من جيفرز إلى ليني: الجنوب تحت سيطرة الجيش
التعاطي بين الجانبين الأميركي واللبناني كان منذ بدء اللجنة مهامّها “سلِساً” ومنتجاً
ملاك عقيل اساس ميديا
يلتئم المجلس الأعلى للدفاع يوم غد للمرّة الأولى منذ انتخاب جوزف عون رئيساً للجمهورية وتأليف حكومة. يمكن ترتيب توقيت الاجتماع ضمن حدّين أساسيَّين:
– خوض السلطة السياسية والأمنيّة غمار أوّل استحقاق انتخابي للعهد مع فتح صناديق الاقتراع “البلديّة” بدءاً من يوم الأحد المقبل، وسط “حالة احتلال” يُكرّسها العدوّ الإسرائيلي من خلال احتلاله لمواقع حدودية واعتداءاته المستمرّة في المناطق، والإجراءات الاستثنائية، غير المسبوقة، التي ستُطبّق جنوباً لإجراء عمليّة اقتراع أبناء القرى الحدودية المُدمّرة.
– إجراء تغيير أميركي على مستوى رئاسة اللجنة المكلّفة مراقبة آليّة تطبيق اتّفاق وقف إطلاق النار بحيث حلّ الجنرال الأميركي Michael Leeney مكان الجنرال Jasper Jeffers، وارتباط القرار الأميركي باستكمال المهمّة المنوطة باللجنة، تحديداً جنوب الليطاني، وإمكان “تأثيرها” على القرار الإسرائيلي بالانسحاب.
تقول مصادر مطّلعة لـ”أساس” إنّ كلّ الملفّات الأمنيّة ستحضر غداً على طاولة اجتماع المجلس الأعلى للدفاع في بعبدا، برئاسة عون وحضور نائبه، رئيس الحكومة نوّاف سلام، بما في ذلك نتائج التحقيقات في شأن إطلاق صواريخ من شمال الليطاني باتّجاه الأراضي المحتلّة، والالتباس الذي حصل في شأن تسريبات تحدّثت عن طلب الجانب الإسرائيلي، عبر الأميركيين، من الجيش الدخول إلى النقطة المستهدفة في الجاموس، في ضاحية بيروت الجنوبية، ورفض “الحزب” ذلك، وهو ما قاد إلى استهداف العدوّ لـ”حي الجاموس” الأحد الماضي، إضافة إلى الوضع الأمني على الحدود الشرقية مع سوريا,
في هذا الإطار تؤكّد المعلومات أنّه إضافة إلى نفي قيادة الجيش طلب إسرائيل دخول الجيش ورفض “الحزب” لذلك، وفي سياق طلب الرئيس عون من الوفد الأميركي أمس مواصلة الضغط على إسرائيل لوقف اعتداءاتها والانسحاب من التلال الخمس وتفعيل عمل لجنة المراقبة، استنكر عون الاعتداء الإسرائيلي الأخير في الضاحية، فيما أكّد أمام زوّاره أنّ الجيش لم يُطلب منه الدخول، قبل الضربة، إلى الموقع المُستهدَف.
كان الرئيس عون قال لمحطّة “سكاي نيوز عربيّة” إنّ “المعلومة عن أنّ “الحزب” رفض دخول الجيش لتفتيش أحد المواقع في الضاحية غير صحيحة”.
تغيير كوريلا أيضاً
في سياق آخر، تفيد معلومات “أساس” بأنّ التغيير الذي طال رئاسة لجنة المراقبة الخماسية المكلّفة الإشراف على تطبيق وقف إطلاق النار، قد يأتي ضمن سلسلة تغييرات يمكن أن تطال الطاقم الأمنيّ في المنطقة، وتحديداً قيادة المنطقة الأميركية الوسطى (CENTCOM)، التي كان الرئيس الأميركي السابق جو بايدن قد عيّن الجنرال مايكل كوريلا على رأسها في كانون الثاني 2022. وثمّة زيارة يتيمة جمعت كوريلا بعون، رئيساً للجمهورية، في كانون الثاني الماضي حين قدّم له التهاني بانتخابه رئيساً. أبعد من ذلك، ثمّة تسريبات عن احتمال تكليف نائبة المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط مورغان أورتاغوس بملفّ آخر قد يُبعدها عن الملفّ اللبناني.
سبقت الزيارات التعارفيّة لرئيس اللجنة المعيّن حديثاً الجنرال ليني للرؤساء الثلاثة وقائد الجيش العماد رودولف هيكل، وإلى جانبه الضابط جيفرز، لقاءات عسكرية عقدها عند وصوله إلى لبنان يوم الثلاثاء، وقيامه بجولة في الجنوب.
بتقدير أوساط متابعة أنّ “الجنرال الأميركي الجديد سينخرط بشكل أكبر في الإشراف على المهامّ العملانية، وهو ما يُمكن أن يُسهّل إقناع إسرائيل بالانسحاب ووقف اعتداءاتها، وتقديم مزيد من الأدلّة الحسّية على قيام الجيش بالمطلوب منه جنوب الليطاني لكي يُصبِح القطاع كلّياً تحت سيطرته وخالياً من السلاح. وسيجعل الجنرال من لبنان مقرّاً ثابتاً له بخلاف جيفرز”.
