في لبنان... كثيرٌ من التحرُّر والقليل جداً من الحرية والحقّ والحقيقة والعدالة...
"كاتم صوت" تحت طائلة السقوط فريسة التهشيم والتحطيم والاستهزاء والتعنيف
أنطون الفتى - وكالة "أخبار اليوم"
بمعزل عن نتيجة اقتراع رئاسي أو غير رئاسي اليوم، أو في أي يوم آخر، يبقى أن ضمان الحفاظ على الحرية في البلد، هو من أهمّ ما يُطلَب من أي حاكم أو مسؤول لبناني، في أي منصب كان.
ففي لبنان، هناك الكثير من التحرُّر، والكثير من السُّباب والشتائم والتجريح ربما... ولكن لا حرية حقيقية. ففي بلادنا لا يمكننا أن نعبّر عن الحقيقة كما هي، ولا أن نُطالِب بالعدالة كما هي. وفي بلادنا الكثير من الوقاحة، والفجور، والأصوات المرتفعة... ولكن لا توجد أي حقيقة، وأي عدالة، ولا أي قدرة على التعبير عن حقّ، أو على الدّفع باتّجاهه، في بلد يُقال إنه بلد ديموقراطي.
عدم الخوف...
طبعاً، نحن لا نُنكر أن معيار القدرة على قول بعض الأمور كما هي في لبنان، أفضل بكثير ممّا هي عليه الأحوال في بلدان أخرى. ولكن هذا لا يجعلنا في بلد حرّ بالضرورة.
فالحرية مسألة مختلفة جداً، وهي قدرة على انتقاد السلطة والمعارضة معاً، والتعبير عن عدم الإعجاب بعمل أو أداء أي شخص أو جهة، مهما كان، ومهما كانت مهامها.
الحرية هي عدم خوف المعارضة (لا السلطة فقط) من الحقيقة، وليست (الحرية) انتقاداً مستمرّاً للحاكم مقابل تبجيل مُعارِضه. فالمُعارِض قد يُخفق، ويُفسد أيضاً... تماماً كغيره من المسؤولين ضمن أي سلطة.
والحرية هي عدم شعور هذا الشخص أو ذاك بالخوف من النّقد، نظراً الى أنه قد يُخفق، أو يستصعب الأمانة، أو يخونها... مهما كانت طائفته، أو سلطته، أو دقّة مهامه... وأما انتقاده وقول الحقيقة كما هي، فليست استهدافاً له، ولا لشخصه، بل يمكنها أن تشكل فرصة يستفيد منها ليصوّب طريقه ونوعيّة عمله.
والحرية هي استيعاب الموالاة والمعارضة معاً، وكل موظّف رسمي في الدولة، أنهم أصغر من حَجْم بلد مهما علا شأنهم، ومهما بلغت قوّتهم وقدرة تأثيرهم.
"كاتم صوت"
ففي لبنان، هناك الكثير من التحرُّر، والقليل جداً من الحرية، ومن القدرة على قول الحقيقة والمطالبة بالعدالة، بالشكل اللازم والمدى المطلوب.
ففي بلادنا، يمكن للإنسان أن يبيّض صفحات بعض الشخصيات، وأن يُعتبَر له ذلك أنه حرية رأي. وأما عندما يحين وقت قول الحقيقة، ووضع الإصبع على جرح العدالة والحقّ، فيُصبح واجباً عليه أن يتحوّل الى "كاتم صوت"، وذلك تحت طائلة السقوط فريسة التهشيم، والتحطيم، والاستخفاف، والاستهزاء، والتجريح، والتعنيف.
وفي بلادنا، قد تقف الحرية عند حدود "التبخير" الدائم والمُطلَق لشخص معيّن مهما فعل، وفي أي موقع أو مكان يكون فيه، ومن دون الأخذ في الاعتبار أن جلوسه على كرسي معيّن يجعل وضعه مختلفاً عمّا لو كان على كرسي آخر.
شمس الحرية
في الواقع، يجب أن تُمنَح الحرية قدرة البقاء على حالها، أي حرّة. كما يتوجّب حفظها للإنسان العادي، الذي لا يقدّم أو يؤخّر على المستوى العام. وأما الحاكم أو المسؤول، فليس حراً، وهو الكائن الوحيد المُلزَم بالتماهي مع عدم حقّه بالحرية، نظراً الى أن العمل بحياة الناس من على كرسي سلطة، أي سلطة، يسحب منه حقّه بها (الحرية)، ويجعله مُلزَماً بتقبُّل أي نوع من الآراء بحقّه، وبالحرص على أن تكون حرّة.
فهذه هي الحرية التي تضمن الحفاظ على لعبة ديموقراطية سليمة. فالحرية هي لمن ليسوا في سلطة، وما على الحاكم أو المسؤول في أي موقع كان، سوى أن يضمن حفظ الحرية المُطلَقَة، وعدم تمويهها بالحديث عن حريات فضفاضة، تنتهي بالكثير من الفوضى "التعتيمية" على كل حقيقة، وحقّ، وعدالة.
فحبّذا لو يُشرق شمس الحرية الحقيقية في بلادنا، ولو تُصبح شمساً لا غروب لها، بل تتجدّد أنوارها بالقدرة على جعل الحقيقة والحقّ والعدالة، في مراتب البلد الأولى.