خطة growth lab: أفكار إنقاذية من "خارج العلبة"...
حلول لإعادة هيكلة اقتصادية ومالية شاملة على عكس أفكار سابقة يسعى البعض إلى فرضها
سلوى بعلبكي - "النهار"
توازيا مع الحديث عن تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان، وتداول أسماء بعض المرشحين المحتملين للمنصب المالي الأول في لبنان، انطلقت المنازلات الخفية بين السير الذاتية والولاءات الحزبية والسياسية للمرشحين، والرؤى المالية والاقتصادية التي يتبنونها، ومدى مواءمتها مع الواقع المالي والنقدي للبلاد. ووصل الأمر إلى حد نبش دراسات أكاديمية، أو تصريحات إعلامية أتت في ظروف سابقة ومناقضة ربما للواقع الحالي، لشيطنة مرشح ما أو تلميع مسيرة آخر.
انطلاقا من ذلك، أعادت "الماكينات الإعلامية" استحضار دراسة أو خطة صدرت أواخر عام 2023 عن جامعة هارفرد، قدمت مجموعة أفكار غير ملزمة لأحد، ادّعت أنها اقتراحات "من خارج الصندوق أو العلبة"، شاركت في صياغتها مجموعة من الاقتصاديين المستقلين في جامعة هارفرد، وتناولها يومها أحد المرشحين لحاكمية مصرف لبنان، من دون تبنيها كاملة.
الدراسة وجهة نظر اقتصادية، فيها ما يجمع عليه اللبنانيون، وفيها ما يرفضونه، وتتضمن أفكارا ومقترحات جديدة، أو مدرجة في مشاريع إنقاذ أخرى، وغالبيتها وردت في مسوّدة المشروع الذي عمل عليه النائب السابق لرئيس الحكومة سعادة الشامي مع صندوق النقد.
الخطة المذكورة صارت بعد إصدارها بوقت قليل خارج التداول، وطيّ الأرشيف الإعلامي، إلا أن الباحثين عن سهام القنص السياسي وجدوا فيها منصة لاستهداف المرشحين "الخصوم" والتشهير بهم، لإخراجهم مبكرا من السباق إلى المركزي.
بديهي القول إن "دراسة أكاديمية" محدودة التأثير الميداني، لا تحدد هوية الحاكم العتيد، وليست وظيفة حاكم مصرف لبنان الجديد المستقبلية أن يكون رياض سلامة آخر. فذاك أجاز لنفسه، ومنحته السلطة ترف إنقاذها من العثرات والمطبات المالية والنقدية التي أوقعها فسادها فيها، وأعطته ما لم يكن دوره، ولا وظيفته الأساسية، فيما الآتي إلى المركزي قريبا، وبحكم الظروف المستجدة في الحكم والحكومة، والتغير السياسي الكبير الذي طرأ على الوضعين اللبناني والإقليمي، لن تكون له هوامش سلفه. كل ذلك، في وقت يعي الجميع أن القضية المركزية هي "أزمة الودائع" ومأساة المودعين، التي سيؤول أي قرار أو إجراء حولها، حصريا إلى الحكومة والمجلس النيابي، ودور حاكم المركزي الجديد سيكون حتما استشاريا تقنيا محدودا.
تفاصيل خطة growth lab
بالعودة إلى تفاصيل الخطة التي أعدها مركز التنمية الدولية growth lab في جامعة هارفرد في تشرين الثاني/نوفمبر 2023، فقد عرض فيها استراتيجية للتعافي الاقتصادي في لبنان تعالج الأبعاد المتعددة الوجه للأزمة في البلاد، وتعمل على تحفيز الاقتصاد. واقترحت الخطة تأسيس نظام نقدي ونظام سعر صرف بديلين، واستراتيجية لحل أزمة الملاءة لدى الحكومة ومصرف لبنان والنظام المصرفي، إضافة إلى إطار مالي أقوى واستراتيجية نمو مستدامة للاقتصاد، داعية "السلطات اللبنانية إلى تبني دولرة كاملة للاقتصاد في أقرب وقت ممكن، باعتبار أن "فوائد الدولرة الكاملة تفوق تكاليفها، نظرا إلى أن الاقتصاد مدولر فعليا".
