المشتريات بـ"الكارت" لدى التجار بنحو 4 مليارات دولار سنويا بما يشكل 3% من كل المصاريف
العين على الحكومة الالكترونية ...
"النهار"
قبل نحو اسبوعين، اعتمدت معظم المصارف اجراءات جديدة حيال مودعيها، منها وضع سقف أقصى للسحب النقدي بالليرة إلى ما بين مليونين و4 ملايين ليرة حداً أقصى، وتقليص سقوف السحب بالليرة على ماكينات الصراف الآلي. هذه الاجراءات جاءت على خلفية قرار مصرف لبنان وضع سقوف للمصارف لما يمكن أن تسحب من حسابها الجاري لدى المصرف المركزي، بغية تخفيف الكلفة الناتجة من جراء الفوائد المرتفعة التي يدفعها للمصارف عن حساباتها المجمدة لديه، اضافة الى الحد من التداول بالليرة، خصوصا انها تُستخدم لشراء الدولار من السوق السوداء. وتشكل هذه الخطوة أيضا محاولة من مصرف لبنان لإجبار مخزّني العملة اللبنانية والاجنبية على ضخّها في الاسواق لتغطية مصاريفها بدل استنزاف احتياط مصرف لبنان من العملات الصعبة وإرغامه على ضخ العملة اللبنانية في الاسواق والتي قُدرت في الاشهر الاخيرة بنحو 22 تريليون ليرة مما يتسبب بمزيد من التضخم.
في مقابل هذه الاجراءات، حضَّت جمعية المصارف المواطنين على استخدام وسائل الدفع الأخرى من شيكات وبطاقات ائتمان وتحويلات، خصوصا ان عددها كبير جدا، إذ وصل عدد بطاقات الدفع بكل أنواعها (بطاقات الدفع الفوري- بطاقات الائتمان- بطاقات الدفع لأجل- بطاقات مدفوعة مسبقا) في نهاية العام 2019 الى 3,036,756 بطاقة، مقارنة بــــ 2,778,510 بطاقة في نهاية العام 2018. ويحمل غير اللبنانيين 109,323 بطاقة دفع (70% منها بطاقات الدفع الفوري)، اي ما يشكل نسبة 3.59% من بطاقات الدفع الاجمالية المختلفة، فيما بلغ عدد أجهزة الصراف الآلي 2003 آلات، وعدد نقاط البيع 37,931 نقطة.
وتؤيد مصادر مصرفية خيار التقنين في سحوبات "الكاش"، نظراً الى الاسباب الواردة اعلاه، اضافة الى أسباب أخرى أهم، وهي ان المستفيدين من تجارة "Cash Economy" هم تجار السوق السوداء بالدولار ومافيات النفط والدواء واصحاب الاعمال غير المشروعة، مذكّرة بأنه "في الاشهر الستة الاخيرة ضخ مصرف لبنان في السوق 22 تريليون ليرة ولم يعد منها الى المصارف اي شيء، بما يثبت أن الناس بدأت تخزين الليرة بعد تخزين الدولار".
وفيما بررت المصادر للمصارف تقييدها لـ"الكاش" خصوصا انه يحد من الـ Black Economy الناتج من الـ Cash Economy، أكدت أن ما تقوم به المصارف يخضع لقواعد الامتثال عالميا، التي تمنع سحب او إيداع اكثر من 10 آلاف دولار او ما يوازيها من العملات الاخرى من دون سبب مقنع.
هذه التبريرات تقود الى تشجيع المواطنين على اعتماد عمليات الدفع الالكتروني بغية الحد من استغلال البعض التلاعب بأسعار الصرف، في حين ان الرئيس التجاري لشركة الدفع الالكتروني "أريبا" رمزي الصبوري يعتبر أن للإجراءات المصرفية الاخيرة ايجابياتها حيال تغيير سلوك المستهلكين والتجار باتجاه الدفع الالكتروني، "وقد بدأنا ملاحظة هذا الامر عندما اغلقت المصارف ابوابها، فلجأ الزبائن والتجار الى التداول بواسطة بطاقات الإئتمان"، ملاحظا ان "حجم المشتريات عبر البطاقات الائتمانية ارتفع على نحو ملحوظ في السوبرماركت والصيدليات ومحطات المحروقات، في حين كان لافتا استخدام بعض العملاء بطاقاتهم الائتمانية للمرة الاولى بعدما حددت المصارف سقوفا شهرية للسحوبات النقدية بالليرة اللبنانية".
يقدَّر قطاع المشتريات بـ"الكارت" لدى التجار (في ما عدا الـ ATM) بنحو 4 مليارات دولار سنويا بما يشكل 3% من كل المصاريف التي تجري على الاراضي اللبنانية، أما النسبة المتبقية أي 97% فهي للكاش والشيكات المصرفية، مع الامل في ان ترتفع نسبة استخدام الدفع الالكتروني الى ما نسبته 10% مع السير بالحكومة الالكترونية لتكون النسب مناصفة تقريبا بين القطاع الخاص والقطاع الحكومي.
ويشاطر الصبوري الرأي القائل بأن "الاعتماد على "الكاش" مضر على كل الصعد، وتاليا عندما يخف استخدامه ينعكس تلقائيا على عدم القدرة على شراء الدولار بما ينعكس تلقائيا على سعر صرف الدولار". ولاحظ ان التجار "سحبوا كل ماكينات الـ POS واصبحوا يطالبون الزبائن بالكاش، خصوصا بُعيد الازمة المصرفية". ولا ينسى الصبوري عاملاً آخر هو "انخفاض القدرة الشرائية للبنانيين نتيجة ارتفاع سعر صرف الدولار بما انعكس على حركة التسوق والإنفاق على الكماليات، في مقابل ارتفاع الاقبال على المواد الغذائية ومحطات الوقود، اضافة الى أن الانخفاض في قيمة العمليات المالية عبر نقاط البيع مرده إلى كون نحو 30% من تلك البطاقات كان يستخدمها السيّاح".
أمام تقلص "الكاش" بين أيدي المواطنين، ثمة سؤال عن دور الدولة في عمليات الدفع الالكتروني، خصوصا حيال تشجيع دفع الرسوم التي تجبيها الكترونياً؟ يقول الصبوري: "لطالما كنا ندعو الى تطبيق الدفع الالكتروني لمعرفتنا بأن "الكاش" يؤثر سلباً على اقتصاد البلاد ويشكل عبئا كبيرا عليه"، إلا أنه في المقابل لاحظ "تفاعل الحكومات حيال هذا الموضوع، ومنها وزارة الداخلية والبلديات. كما تسعى بعض الوزارات إلى تحسين الجباية عبر اعتماد الوسائل الإلكترونية، مع الاشارة الى انه لو اعتُمدت الحكومة الالكترونية بالكامل لكانت الامور أسهل، خصوصا حيال جباية الرسوم وغيرها من الرسوم المالية، ولكان تقليص الكاش تحصيل حاصل، عدا ان عجلة الحركة الاقتصادية تكون أسرع، وهذا الامر معروف عالميا، مع الاخذ في الاعتبار أن الدفع الالكتروني وعبر الأون لاين يسهل للمغتربين دفع ما يتوجب عليهم بالدولار بما يعني زيادة الايرادات بالعملة الصعبة للدولة".