الإمارات تعزّز دورها الاقتصاديّ العالميّ من البوّابة الأميركيّة

الإمارات تعزّز دورها الاقتصاديّ العالميّ من البوّابة الأميركيّة

image

الإمارات تعزّز دورها الاقتصاديّ العالميّ من البوّابة الأميركيّة

مشاريع ضخمة في قطاعات الذكاء الاصطناعيّ وغيرها

شهدت العلاقات الاقتصادية بين دولة الإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة تطوراً استثنائياً في السنوات الأخيرة، تُوِّج أخيراً بإعلان إماراتي تاريخي عن التزام استثماري بقيمة 1,4 تريليون دولار في السوق الأميركية خلال العقد المقبل من الزمن.

هذا الإعلان الذي جاء عقب لقاء رسمي جمع الرئيس الأميركي دونالد ترامب مع مستشار الأمن الوطني الإماراتي الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان في المكتب البيضوي، لا يعكس متانة الروابط الاقتصادية بين البلدين فحسب، بل يعكس أيضاً الرؤية الاستراتيجية التي تتبنّاها أبوظبي لتعزيز شراكتها مع واشنطن، في زمن تتغيّر فيه التوازنات الاقتصادية والجيوسياسية بسرعة.

يشمل الإطار الاستثماري الجديد بين البلدين  مشاريع ضخمة في قطاعات الذكاء الاصطناعي، وأشباه الموصلات، والطاقة، والبنية التحتية، والتصنيع، والرعاية الصحية. ومن أبرز هذه المشاريع شراكة بين شركات إماراتية وأميركية كبرى لتعبئة نحو 100 مليار دولار لدعم البنية التحتية للذكاء الاصطناعي ومراكز البيانات، من خلال تحالف يضمّ شركة "إم جي إكس" (MGX) المملوكة لأبوظبي، والشركات الأميركية "بلاك روك" (BlackRock) و"مايكروسوفت" (Microsoft) و"غلوبال إنفراستركتشر بارتنرز" (Global Infrastructure Partners)، بالتعاون مع الشركتين الأميركيتين "إنفيديا" (NVIDIA) و"إكس إيه آي" (xAI)، ما يعزّز مكانة الولايات المتحدة قوةً رائدة في هذا القطاع الحيوي.

كذلك، أعلن صندوق "القابضة" (ADQ) الإماراتي، بالشراكة مع شركة "إنرجي كابيتال بارتنرز" (Energy Capital Partners) الأميركية، مبادرة استثمارية بقيمة 25 مليار دولار تركّز على البنى التحتية للطاقة ومراكز البيانات.

وتستثمر شركة "الإمارات العالمية للألمنيوم" (Emirates Global Aluminium) في أول مصهر ألومينيوم جديد في الولايات المتحدة منذ 35 سنة، في خطوة يُتوقَّع أن تضاعف الإنتاج المحلي الأميركي من الألومينيوم، وتعيد إلى الواجهة قطاعاً صناعياً استراتيجياً.

ولا تتوقف الاستثمارات الإماراتية عند الصناعة والتكنولوجيا، بل تشمل أيضاً قطاع الطاقة التقليدية والمتجدّدة، إذ أعلنت شركة "إكس آر جي" (XRG) التابعة لشركة بترول أبوظبي الوطنية" (ADNOC) عن استثمار في منشأة "نكست ديكيد" (NextDecade) لتصدير الغاز الطبيعي المُسال في ولاية تكساس، مع خطط مستقبلية لتوسيع الاستثمارات في مجالات الغاز، والكيماويات، والبنية التحتية للطاقة، والحلول المنخفضة الكربون. كذلك، أبرمت "القابضة" اتفاقاً مع شركة "أوريون ريسورس بارتنرز" (Orion Resource Partners) بقيمة 1,2 مليار دولار لضمان تأمين سلاسل الإمداد من المعادن الأساسية، التي تدخل في صناعة التقنيات الحديثة.

ولا يأتي هذا التوسع الاستثماري من فراغ. فمنذ عام 2009، كانت الإمارات في طليعة أسواق الصادرات الأميركية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ففي عام 2024 وحده، بلغ حجم التجارة الثنائية بين البلدين 34,4 مليار دولار، صدّرت منها الولايات المتحدة ما يزيد عن 26,9 مليار دولار، بزيادة قدرها 8.5% عن عام 2023، ما أسفر عن فائض تجاري لمصلحة الولايات المتحدة بلغ 19,5 مليار دولار، ليكون رابع أكبر فائض تجاري لها عالمياً. 

وتتوزع هذه العلاقات الواسعة بين الولايات الأميركية الخمسين كلها تقريباً، وتدعم نحو 161 ألف وظيفة في الولايات المتحدة. وتغطي الاستثمارات الإماراتية الإجمالية في السوق الأميركية، والتي تجاوزت حتى اليوم عتبة تريليون دولار، طيفاً واسعاً من القطاعات، بدءاً من العقارات، مروراً بالتكنولوجيا والطاقة المتجددة، وصولاً إلى الصناعات المتقدمة.

كذلك، لا يمكن إغفال مساهمة الشركات الإماراتية في دعم التحوّل الرقمي في الولايات المتحدة، من خلال شراكات استراتيجية مثل التعاون بين شركة "جي 42" (G42) الإماراتية و"مايكروسوفت أزور" (Microsoft Azure) في مجال الحوسبة السحابية والحوسبة الفائقة، إضافة إلى استثمارات شركة "مصدر" في مشاريع الطاقة النظيفة في ولايات مثل تكساس ونيومكسيكو وكاليفورنيا، ما يعكس التزام أبو ظبي بتحقيق تحول عالمي نحو الطاقة المستدامة.

وفي قطاع الطيران، لا تزال الإمارات من أكبر زبائن شركة "بوينغ" (Boeing)، من خلال صفقات ضخمة لعشرات الطائرات، إضافة إلى التعاون التكنولوجي في صناعة الطيران. كما تشهد العلاقات الثنائية تطوّراً في مجال الفضاء، من خلال شراكات بين الإمارات ووكالة "ناسا" (NASA)، وشركات أميركية أخرى، ما يفتح آفاقاً جديدة للتعاون العلمي والاقتصادي.

واضحٌ أن الإمارات لا تتعامل مع الولايات المتحدة بصفتها شريكاً تجارياً فحسب، بل بصفتها محوراً استراتيجياً في رؤيتها الاقتصادية العالمية. وقد تأخذ هذه الاستثمارات طابعاً سياسياً واقتصادياً مزدوجاً، يعزّز موقع الإمارات بوصفها شريكاً موثوقاً ومؤثراً في أكبر اقتصاد عالمي. وتمثل العلاقة بين الإمارات والولايات المتحدة اليوم نموذجاً متقدماً يُحتَذى به للتعاون الدولي القائم على المصالح المتبادلة والطموحات المشتركة، في زمن تتزايد فيه الحاجة إلى شراكات قوية تدعم النمو، وتعزز الاستقرار، وتدفع عجلة الابتكار إلى الأمام.