مارك كاري وكونور أونيل- نيويورك تايمز
من أصل 36 نادياً بدأوا الموسم، لم يتبقَ سوى 4. بعد 4 مباريات ربع نهائي حافلة بالتوتر، يلتقي كل من إنتر ميلان الإيطالي مع برشلونة الإسباني، وأرسنال الإنكليزي مع باريس سان جيرمان الفرنسي، في مواجهتَين من العيار الثقيل في نصف النهائي. وعلى رغم من أنّ الفرق الـ4 المتبقية لا تزال تمثل بعضاً من أكبر الأندية في أوروبا، إلّا أنّ هناك قصة جديدة منعشة مضمونة الحدوث هذا العام. لا يزال كل من أرسنال وسان جيرمان يسعيان لتحقيق لقب البطولة للمرّة الأولى في تاريخهما، بينما لم يرفع برشلونة وإنتر الكأس منذ أكثر من عقد. في فترة هَيمن عليها ريال مدريد وقوى إنكليزية أخرى، يبدو أنّ فصلاً جديداً بات وشيكاً.
برشلونة
الهزيمة 3-1 أمام بوروسيا دورتموند في إياب ربع النهائي كانت نتيجة شاذة بالنسبة إلى برشلونة. فسلسلة اللاهزيمة التي امتدّت لـ24 مباراة انتهت، لكنّ التقدّم برباعية ذهاباً يعني أنّ فريق هانزي فليك لم يكن مضطراً لبذل أقصى مجهود في «فستفالن شتاديون»، حيث أدار المباراة أكثر ممّا لعبها فعلياً.
سجّل دورتموند ثلاثية، وألغِيَ له هدفان آخران بسبب التسلّل، بعد أن انطلق باسكال غروس ويوليان براندت خلف خط دفاع برشلونة. وعلى رغم من إلغاء الهدفَين، إلّا أنّ المشهد كان بمثابة صورة مصغّرة لموسم برشلونة تحت قيادة فليك، مع اعتماده الجريء على الخط الدفاعي العالي.
الأرقام التي تدعم هذا النمط مذهلة: برشلونة أوقع خصومه في مِصيَدة التسلّل 68 مرّة في دوري الأبطال، أكثر بكثير من أي فريق آخر بلغ الأدوار الإقصائية. وللمقارنة، يحتل أستون فيلا المركز الثاني (34 حالة تسلّل فقط).
بمتوسط ارتفاع خط دفاعي بلغ 33,7 متراً (الأعلى بين كل فرق الأدوار الإقصائية) فإنّ التنظيم الدفاعي من دون كرة الذي فرضه فليك بلغ مستويات عالية من الدقة. ومع ذلك، بدأت تظهر بعض مؤشرات القابلية للاختراق. فمع دخول رونالد أراوخو إلى خط الدفاع في مواجهة دورتموند، قد يشعر مشجّعو برشلونة بالقلق.
هذا النمط الدفاعي سيخضع إلى اختبار شديد أمام ثنائي هجوم إنتر، لاوتارو مارتينيز وماركوس تورام. وعلى رغم من أنّ أيّاً منهما لا يمتاز بسرعة خارقة في المساحات، فإنّ التفاهم العالي واللعب السلس بينهما كافٍ لتهديد أي دفاع في أوروبا.
طبعاً، تبقى نقاط قوة برشلونة تحت قيادة فليك تفوق نقاط ضعفه، بينما يسعى إلى ثلاثية تاريخية جديدة. هجومياً، يمتلك برشلونة تنوّعاً يجعله مثالياً لخوض الأدوار الإقصائية، بطريقة تُذكّر بمنتخب إسبانيا بقيادة لويس دي لا فوينتي، الفائز بيورو 2024.
أحياناً، يظهر فريق فليك كأحد أكثر الفرق ميلاً لتدوير الكرة بسلاسة، مع تنفيذ أكثر من 9 تمريرات في كل سلسلة هجومية، مستفيداً من القدرات الفنية لبدري، فرينكي دي يونغ، ومارك كاسادو. كما أنّ وجود لامين يامال ورافينيا، بسرعتهما وقدرتهما على التحرّك المستمر، يمنح برشلونة قدرة قاتلة على ضرب الخصم بالهجمات المرتدة. 8 من أهداف برشلونة في دوري الأبطال جاءت من هجمات مباشرة، أكثر من أي فريق آخر. وعلى رغم من أنّ عدد الهجمات المباشرة أقل مقارنة بفرق مثل باريس سان جيرمان (الذي يمتلك ضعف العدد)، إلّا أنّ برشلونة عندما يستعيد الكرة، قادر على اختراق أي دفاع في لحظة.
