نكسات واهتزازات وارتجاجات إقليمية متتالية فهل باتت المنطقة أمام مستقبل مستحيل؟...
شحيتلي: كل دولة تنشط على هذه الأرض أو تلك لتنفيذ "الأجندا" الخاصة بها
أنطون الفتى - وكالة "أخبار اليوم"
لعلّ النتيجة الأبرز التي تُظهرها الوقائع الحالية في الشرق الأوسط، هي أنه من المُبكِر جداً البتّ بأي نقطة تتعلّق بالمستقبل، منذ الآن.
اهتزاز قوي
فصحيح أن الإيرانيين أُصيبوا بنكسات متتالية، إلا أن إيران لا تزال قوّة إقليمية مؤثِّرَة في المنطقة. وصحيح أن الروس أُصيبوا باهتزاز قوي في سوريا خلال الأسبوعَيْن الأخيرَيْن تحديداً، إلا أن لا أحد ينتظر من موسكو أن تسلّم بترك منطقة المياه الدافئة خالية من أي مكسب.
وصحيح أن الأتراك من أكبر الرابحين بالتمدُّد في الأراضي السورية، عسكرياً ومن حيث التأثير والنفوذ السياسي والاقتصادي، إلا أن لا شيء يؤكد حتى الآن أن أنقرة قادرة على الإمساك بسوريا الجديدة، بالقوة نفسها التي استلمت فيها إيران الدولة العراقية التي انبثقت من إسقاط نظام الرئيس الراحل صدام حسين.
ضبابي...
وبالنّسبة الى العرب، لا مؤشّرات واضحة حتى الساعة على أن سوريا الجديدة ستنجح بأن تكون دولة محفوظة للنفوذ العربي، وللتحالفات العربية - العربية فقط، ضمن مدى بعيد، وذلك رغم تحسُّن العلاقات الخليجية - الإيرانية والخليجية - التركية كثيراً، منذ عام ونصف تقريباً.
وأما بالنّسبة الى الأميركيين والإسرائيليين، ورغم دورهم الواضح بما جرى ويجري في سوريا، إلا أن لا شيء يقول إنهم سينالون كل ما يطلبونه من سوريا وفيها، خلال المرحلة القادمة.
وأمام المشهد الضبابي هذا، كيف يمكن للمستقبل أن يكون، وسط حاجة ماسّة لإنهاء الحروب على مستوى المنطقة عموماً؟
مناطق نفوذ
في تعليقه على آخر المستجدات السياسية والعسكرية الإقليمية، أكد اللواء الركن المتقاعد عبد الرحمن شحيتلي أن "لا شيء اسمه فصائل سوريّة مسلّحة أحدثت كل هذا التغيير في سوريا من تلقاء ذاتها، بل ان كل ما حصل هو عبارة عن عمل دول إقليمية تنسّق مع دول كبرى، وسط تقاسم نفوذ بين الجميع على الأرض".
وأشار في حديث لوكالة "أخبار اليوم" الى أن "هناك مناطق تقاسم نفوذ، وهو ما قسّم المنطقة الى محاور انبثقت من النفوذ التركي - القطري، ومن النفوذ السوري - الإيراني، والإيراني - التركي، والسعودي - العربي - التركي. وهذه المحاور لها تنظيمات على الأرض تنفّذ ما يخدم نفوذها. وما جرى في سوريا مؤخراً هو أن النفوذ التركي طغى على الإيراني. وبالتالي، سيتبيّن بعد مدّة أين أصبح هذا النفوذ التركي بملف غزة، وإذا ما كان أخذ حصّته في سوريا مقابل تخلّيه عن نفوذه هناك (غزة) لصالح نفوذ آخر. ولكن في أي حال، هذه مصالح دول إقليمية كبيرة، تنسّق مع دول كبرى هي روسيا والولايات المتحدة الأميركية تحديداً، وتحفظ لها مصالحها أيضاً".
قبل تسلُّم ترامب؟
ولفت شحيتلي الى أنه "بتقاسُم النفوذ الجديد مستقبلاً، سيظهر جلياً الشكل الذي ستستقرّ عليه الأمور، وأين سيكون النفوذ التركي والإيراني والعربي والإسرائيلي. فبعض فصول الأحداث انتهت، فيما بعضها الآخر يتكوّن، من بينها مستقبل غزة، وتقاسم النفوذ في الأرض السورية. ودخول الإسرائيلي بهذا الشكل الى جنوب غرب سوريا ليس بريئاً، وهو يطرح أسئلة حول المدى الذي من الممكن أن يصل إليه، وما إذا كان فقط لقطع خطوط الإمداد عن "حزب الله" أو لأهداف أخرى أيضاً".
ورأى أن "قراءة الأحداث تدلّ على أن كل دولة تنشط على هذه الأرض أو تلك، لتنفيذ "الأجندا" الخاصة بها، وتحديد منطقة نفوذها. وهنا يُصبح السؤال، لأي نفوذ ستُترَك غزة في المستقبل مثلاً؟ هل لنفوذ إسرائيلي أم عربي يتمتّع بعلاقات جيّدة مع إسرائيل؟ وهل هذا يعني أن هذا النفوذ سيكون سعودياً مثلاً، أو إماراتياً، أو مصرياً، أو ما يجمع بين كل تلك الدول؟ وأمام هذا الواقع، لمن سيكون القرار السياسي في غزة؟".
وأضاف:"هذا كلّه يحصل الآن، أي قبل تسلّم (الرئيس الأميركي المُنتَخَب دونالد) ترامب منصبه رسمياً في كانون الثاني القادم، لأنه عندما سيحين موعد تنصيبه سوف يكون كل شيء جاهزاً ليجلس الجميع الى الطاولة ويوقّعوا على كل شيء. وبالتالي، أعتقد أن كل ما يحدث الآن هو أمور مُتَّفَق عليها، تُنفَّذ على الأرض قبل أن يتمّ التوقيع عليها، أي ان التوقيع يأتي بعد انتهاء التنفيذ".
الطرف الإيراني
وردّاً على سؤال حول مستقبل النفوذ الإيراني في المنطقة، بعد كل ما جرى في سوريا، أوضح شحيتلي أنه "من المُبكِر البتّ بالخريطة النهائية منذ الآن. فأولاً، هل ان إيران بعيدة عمّا يجري الآن؟ أو هل هي على اضطلاع فيه؟ فحتى الطرف الإيراني انسحب قبل سقوط النظام السوري، وتراجع، وذلك بدلاً من أن يخوض مواجهات كَسْر عظم. فهل هذا من ضمن اتّفاق معيّن؟ أو هل اختار أن يتراجع تراجعاً تكتيّاً مثلاً، قبل أن يتحرّك في ما بعد؟ أنا أعتقد أن الإيراني إن لم يَكُن شريكاً في ما حصل، إلا أنه يدرك أين سيكون موضعه، وهو سوف يبني مواقفه وقراراته اللاحقة على تموضعه الجديد ومواقعه الجديدة".
وختم:"الإيراني لن يدخل في مواجهة إذا كان يوجد تسوية معينة بين الجميع، لأنه لن يتواجه مع كلّ الباقين طبعاً، بل سيفعل ما يصبّ في مصلحة إيران. ففي النهاية، المصلحة الكبرى للدولة في أي بلد تبقى فوق اي اعتبار، والإيراني يقوم بمصلحة دولته".