وإذ دعت إلى "استراتيجية إعادة هيكلة شاملة للاقتصاد والمالية العامة"، حضت "السلطات على إعطاء الأولوية لتعافي النظام المصرفي التجاري، ليتمكن الاقتصاد من استعادة نظم الدفع الفعالة وتسهيلات الائتمان". واعتبرت الخطة أن التحدي الذي يواجه النظام المصرفي التجاري هو أن الأصول الرئيسية للمصارف، وهي الودائع الدولارية لدى مصرف لبنان، فقدت معظم قيمتها بسبب قرار السلطة السياسية اعتبار هذه الأصول خسائر بدل أن تكون التزامات على الدولة تجاه مصرف لبنان، نتيجة التراكم في عملية تمويل القطاع العام".
ونص التقرير على "وجوب تحويل جزء من الودائع المصرفية بالعملة الأجنبية في مصرف لبنان إلى شهادات إعادة هيكلة مصرفية موقتة، على أن يتم توزيع 90% من هذه الشهادات على عملاء المصارف مقابل ودائعهم بالعملة الأجنبية التي تفوق 150 ألف دولار".
وحدد أن "الودائع دون 150 ألف دولار، لن يتم تحويلها إلى شهادات، وستكون مدعومة بالكامل من احتياطات مصرف لبنان بالعملة الأجنبية"!
وإذ اعتبرت أن "الجزء الأكبر من التعثر المالي سيتم نقله إلى الحكومة من خلال آلية الشهادات الموقتة"، قدرت الخطة أنه "بعد تبديل الودائع المصرفية بالعملة الأجنبية بشهادات إعادة هيكلة مصرفية، سيكون الدين العام للبنان نحو 107 مليارات دولار تشمل سندات اليوروبوند والشهادات الجديدة الصادرة".
إلى ذلك، اقترحت خطة growth lab "إجراء تعديل مالي تدريجي يمكّن الحكومة من الحصول على الموارد اللازمة لاستعادة الخدمات العامة الأساسية والبنية التحتية الحيوية، لإنعاش الاقتصاد، على أن يكون التعديل المالي المقترح تدريجا للتوازن بين الحاجات الفورية لإعادة الإعمار واستعادة الخدمات العامة وحاجات المدى المتوسط لخدمة الدين العام".
وأشارت إلى أن "التعديل يستهدف تحقيق فائض مالي أولي بنسبة 3% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول 2030، وهو ما سيكون كافيا لخدمة دين عام نسبته 75% من الناتج المحلي الإجمالي"، معتبرة أن "هذا التعديل سيحتاج إلى تمويل إضافي من صندوق النقد الدولي ومنظمات متعددة الأطراف، بنحو 8 مليارات دولار". وتبعا لذلك، اعتبرت الخطة أن "الحكومة ستحتاج إلى تحسين إيراداتها وتفعيل تحصيل الضرائب، وزيادة نسبة الضريبة على القيمة المضافة، والتقليل من الإعفاءات الضريبية"، محفزا السلطات على "إنشاء مؤسسة لاستعادة الأموال التي تم تحويلها خلال الأزمة".
الخبير الاقتصادي والمالي الدكتور نسيب غبريل أوضح لـ"النهار" أن الخطة التي نشرت في تشرين الثاني/نوفمبر 2023، أعدها فريق من الاقتصاديين في جامعة هارفرد. هؤلاء ليسوا لبنانيين، وتاليا ليس لديهم أي تضارب في المصالح مع الأحداث في لبنان أو مع أي جهة لبنانية". والخطة في رأي غبريل شأنها شأن بقية الخطط التي أعدّها اختصاصيون في القطاعين العام والخاص، وهو أمر إيجابي، إذ يمكن التوصل إلى خلاصة من الخطط كافة للتوصل إلى حل عادل للأزمة المالية والمصرفية، من شأنه إحداث تغيير في الوضع الراهن". وإذ لفت إلى أن "خطة growth lab لا تعدو كونها مجموعة من الاقتراحات، على عكس أفكار سابقة يسعى بعض الأطراف إلى فرضها على المجتمع"، أكد أنها "اقتراحات لم تكن متداولة من قبل، يمكن أن تحرك الوضع الراكد، أو يمكن إضافتها إلى خطط سابقة، أو أن تكون محفزا لأفكار أكثر تطورا".