محادثات قالت ثمانية مصادر إن نجاحها يتوقف حاليًا على تقديم بعض التنازلات المهمة لمنع ايران من تطوير قنبلة نووية
فاجأ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بقراره، الشهر الماضي، المراهنة على الدخول في مفاوضات فورية مع طهران، وهي محادثات قالت ثمانية مصادر إن نجاحها يتوقف حاليًا على تقديم بعض التنازلات المهمة لمنع الجمهورية الإسلامية من تطوير قنبلة نووية.
وكان التحول نحو المفاوضات مع إيران في أبريل بمثابة صدمة لنتنياهو، الذي سافر إلى واشنطن سعيًا للحصول على دعم ترامب لشن ضربات عسكرية على المنشآت النووية الإيرانية. وقالت أربعة مصادر مطلعة لرويترز إن رئيس الوزراء الإسرائيلي علم، قبل أقل من 24 ساعة من مؤتمر صحفي مشترك في البيت الأبيض، أن المحادثات الأمريكية مع إيران ستبدأ في غضون أيام.
وقال مسؤول أمني إيراني كبير إن طهران لا تزال تشعر بقلق بالغ من شن هجوم إسرائيلي، سواء تم التوصل إلى اتفاق أم لا.
ومع ذلك، عقدت الولايات المتحدة وإيران ثلاث جولات من المحادثات خلال ثلاثة أسابيع فقط، تهدف إلى منع طهران من صنع سلاح نووي مقابل تخفيف العقوبات. ومن المتوقع عقد جولة رابعة في روما قريبًا.
ومن أجل هذه القصة، تحدثت رويترز إلى مسؤولين ودبلوماسيين من جميع الأطراف المنخرطة في المحادثات، والذين أدلوا بتفاصيل قيد المناقشة لم تُنشر من قبل. وطلبت جميع المصادر عدم الكشف عن أسمائها نظرًا لحساسية المفاوضات الجارية.
وقالت ثمانية مصادر إن إطارًا مبدئيًا قيد المناقشة حاليًا يبقي على جوهر خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015، وهو الاتفاق النووي الذي انسحبت منه الولايات المتحدة عام 2018 خلال ولاية ترامب الأولى.
وقد لا يشهد الاتفاق الجديد اختلافات جذرية عن سابقه، الذي وصفه ترامب بأنه الأسوأ في التاريخ، لكن جميع المصادر أشارت إلى تمديد أجله إلى 25 عامًا، وتشديد إجراءات التحقق، وتوسيع ما يُطلق عليه "بنود الانقضاء" التي تعلق بعض جوانب البرنامج النووي الإيراني دون تفكيكه تمامًا.
وذكرت جميع المصادر أنه، بموجب الشروط الجاري مناقشتها، ستحد إيران من مخزون اليورانيوم وأنواع أجهزة الطرد المركزي، كما ستخفف أو تصدّر أو تحفظ مخزونها من اليورانيوم المخصب بنسبة 60 بالمئة، تحت رقابة غير مسبوقة من الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
ولم ترد وزارتا الخارجية الأمريكية والإيرانية ومكتب نتنياهو على طلبات للتعليق.
وقال المفاوض السابق دينيس روس، الذي عمل في إدارات أمريكية جمهورية وديمقراطية، إن أي اتفاق جديد لا بد أن يتجاوز خطة العمل الشاملة المشتركة، من خلال فرض تغيير هيكلي دائم على القدرات النووية الإيرانية، وتقليص بنيتها التحتية إلى مستوى يجعل تطوير قنبلة نووية خيارًا غير عملي.
وقال لرويترز: "أي شيء أقل من ذلك سيُبقي التهديد قائمًا". لكن هناك عدة خطوط حمراء بدأت تظهر، وسيتعين على المفاوضين تجاوزها للتوصل إلى اتفاق وتجنّب أي عمل عسكري في المستقبل.
وأهم تلك الخطوط قدرة إيران على تخصيب اليورانيوم، وهو أمر تطالب واشنطن وتل أبيب بوقفه تمامًا، ما يجعل طهران تعتمد على اليورانيوم المستورد لمحطة بوشهر، وهي محطتها النووية الوحيدة القائمة، وتقع على ساحل الخليج.
ويطالب نتنياهو بـ"تخصيب صفري" لليورانيوم والتوصل إلى اتفاق يؤدي إلى تفكيك البنية التحتية النووية الإيرانية، على غرار ما حدث مع ليبيا.
