"التيار الوطني الحرّ" تحوّل إلى "تيارات"
ولم يبق من "لبنان القوي" سوى شعار تكتّل يتناقص أعضاؤه
مجد بو مجاهد - "النهار"
في كفّة ميزان معارضيه، نهاية النائب جبران باسيل السياسية لم تحتج عقوبات. "الصهر" - كما يحلو لهم تسميته - ألغى نفسه بنفسه تدريجياً منذ نُصّب على رأس "التيار الوطني الحرّ" الذي تحوّل إلى "تيارات"، فيما لم يبق من "لبنان القوي" سوى شعار تكتّل يتناقص أعضاؤه في "لبنان المحتضر". أما المؤيّدين الذين يشكّلون حلقة تحيط بباسيل، فهم أقرب الى تصويره في خانة الـprésident - كما يحلو لهم مناداته كلّما ظهر في مناسبات اجتماعية - الذي لا بدّ أن يلاقوه ببخور وعنبر. في المعادلة الشعبية، كفّة معارضيه تفوق مؤيّديه. عندما يتحدّثون عنه في المجالس السياسية، يقولون إنّه ذلك الشخص الذي لم يترك له صاحباً حتى في بيئة حلفائه السياسيين. وباسيل كان أوّل من صنعت له الانتفاضة نشيداً ودعت لاسقاطه. في السياسة، كثرٌ هم الذين انتظروا وتأملّوا أن يأتي ذلك اليوم الذي يعلن فيه باسيل فكّ التحالف السياسي مع "حزب الله".
انتفض الفينيقيون على الفرس في عهد داريوس الأوّل (521 - 486 قبل الميلاد) بسبب المآسي التي حلّت بهم في عهده، ونجحوا في التحرّر منهم بعدما كانوا خضعوا لهم وساندوهم في حروبهم ضدّ الإغريق باستعمال مراكبهم في المعارك البحرية؛ باسيل لم ينتفض واختار الغرق في مركب تحالفه مع "الحزب"... رغم أنّ بعض المراقبين يقرأون أنّه حاول ولم يستطع.
لماذا يرى معارضو باسيل أنّه عمد الى الغاء ذاته بنفسه؟ في قراءة مصادر عونيّة معارضة لباسيل ومنشقّة عن "التيار الوطني الحرّ" عبر "النهار"، فإنّ "الخسارة الأولى كانت على مستوى القاعدة الجماهيرية المستقلّة التي لطالما اقترعت لمصلحة التيار العوني رغم أنّها ليست برتقالية اللون. وتمثّلت الخسارة الثانية على مستوى خسارة روحيّة التيار التي لطالما تميّز بها شبابه على مستوى الابتكار وخلق الفعل لا ردّ الفعل والابداع في العمل، فيما لم يبقَ اليوم سوى أشخاص لا يبادرون الى عمل إلّا إذا نالوا منصباً سياسياً أو إدارياً. وحلّت الخسارة الثالثة على مستوى المفكرّين وأصحاب الرأي الذين منهم تركوا التيار الوطني الحرّ أو طردهم باسيل، فيما الأسباب تتمحور حول عدم بناء مؤسسة وبداية تحوّل التيار الى نادٍ خاص. ومن أبرز هؤلاء كمال يازجي، ايلي بيطار، نعيم عون، طوني نصرالله، رمزي كنج، طوني مخيبر، طانيوس حبيقة، توفيق سلوم، طوني عبد النور، طوني أبي عقل، لينا غريّب، لينا عقيقي، وليد جعجع، هشام حداد".
وبحسب تقويم المصادر المعارضة، فإنّ "التيار الوطنيّ الحرّ لا يمكن أن يستعيد زخم شعبيته وذلك ليس مرتبطاً بظروف سياسية بل لأنّ روحية التيار العوني غابت منذ سنوات ولم تعد حاضرة، خصوصاً أن الوضع الاقتصادي الذي يشهده لبنان لا يترك مجالاً أمام الطبقة الوسطى من البيئة المسيحية التي كانت حاضنة للتيار وهي تنهار اليوم ساعيةً الى الهجرة. ولعلّ السؤال الأبرز، يتمثّل في ما إذا كان سيبقى مسيحيون في لبنان قبل الحديث عن مصير التيار الشعبي؛ ذلك أنّ الطبقة الوسطى التي صنعت لبنان من شتى الطوائف والمناطق تسعى الى الهجرة. ويشمل طموح الهجرة الأطباء والمحامين والمهندسين والصحفيين والطلاب. يعني ذلك أنّ لبنان ذاهب باتجاه الزوال اذا لم يكن الرهان على أشخاص باستطاعتهم القراءة في السياسة من داخل كوادر الانتفاضة الشعبية".
في الموازاة، تقول أوساط نيابية في "التيار الوطني الحرّ" إنّ "النظرية التي تقول إنّ باسيل انتهى مجرّد مصطلح مستخدم من الذين يمتعضون من التيار، وهذا يذكّر بما قيل عن نهاية الرئيس ميشال عون سنة 1989، إلّا أنّ القائد السياسي في لبنان لا يمكن أن ينتهي قبل نهاية حياته. الواقع الاقتصادي ليس قائماً على التيار الوطني الحرّ ولم نتعلّم في مدرستنا أن نكون استسلاميين ونتفهّم مغادرة اللبنانيين من كادرات الطبقة الوسطى التي لا تستطيع تأمين لقمة عيشها، لكنّنا نأمل في الغد رغم صعوبة الوضع. لسنا نحن من تسبّبنا بالوضع الاقتصادي، فهل يمكن التصديق أن نبيه بري ووليد جنبلاط وسعد الحريري هم الأوادم في البلد وميشال عون هو المشلكة؟ هذه النظرية التي يسوّق لها البعض في لبنان ليست لمصلحته بل للقضاء على هذا البلد".
وإذ تشير الى أنّ "عقد التفاهم مع حزب الله أتى نتيجة للتباعد السياسي بيننا، وقد نجح التفاهم وهو مستمر لكن يجب تطويره بناء على الأخطاء التي ارتكبت خلال الفترة الزمنية الماضية. وأملنا أن يعمّم الاتفاق على كافة القوى السياسية التي نتمنى التحالف معها أيضاً. ويهمنا تشكيل حكومة في أسرع وقت ممكن بمعايير محدّدة ولا نحتاج أو نريد أكثر من ذلك، بل إنّنا من المسهّلين لولادة الحكومة لكن لا يجوز معاملة فريق أفضل من آخر"، ترى أوساط "التيار الوطني الحرّ" المؤيّدة لباسيل "أنّنا اعتدنا على الصعوبات في التعامل السياسي في لبنان على كافة الأصعدة ولن نسكت عن العقوبات وسيكون لها متابعة، فيما المرحلة المقبلة ستكون مليئة بالتحديات ونحن مصمّمون على الوصول الى نتائج ايجابية لمصلحة لبنان".