306 ملايين دولار «مغتصبة» من البلديات
ديوان المحاسبة يحظر الاستفادة من أموال مخصّصة لجميع البلديات على حساب بلديات أخرى
كتبت الأخبار: في عام 2022 اقتطعت الحكومة من الصندوق البلدي المستقل مبلغ 13938 مليار ليرة ودفعتها عن البلديات للشركات التي جرى تلزيمها أعمال جمع النفايات وكنسها. أيضاً اقتطعت الحكومة مبلغ 13537 مليار ليرة عن عام 2023 كمستحقات أكلاف النظافة وسدّدتها لهذه الشركات. وكلما تراكمت مبالغ في الصندوق، سيُقتطع منها هذه الأكلاف التي تقوم وزارة المال بتسديدها بالتنسيق مع مجلس الإنماء والإعمار لشركات النفايات.
ما يثيره هذا الأمر ليس مستجداً، إذ سبق أن صدرت قرارات من ديوان المحاسبة ومجلس شورى الدولة تفيد بوضوح بأن الاقتطاع الحاصل غير قانوني طالما أن البلديات لم توافق وتتنازل عن الأمر. لكن في لبنان، القاعدة المطبّقة هي التي تكوّن انحرافاً سلطوياً عن أي غايات اقتصادية واجتماعية، وتصبّ في مصلحة القوى التي تسيطر على السلطة المركزية.
وتستند الحكومة على المادة 64 من قانون موازنة 2001 لتحميل البلديات هذه الأكلاف واقتطاعها غصباً عنها، ثم تزعم أن البلديات تستفيد من خدمات مشاريع النظافة «جمع، كنس، معالجة وطمر»، وهذا ما يثير أكثر من سؤالٍ عن شرعية الإجراءات المتّبعة عند صرف هذه المبالغ من دون أخذ موافقات البلديات، خصوصاً أن هذه الأموال مخصّصة لكل البلديات وليست البلديات المعينة التي تستفيد من هذه الخدمات.
في عام 2001 صدر رأي استشاري من ديوان المحاسبة بشأن هذه القضية. وخلص الرأي إلى أن المادة 87 من قانون البلديات الرقم 118/1977 تنصّ على أنَّ «أموال الصندوق البلدي المستقل أمانةٌ تعود لجميع البلديات»، وقد كرّس المرسوم الرقم 1917 تاريخ 6/4/1979 آليّة توزيع هذه الأموال وإيداعها لدى وزارة المالية في «قيود مصلحة الخزينة» لا في حسابٍ مستقل لدى مصرف لبنان، على أن تُستقطع نفقات مشتركة تصب في مصلحة جميع البلديات بالتساوي.
أيضاً أوضح ديوان المحاسبة في رأيه الاستشاري الرقم 44/2001 أنّه «لا يجوز للبلديات أن تستفيد من أموال مخصّصة لجميع البلديات على حساب بلديات أخرى، ولا يمكن إنفاق هذه الأموال قبل توافر الاعتماد القانوني اللازم، ومن دون أن تشمل النفقات جميع البلديات»، لذا «لا يمكن تكييف الصرف على أساس عقود باطلة أو بعقود صلح إلا بعد صدور نص تشريعي صريح يُبيح ذلك».
كذلك قال الديوان إنّ تحويل الاعتمادات من الصندوق البلدي المستقل إلى جهةٍ حكومية (كهيئة «مجلس الإنماء والإعمار» مثلاً) لتنفيذ أعمال النظافة يصطلح عليه قانوناً بتكليف الإدارة العامة أو المؤسسة العامة، ويستلزم «قراراً مشتركاً من وزيري المالية والشؤون البلدية والقروية صريحاً»، يسمح لها بالتعاقد وتصريف النفقات ومراقبتها وفقاً لأنظمتها الداخليّة.
وشدّد على أن نقل الاعتمادات من «الصندوق البلدي المستقل» إلى أي إدارة أو مؤسسة عامة لإنجاز أعمال النظافة لا يتم إلا بموجب «قرار مشترك من وزيري المالية والشؤون البلدية والقروية»: «تحوّل لها قيمة الاعتمادات المعقودة بقرار مشترك من وزيري المالية والشؤون البلدية والقروية». لذا، فإنه برأي الديوان يعدّ تجاوز الاعتمادات المفتوحة وانقضاء الصرف في غير الغاية المخصصة لها خرقاً صريحاً للمادة 70 من قانون المحاسبة العمومية، (تحظر موافقة مجلس الوزراء على عقد نفقة رفضه المراقب لعدم كفاية الاعتماد).
إن صرف وزارة المالية لمبالغ ضخمة على أعمال النظافة لعامَي 2022 و2023 من دون توافقٍ مع البلديات المعنية أو قرارٍ مشترك مع وزارة الشؤون البلدية والقروية، ومن دون توزيع هذه النفقات على كل البلديات وفقاً للمرسوم 1917/79 المعدّل، يُخرق صراحةً مبادئ الأمانة العامة للصندوق البلدي المستقل، ويتعارض مع آراء ديوان المحاسبة الاستشارية. وعليه، فإنّ تكرار مثل هذه العمليات يصبّ في خانة المخالفات المالية والإدارية ويستوجب إعادة النظر في الإجراءات وتدعيمها بنصوصٍ تشريعية تنظيمية واضحة تحفظ حقوق جميع البلديات.