وتقول إيران إن حقها في التخصيب غير قابل للتفاوض. لكن ثلاثة مسؤولين إيرانيين قالوا إن حجم مخزون اليورانيوم، وشحنه خارج البلاد، وعدد أجهزة الطرد المركزي، هي أمور قيد النقاش.
وأكدت جميع المصادر، ومنها ثلاثة مسؤولين إيرانيين، أنه بموجب المقترحات التي نوقشت في جولات المحادثات في أبريل، ستضع إيران سقفًا لمستوى التخصيب عند 3.67 بالمئة، بما يتماشى مع خطة العمل الشاملة المشتركة.
وأضافت المصادر الإيرانية أن طهران منفتحة أيضا على منح الوكالة الدولية للطاقة الذرية حق وصول موسع إلى مواقعها النووية.
وأوضحت المصادر أن المقترحات لا تهدف إلى تفكيك البنية التحتية النووية الإيرانية بالكامل، كما تريد إسرائيل وبعض المسؤولين الأمريكيين، بل تهدف إلى فرض قيود دائمة على تخصيب اليورانيوم، تمنع تجاوز الحدود المقررة.
وبدا أن ستيف ويتكوف، المبعوث الأمريكي إلى الشرق الأوسط، يقر بهذا الموقف في تصريحات أدلى بها الأسبوع الماضي، لكنه قال لاحقا إن على إيران أن "توقف تخصيب اليورانيوم وتنهيه تماما".
حلول وسط
وقال أليكس فاتانكا، الزميل والمدير المؤسس لبرنامج إيران في معهد الشرق الأوسط بواشنطن، إن أحد الحلول الممكنة يمكن أن يكون قبول إيران فترات توقف طويلة لبرنامج التخصيب، من خلال تمديد بنود الانقضاء.
وأضاف: "لو تحلى الإيرانيون بالذكاء، فسيتفقون على بنود انقضاء أطول بكثير في المستقبل"، مؤكدا على أهمية أن يتمكن كل طرف من إعلان انتصاره في المحادثات.
وقال أحد المسؤولين الإيرانيين الثلاثة، وهو مسؤول أمني كبير، لرويترز إن هناك حلا وسطا محتملاً آخر، يتمثل في احتفاظ إيران بالحد الأدنى من التخصيب عبر خمسة آلاف جهاز طرد مركزي، مع استيراد بقية اليورانيوم المخصب، ربما من روسيا.
وذكر المسؤولون الإيرانيون الثلاثة أنه، مقابل وضع قيود على التخصيب، طالبت طهران بضمانات قاطعة بأن ترامب لن ينسحب مجددا من الاتفاق النووي.
وأضافوا أن من بين الخطوط الحمراء التي وُضعت بتكليف من الزعيم الأعلى آية الله علي خامنئي؛ خفض كمية اليورانيوم المخصب التي تخزنها البلاد إلى ما دون المستوى المتفق عليه في اتفاق عام 2015.
وقالت الوكالة الدولية للطاقة الذرية في ديسمبر/كانون الأول إن إيران زادت "بشكل كبير" كمية اليورانيوم التي يمكنها تخصيبها إلى درجة نقاء 60%.
وسمحت خطة العمل الشاملة المشتركة فقط لإيران بتخزين اليورانيوم المخصب الذي تنتجه أجهزة الطرد المركزي من الجيل الأول (طراز IR-1)، لكن طهران تستخدم الآن طرزا أكثر تطورا، محظورة بموجب اتفاق 2015.
وقال مصدر إقليمي رفيع المستوى مقرب من طهران إن الجدل الدائر حاليا حول مخزونات اليورانيوم الإيرانية يتركز على ما إذا كانت إيران "ستحتفظ بجزء منه، مخفف، داخل البلاد، بينما ترسل جزءا آخر إلى الخارج، ربما إلى روسيا".
ووفقا للمصدر، طرحت إيران فكرة بيع اليورانيوم المخصب للولايات المتحدة.
وتشغل إيران حاليا نحو 15 ألف جهاز طرد مركزي. وبموجب خطة العمل الشاملة المشتركة، سمح لها بتشغيل حوالي ستة آلاف جهاز فقط.