رافينيا قدّم أفضل مواسمه تهديفياً في إسبانيا، مسجّلاً 12 هدفاً في دوري الأبطال و15 هدفاً في «لاليغا»، لكنّ النجم الحقيقي هو لامين يامال. على رغم من كل الإشادات التي نالها، تظل العشوائية الإيجابية التي يتمتع بها يامال أبرز أسلحته في مسيرته الناشئة. عند تحليل تحرّكاته التقدّمية بالكرة في «لاليغا»، يتضح أنّ تحرّكاته لا تُتَوقّع بسهولة: قد يقطع إلى الداخل على قدمه اليسرى القوية، أو يتّجه إلى الخارج على اليمنى، أو يتوغّل مباشرة نحو المرمى.
مع ذلك، يبقى التساؤل: هل سيتمكن يامال من فرض أسلوبه ضدّ دفاع إنتر المنظّم بخط خلفي خماسي؟ ومع توافر هذه المواهب الكبيرة على أرضية الملعب، سيكون الصراع على الأطراف من أبرز مفاتيح المواجهة ذهاباً وإياباً.
إنتر
قد يُنظر إلى إنتر كونه «الحصان الأسود»، لكن لا يوجد فريق متبقٍ بلغ النهائي في السنوات الأخيرة أكثر قُرباً منه. لا يزال جوهر الفريق الذي خاض نهائي 2023 (وخسر أمام مانشستر سيتي 1-0) حاضراً، مع وجود 8 لاعبين من التشكيلة الأساسية آنذاك. هذا الاستقرار سمح لإنزاغي ببناء أكثر الفرق تميّزاً تكتيكياً بين الفرق الـ4 المتبقية.
بينما تميل الفرق الأخرى إلى الضغط العالي واللعب الهجومي المباشر، يعتمد إنتر على أسلوب أكثر هدوءاً وتحكّماً. من بين الفرق التي وصلت إلى دور الـ16، كان كلوب بروج فقط أقل ضغطاً من إنتر، وفقاً لمؤشر PPDA.
بدلاً من الضغط العالي، يُفضّل إنتر التراجع للحفاظ على شكل 3-5-2 المنظّم، ثم البناء البطيء من الخلف. سرعة تقدّمه بالكرة أقل من الجميع، باستثناء مانشستر سيتي.
هذا النهج المتحفّظ يخدم أسلوبه الدفاعي؛ فكما كانت الفرق الإيطالية الكلاسيكية، يرتاح إنتر كثيراً في الدفاع من دون الكرة، ولم يستقبل أي فريق أهدافاً أقل منه (5). دائماً ما يتحدّث إنزاغي عن أهمية «العمل الشاق من دون كرة»، وأكّد قبل إياب ربع النهائي ضدّ بايرن ميونيخ: «ستكون هناك لحظات علينا أن نعاني فيها».
وهذا ما حدث فعلاً، استحوذ بايرن على الكرة في معظم أوقات المباراتَين. وعلى رغم من تعرّضه إلى لحظات حرجة، فإنّ البناء البطيء المدروس لإنتر يمنع تفكّك الفريق عند فقدان الكرة. فلم يتلقَّ سوى 0,18 xG من الهجمات المرتدّة، وهو الرقم الأقل في البطولة.
ومع ذلك، لا ينبغي أن يُفهم انضباط إنتر التكتيكي على أنّه افتقار للخيال. بل على العكس، لأنّه من أكثر الفرق مرونة في أوروبا هجومياً، مع اعتماد كبير على التبديلات والتناوب في المراكز.
خريطة لمسات نيكولو باريلا توضّح هذه الديناميكية، فعلى رغم من كونه لاعب وسط، إلّا أنّه ظهر كثيراً على الأطراف، وفي مناطق دفاعية متأخّرة، وأحياناً خلف المهاجمَين في الثلث الأخير. يمنح إنزاغي لاعبيه حرّية تبادل المراكز، ممّا يجعل تحرّكات إنتر صعبة التوقع ويُتيح له خلق تفوّق عددي في كل منطقة.
ومن أهم مزايا خطة إنزاغي تلك، الشراكة المثمرة بين مارتينيز وتورام هجومياً. ففي زمن أصبح اللعب برأسَي حربة نادراً، يمنح هذا النهج إنتر أفضلية خاصة.
ضدّ برشلونة، من المتوقع أن يكتفي إنتر بلحظات قليلة من الاستحواذ على الكرة، لكن بفضل انضباطه الدفاعي ومرونته التكتيكية وقدرته على ضرب الخصم بدقة، فإنّه قادر تماماً على إحداث المفاجأة.