انتخابات بيروت: التحالفات تُحسم خلال ساعات وقلق على المناصفة
هل يحافظ أهل بيروت على "تقليد" المناصفة الذي يزيد عمره عن مئة عام؟
محمد علوش - المدن
تتخذ الانتخابات البلدية في بيروت لعام 2025 ابعاداً تتجاوز الانماء والتنظيم الذي تحتاجهما العاصمة بشدّة، لتشكّل محطة سياسية تعكس التوازنات الطائفية والتحالفات الحزبية، وحضور المستقلين والمجتمع المدني، في العاصمة اللبنانية.
تاريخياً، شهدت بيروت نسب اقتراع متفاوتة، وبلغت نسبة المشاركة في الانتخابات البلدية لعام 2016 حوالي 20 بالمئة فقط، مما يعكس حالة من العزوف الشعبي عن المشاركة في هذا الاستحقاق، قد تتكرر هذا العام. وكان لافتاً للانتباه تصاعد الخطاب الطائفي على خلفية المطالبة بتعديل قانون الانتخاب لصالح اللوائح المقفلة لضمان المناصفة، بمقابل المطالبة بنقل بعض الصلاحيات من محافظ بيروت "المسيحي" لصالح البلدية.
التوازن الطائفي في بلدية بيروت
يتألف مجلس بلدية بيروت من 24 عضوًا، يتم توزيعهم بالتساوي بين المسلمين والمسيحيين، وفقًا لمبدأ المناصفة. هذا التوازن يُعتبر حساساً، خصوصاً في ظل الأغلبية السنية في العاصمة، مما يستدعي تحالفات دقيقة لضمان تمثيل عادل للطوائف المختلفة، لذلك فإن أي اخلال بهذا التوازن قد يؤدي إلى توترات سياسية ومطالبات بإعادة النظر في هيكلية المجلس البلدي.
وبحسب التقسيم الطائفي فإن أعضاء مجلس بلدية بيروت يتوزعون على النحو التالي: 12 مقعداً للمسلمين (6 سنة، 3 شيعة، 2 دروز، 1 علوي)، و12 مقعداً للمسيحيين (4 أرثوذكس، 3 موارنة، 2 كاثوليك، 1 أرمن أرثوذكس، 1 أقليات مسيحية، 1 إنجيلي).
في انتخابات بلدية بيروت عام 2016، شهدت العاصمة اللبنانية واحدة من أبرز المعارك الانتخابية البلدية في تاريخها الحديث، لكونها جمعت بين لائحة مدعومة من الأحزاب التقليدية "لائحة البيارتة"، ولائحة مدنية مستقلة "بيروت مدينتي" في مواجهة مباشرة عكست مزاجاً سياسياً متحولاً لدى الرأي العام، خصوصاً بعد حراك صيف 2015 احتجاجاً على أزمة النفايات، فكانت النتائج متقاربة بعد أن فازت لائحة التحالف الحزبي السياسي بفوارق بسيطة.
4 لوائح وضياع واحد
تكشف مصادر بيروتية متابعة عبر "المدن" أن تفاصيل التحالفات في بيروت لم تنته بعد، ولو أن هناك توجه لتشكيل ثلاث أو أربع لوائح. الأولى تضم القوى السياسية التقليدية كالثنائي الشيعي والأحزاب المسيحية والنائب فؤاد مخزومي والأحباش، ويُفترض أن تكون برئاسة إبراهيم زيدان. وبحسب المصادر فإن التركيبة الاولية لهذه اللائحة قد تم التوافق حولها مع بقاء بعض التفاصيل التي قد تتبدل بحال توسع التحالف، علماً أن مشكلة مقاطعة حزب الله للانتخابات البلدية قد حُلت وعاد الحزب عن قراره.
اللائحة الثانية "بيروت مدينتي وستبقى"، يُفترض بحسب المصادر أن تكون برئاسة فادي درويش، وهذه اللائحة بحسب النائب إبراهيم منيمنة أعلنت بالأمس بعد ان اطلقت برنامج عملها. ويضيف منيمنة في حديث لـ"المدن": "اللائحة مكتملة من 24 عضواً تمثل توجهات وأحلام أهل بيروت الذين سيكونون على الموعد لتأكيد خياراتهم الوطنية".
اللائحة الثالثة التي قد تُولد تحظى بدعم النائب نبيل بدر والجماعة الإسلامية، وقد تكون برئاسة محمود الجمل، علماً أن مصادر في الجماعة الإسلامية تؤكد عبر "المدن" أن التحالفات لم تُحسم، وخيار بناء اللائحة لا زال مطروحاً لكنه ليس أكيداً، كاشفة عن وجود مشاورات لانضمام الجماعة والنائب بدر إلى لائحة الأحزاب السياسية، مشددة على أن الجماعة قد تدخل اللائحة بالمرشح، عضو مجلس البلدية الحالي، مهير سنجابة.
وتشدد مصادر الجماعة على أنها ستخوض معركة المقاعد الإختيارية بقوة، فهناك تقريباً 15 مرشحاً للمقاعد الإختيارية في كل أحياء بيروت.
أما اللائحة الرابعة فهي التي تنوي تشكيلها رلى العجوز، التي عادة ما يبرز إسمها في كل استحقاق انتخابي في بيروت، سواء على المستوى البلدي أو على المستوى النيابي، وهي من الأسماء التي كانت مقرّبة سابقاً من تيار المستقبل والرئيس الحريري، كما من الوزير السابق محمد شقير.
تأجيل وخوف على المناصفة!
أظهرت الانتخابات البلدية السابقة ميلاً واضحاً لدى جزء كبير من السكان، خصوصاً الشباب والطبقات الوسطى، إلى التصويت لخيارات مدنية بديلة عن الأحزاب الطائفية. ولكن، مع تصاعد حدة الخطاب الطائفي، عاد الحديث عن المناصفة بين المسلمين والمسيحيين ليحل مكان البرامج والمشاريع، ووفق ما تكشفه المصادر فإن خيار تأجيل الإستحقاق في مدينة بيروت لم يُشطب بعد، والساعات القليلة المقبلة ستكون حاسمة على هذا الصعيد.
من جهته يُشير منيمنة إلى إن استخدام هذا الخطاب كان مقصوداً من القوى التقليدية. ويضيف: "لا أعتقد خيار تأجيل الإستحقاق هو خيار راجح"، مشيراً إلى أن "هذه الأخبار يتم استثمارها مع اقتراب الإنتخابات لضرب حماسة المواطنين". اما بالنسبة إلى المناصفة فيرى منيمنة أن "أهل بيروت سيحافظون على هذا التقليد الذي زاد عمره عن مئة عام، خصوصاً أن أهل بيروت هم أهل وطنية وعيش مشترك وحس وطنيّ ووعي سياسي، وهذا ما يجب التعويل عليه".
بالمقابل تتحدث مصادر نيابية بيروتية عن احتمالات الخرق والتشطيب وضرب المناصفة، معتبرة عبر "المدن" أن عدم الوصول إلى المناصفة لن يكون مستبعداً لأن الخطاب السياسي أعاد إحياء الشعور بالغبن لدى فئات طائفية كبيرة في العاصمة، وقد يكون تصويتها مستنداً إلى هذا الشعور.