وقال المسؤول الإيراني الكبير: "تتجه المفاوضات بشكل أساسي نحو ’خطة عمل شاملة مشتركة 2’ مع بعض الإضافات التي ستسمح لترامب بتقديمها على أنها انتصار، بينما تتمكن إيران من الاحتفاظ بحقها في التخصيب".
وهناك نقطة خلاف شائكة أخرى تتعلق بقدرة إيران على تصنيع الصواريخ الباليستية. وتقول واشنطن وتل أبيب إنه يجب عليها التوقف عن تصنيع الصواريخ، بينما تقول طهران إن لها الحق في الدفاع عن نفسها.
وذكر مسؤول إيراني لرويترز في وقت سابق أن بلاده لن تقدم أي تنازلات إضافية بخصوص برنامجها الصاروخي، تتجاوز تلك المتفق عليها بموجب اتفاق 2015، وتعرض فقط الامتناع عن صنع صواريخ قادرة على حمل رؤوس نووية "كبادرة حسن نية".
وقال مسؤول أمني إقليمي إن واشنطن تضغط لإدراج برنامج الصواريخ الباليستية في المحادثات، لكن طهران "لا تزال ترفض أي نقاش".
وأضاف: "المشكلة هي أنه بدون معالجة قضية الصواريخ، لا يمكن لترامب القول إن الاتفاق الجديد يتجاوز خطة العمل الشاملة المشتركة".
ويبرز المفاوض السابق روس التناقض، إذ تخلى ترامب عن خطة العمل الشاملة المشتركة لكونها ضعيفة للغاية، ونتيجة لذلك فإنه يواجه الآن واقعا تقف فيه طهران على أعتاب امتلاك قدرات لصنع أسلحة نووية.
وقال: "قبول اتفاق يحاكي أو يخفف الاتفاق الأصلي سيكون أمرا يصعب تبريره سياسيا"، مشيرا إلى أن الاتفاق يجب أن يخفض عدد أجهزة الطرد المركزي من 20 ألفا إلى ألف، وينقل كل المخزونات المخصبة إلى الخارج، وفرض عمليات تفتيش دقيقة تدعمها عقوبات.
خطر القصف
شبه المحلل فاتانكا المأزق الحالي الذي تعيشه إيران بقرار قبول وقف إطلاق النار مع العراق الذي اتخذه مؤسس الجمهورية الإسلامية روح الله الخميني في عام 1988 حين شبه تلك اللحظة بتجرع "كأس السم المر".
وقال فاتانكا "الأمر يتعلق بالبقاء وليس الاستسلام".
ويقول دبلوماسيون إن نتنياهو يرى أن هناك فرصة نادرة سانحة بعد أن أدت الحملات العسكرية العام الماضي إلى شل الدفاعات الجوية الإيرانية وتدمير ترسانة حزب الله الصاروخية، وسيلة طهران الأساسية للردع.
وقال مسؤول في الشرق الأوسط "هذه فرصة تاريخية لإسرائيل لضرب المواقع النووية الإيرانية".
وأضاف أن الولايات المتحدة تعارض هذه الخطوة لعدة أسباب، أهمها مخاوف دول الخليج التي لا يمكن أن تتجاهلها واشنطن بسبب علاقاتها الاستراتيجية والاقتصادية الوثيقة في المنطقة.
واستطرد يقول "غير أنه سيتعين عليها التفكير في حسابات إسرائيل الأمنية.. وبالتالي قد لا تشارك الولايات المتحدة بشكل مباشر، لكنها قد تقدم دعما غير مباشر. ستكون هذه العملية صعبة على إسرائيل لكنها ليست مستحيلة".
وأرسل الجيش الأمريكي تعزيزات لقواته في الشرق الأوسط خلال الأسابيع القليلة الماضية. ونشرت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) ست قاذفات من طراز (بي-2) في جزيرة دييجو جارسيا بالمحيط الهندي، وهي موقع استخدمته من قبل في دعم عملياتها العسكرية بالشرق الأوسط.
كما أن الولايات المتحدة لديها حاليا حاملتا طائرات في المنطقة التي نقلت إليها أيضا أنظمة دفاع جوي من آسيا.
وقال آلان إير، وهو دبلوماسي أمريكي سابق وخبير في شؤون الشرق الأوسط يتحدث الفارسية، إن أي ضربة قد تبطئ برنامج إيران النووي، لكنها لن تقضي عليه. وأضاف "لا يمكن أن تقصف المعرفة، إنها موجودة، أتقنت إيران تخصيب اليورانيوم".