“لينك” ناشط
في الوقائع، شكّل اجتماع “لجنة المراقبة” مع الجانب الإسرائيلي في الناقورة في 11 آذار الماضي، الذي أفضى إلى إطلاق العدوّ سراح أربعة أسرى لبنانيين، خاتمة اجتماعات لجنة الإشراف الخماسية أو الـmechanism.
لكنّ التواصل بين أعضائها المكوّنين من ضبّاط أميركيين وفرنسيين ومن الجيش اللبناني و”اليونيفيل”، لم يتوقّف يوماً واحداً، بل شكّل “لينكاً” ناشطاً لمتابعة التطوّرات الأمنيّة على الأرض، ساعة بساعة. ويتواصل أعضاء اللجنة عبر تطبيق مشفّر يطال جميع نواحي التنسيق الأمنيّ والعسكري، والمهمّات العسكرية، والإبلاغ عن الاعتداءات الإسرائيلية، وتوثيقها، مع رصد فارقٍ واضحٍ بين الكلام الأميركي بالسياسة العالي السقف، الذي كانت تعكسه مورغان أورتاغوس، وبين العمل الميداني على الأرض الأقلّ تشنّجاً والأكثر براغماتيّةً وتفهّماً لحسابات الأرض، مع تسجيل احترام كبير من الضبّاط الأميركيين والفرنسيين لضبّاط الجيش اللبناني.
بين بيروت وفلوريدا
تؤكّد معطيات “أساس” أنّ التعاطي بين الجانبين الأميركي واللبناني كان، منذ بدء اللجنة مهامّها بعد إعلان وقف إطلاق النار، “سلِساً” ومنتجاً، وأخذ بالاعتبار الكثير من المحاذير، وخطّها الأحمر تفادي وقوع أيّ إشكالات داخلية لا تخدم الهدف من القرار 1701. فيما لَمس أعضاء اللجنة أنفسهم مدى تجاوب “الحزب” مع مندرجات القرار جنوب الليطاني، ومدى جدّيّة الجيش والتزامه تطبيق المطلوب منه.
في هذا الوقت كانت إسرائيل تتكفّل، بما يوصف بالعلم العسكري بالمهامّ القذرة (غير المندرجة في متن الآليّة التنفيذية لـ1701)، لناحية تنفيذ الاغتيالات وقتل المدنيين وترهيبهم، واستهداف البيوت الجاهزة pre-fabricated كأحد أساليب منع عودة الحياة إلى القرى المدمّرة بعدما شكّلت مقرّاً مؤقّتاً للعديد من البلديّات أو لتقديم الإعانات والمساعدات الاجتماعية على مرأى من الجيش و”اليونيفيل”.
وفق المعطيات، لم يزُر الجنرال جيفرز لبنان إلّا مرّات نادرة، وكان مستقرّاً معظم الوقت في ولاية فلوريدا الأميركية ضمن سياق مهامّه العسكرية، تاركاً لفريقه التقنيّ مُهمّة الإشراف على تطبيق الآليّة.
سيبقى جيفرز في المراحل الأولى مُرافقاً للجنرال ليني في مهامّه، مع العلم أنّه سبق لجيفرز تبنّي سياق ما أعلنته مورغان أورتاغوس من التوجّه لتشكيل ثلاث لجان لبتّ ملفّات الاحتلال الإسرائيلي للمواقع الحدودية الخمسة، والأسرى اللبنانيين والنزاع الحدودي. وقد أوحى موقفه، كما موقف أورتاغوس، بأنّ اللجان ستحلّ محلّ اللجنة الخماسية المكلّفة الإشراف على وقف الأعمال العدائية والآليّة التنفيذية للقرار 1701.
لكنّ موقف رئيس الجمهورية كان صارماً لناحية رفض تشكيل اللجان، والاكتفاء بقبول تشكيل لجنة تتولّى ملفّ تثبيت الحدود عند النقاط المتنازع عليها. ولم يتبيّن بعد مدى تركيز الجانب الأميركي على الآليّة التي ستحكم سحب السلاح شمال الليطاني.
عون وسلام
كان الرئيس عون شدّد أمام الوفد الأميركي العسكري أمس برئاسة جيفرز على “ضرورة تفعيل عمل لجنة المراقبة، والانسحاب من التلال التي تمركزت فيها القوّات الإسرائيلية”، مؤكّداً أنّ “الجيش يقوم بمهامّه كاملة في الجنوب، لا سيما في منطقة جنوب الليطاني حيث يواصل مصادرة الأسلحة والذخائر وإزالة المظاهر المسلّحة”.
من ناحيته، أكّد سلام “التزام لبنان بالاتّفاق والجيش يوسّع انتشاره”، معتبراً أنّ “انسحاب إسرائيل هو المدخل الفعليّ لتعزيز سلطة الدولة”.