صور الأقمار الاصطناعية تكشف كيف ضُرب عمق "فوردو" الإيرانية
إيران أغلقت مداخل أنفاق فوردو قبيل الضربة
في تطور عسكري غير مسبوق منذ تصاعد التوتر بين إيران والولايات المتحدة، كشفت صور أقمار اصطناعية عن تعرض منشأة فوردو الإيرانية لتخصيب اليورانيوم لهجوم جوي دقيق، نفذ على الارجح باستخدام قنابل خارقة للتحصينات من طراز (GBU-57A/B MOP) الأميركية.
لم يخلف الهجوم، الذي استهدف واحدة من أكثر المنشآت تحصيناً في البرنامج النووي الإيراني، دماراً سطحياً ظاهراً، بل أظهر تغيرات طوبوغرافية لافتة في موقع المفاعل الجبلي الذي يضم البنية التحتية المدفونة في عمقه.
صور التقطتها شركتا "بلانيت لابز" و"ماكسار" يومي 20 و22 حزيران/يونيو 2025، أظهرت فوهات دقيقة وتحولات لونية غير معتادة، إلى جانب دخان رمادي خفيف، مما يعزز فرضية استهداف العمق مباشرة بذخائر موجهة عالية الدقة. وهو ما يرجّح تعطّل المنشأة جزئياً أو كلياً لسنوات.
في هذا التقرير، تقدّم "النهار" قراءة تحليلية لأبعاد الضربة، من خلال تحليل صور الأقمار الاصطناعية، وفهم التغيرات في طبيعة الموقع الجيولوجية، واستعراض خصائص الذخائر المستخدمة، في محاولة لرصد ما جرى في داخل الجبل، الذي ظل لسنوات رمزاً للحصانة النووية الإيرانية.
أضرار ظاهرية
البداية مع صورة أقمار اصطناعية التقطتها شركة "بلانيت لابز" ونشرتها وكالة "أسوشيتد برس" في 22 حزيران/يونيو 2025. كشفت الصورة عن دلائل بصرية قوية تشير إلى تعرض منشأة فوردو الإيرانية لتخصيب الوقود النووي لضربة جوية دقيقة، يرجح أنها نفذت باستخدام قنابل خارقة للتحصينات من طراز (GBU-57A/B MOP).
الصورة تظهر تحولات لونية وتضاريسية لافتة في الجبل الذي يخفي المنشأة، حيث تحولت أجزاء من السفح من بنيّ طبيعيّ إلى رماديّ فاتح، مما يعكس انبعاث ركام وغبار صخري ناتج عن انفجار تحت الأرض بضغط مرتفع، وليس نتيجة عوامل طبيعية.
يلاحظ أيضاً سحب دخان رمادي خفيف من دون آثار حريق، مما يدعم فرضية استخدام ذخائر مزودة بفتيل تفجير مؤخر يسمح بتفجير الرأس بعد اختراق عشرات الأمتار في داخل الصخور. هذا النمط من التفجير يؤدي إلى تفكك داخلي في التكوينات الجبلية، وقذف صخري رأسي، وتغير في تموجات السطح، كالسطوح المسطحة والتشققات الدقيقة الظاهرة في الصورة.
ورغم تقارير تفيد بأن إيران أغلقت مداخل أنفاق فوردو قبيل الضربة، فإن المؤشرات الميدانية ترجح أن الذخائر الأميركية نجحت في تجاوز الردم أو ضرب نقاط الاختناق العمودية للوصول إلى عمق المنشأة.
يذكر أن منشأة فوردو بنيت داخل جبل صخري قرب مدينة قم، على عمق 80–90 متراً، مما يتطلب ذخائر قادرة على اختراق أكثر من 60 متراً من الخرسانة أو 100 متر من الصخور، وهو ما تحققه القنبلة الأميركية الخارقة، مما يفسر بصرياً التحولات الجغرافية الدقيقة المرصودة في الصورة الفضائية، وهو ما تكشفه بالتفصيل صور أقمار اصطناعية أخرى نشرتها "ماكسار".
توضح المقارنة بين صورة تعود إلى شهر نيسان/أبريل، وأخرى بعد القصف، التغيرات الظاهرة على السطح وكيف نفذت القنابل إلى قلب المفاعل؟
ثمة صور أخرى التقطتها "ماكسار" بين يومي 20 و22 حزيران/يونيو 2025، تظهر مشهداً فضائياً عالي الدقة لموقع منشأة فوردو الإيرانية لتخصيب الوقود النووي، مع تركيز خاص على المنطقة الجبلية التي تخفي داخلها البنية التحتية النووية، ويظهر في الصورة عدد من الفوهات الدقيقة التي تم التعرف عليها كمناطق تقع مباشرة فوق المنشأة المدفونة.
تشير تلك الفوهات العميقة المنتظمة في صور الأقمار الاصطناعية فوق منشأة فوردو إلى استخدام (GBU-57A/B MOP)، وهي من أقوى الذخائر غير النووية في الترسانة الأميركية، وصممت تحديداً لاختراق التحصينات العميقة كغرف التخصيب النووي المحمية تحت الجبال أو الخرسانة المسلحة. تكشف الصور عن فوهات دقيقة في موقع التفجير.
تُطلق القنبلة من قاذفة شبحية بعيدة المدى من طراز "بي-2 سبيريت"، وتوجه بالقصور الذاتي ونظام التموضع العالمي (GPS). وعند اقترابها من الهدف، تخترق الصخور أو التربة برأس فولاذي عالي الكثافة من دون أن تنفجر، إذ تعمل بفتيل تفجير مؤخر يفعل بعد اختراق يصل إلى 60 متراً في الخرسانة، أو 100 متر في الأرض الصخرية، لتنفجر في داخل الهدف.
هذا التفجير الداخلي يولد موجة ضغط حراري شديدة تسحق المعدات، وتحدث انهيارات في الحجرات التقنية والأنفاق، وهو ما يرجح أنه ألحق أضراراً جسيمة بأجهزة الطرد المركزي من طراز (IR-6) في فوردو.
اللافت أن الضربة لم تستهدف الهياكل السطحية، بل ركزت على العمق، مما يعكس استراتيجية "الضربات الجراحية العمودية" الأميركية، التي تدمر الوظيفة لا الشكل، وتصيب القلب من دون إثارة دمار محيط واسع.