع شركة قبرصية يونانية على انجاز معمل في الشمال بطاقة 450 - 500 ميغاواط، وكان حصل على غطاء لانجاز معمل بطاقة 650 ميغاواط خلال 18 شهراً من شركة لبنانية متميزة، ولم يأخذ باسيل بالعرض، لكن العقد الذي وقّعه لم يؤدِّ الى اي نتيجة لخلاف حول استحقاق ضريبة القيمة المضافة (التي كانت بنسبة 10% حينذاك) ام لا، والواقع ان استحقاقها كان سيحمّل وزارة الطاقة كلفة الضريبة التي تذهب الى وزارة المال، واستمر الخلاف وهو عالق لدى المحاكم البريطانية، وثمة مَيل لتحميل لبنان تعويضات على مستوى 200 مليون دولار.
اليوم وزارة الطاقة متعاقدة مع 40 خبيراً، بينهم ثلاثة تولوا الوزارة، وإحداها حوّلت على ما يبدو 5 ملايين دولار لحسابها في سويسرا، وكانت في الوقت عينه تدعي انها لا تعلم بوجود مبلغ 220 مليون دولار من الصندوق الكويتي لتطوير مواصفات معمل الزوق الذي يشكو منه الناس.
بعد عشرين سنة على توصيات البنك الدولي بالبدء بهيئة ناظمة للكهرباء، وبعد 15 سنة على تكليف لجنة من 8 خبراء لمقابلة مرشحين لعضوية الهيئة، وتوصية اللجنة في خريف 2006 بأسماء نحو 20 خبيراً لعضوية اللجنة، علّقت ابحاث الهيئة حتى تاريخه ولا يزال الوزير بالوكالة – وأحد الخبراء الـ 40 المتعاقد معهم – يصر على اخضاع الهيئة لقراراته. اضافة الى ذلك، ابتلعت وزارة الطاقة 43.9 مليار دولار من المخصصات خارج الميزانية لتغطية خسائرها، وخسائر محطة قاديشا التي استملكتها "مؤسسة كهرباء لبنان"، واختارت لتسييرها الاستاذ كمال حايك الذي هو المدير العام لـ"مؤسسة كهرباء لبنان"، فليتصور القارئ ان حاجات قاديشا – وهي بالمناسبة محطة بطاقة لا تبلغ 100 ميغاواط – اقترح كل من الرئيس نجيب ميقاتي والوزير محمد الصفدي وعدد من المساهمين من اهالي طرابلس الناجحين تطويرها وتشغيلها على الغاز المسيل الاقل تلويثاً ورفع طاقتها الى 300 ميغاواط، وبالطبع كان هنالك رفض من مدير عام قاديشا الذي هو مدير عام "مؤسسة كهرباء لبنان" ايضا لانه المتحكم بحاجات معمل قاديشا وتمويله وتجهيزاته.
المهم سيدي الرئيس، ان حسابات "مؤسسة كهرباء لبنان"، ومحطة قاديشا، وتكاليف تشغيل معامل الانتاج في مجرى الليطاني، كلها ارقام لا تتوافر حتى لدراستها من قِبل المشرفين على اعمال "مؤسسة كهرباء لبنان". وكل المعروف ان نفقات وزارة الطاقة على الانتاج والصيانة والتلزيم تجاوزت مع فوائدها مبلغ 65 مليار دولار، وهذه الارقام لم تكن مسجلة في ايّ من ابواب الموازنة التي كان، وربما لا يزال، يشرف عليها رئيس لجنة المال النائب ابرهيم كنعان.
لقد كان هذا العهد، ولا يزال، يمارس الإنفاق من دون اي احتراز، ويمارس الحكم من دون التحوّط لنظرة الدول الاخرى الى لبنان، ولبنان لن يستعيد عافيته او جزءاً يسيراً منها، ولن يستعيد ثقة المؤسسات الدولية ما لم تصطلح ادارته. هكذا قالت قبل اسبوع الرئيسة التنفيذية لصندوق النقد الدولي: "لدينا المال والخبراء لإصلاح الحال، لكن الحكومة اللبنانية غائبة عن الوعي".