براك يدشن في سوريا ولبنان مرحلة "ما بعد ايران"!؟

براك يدشن في سوريا ولبنان مرحلة "ما بعد ايران"!؟

image

براك يدشن في سوريا ولبنان مرحلة "ما بعد ايران"!؟
الأميركيون ينتظرون رأي وموقف بري لتحديد حجم توافق المسؤولين اللبنانيين

الجمهورية - جورج شاهين
انتظاراً لعودة الموفد الأميركي توماس برّاك، سيبقى الجدل قائماً حول شكل الردّ اللبناني ومضمونه على طروحاته الأخيرة، في أجواء لم تلامس بعد جوهرها، ذلك انّ بعض المعنيين، ولا سيما منهم "حزب الله"، ما زال يتصرّف وكأنّ هناك مجالاً لمناقشة الجانب الأميركي وتعديل أولوياته التي رسم سقوفها بدقّة لمن يريد أن يفهمها. وهو ما طرح أسئلة حول الأسلوب الذي سيلجأ إليه برّاك، خصوصاً انّه انتقل إلى البحث في مرحلة ما بعد الوجود الإيراني في المنطقة.
لا تقف الأمور في هذه المعادلة عند ما سيقوله "حزب الله" في شأن الردّ على طروحات برّاك أياً كانت المواقف مما هو مطروح، ذلك انّ الأجوبة المتوافرة حتى الأمس القريب هي المطلوبة من رئيس مجلس النواب نبيه بري، في اعتباره "الأخ الأكبر" بعدما سُمّي المفاوض والمتحدث باسم "الثنائي الشيعي" منذ اندلاع حربي "الإلهاء والإسناد" و"أولي البأس"، ولم ينازعه أحد على موقعه التفاوضي. فمسؤولو الحزب بمختلف كوادرهم العليا، ولا سيما المعنيون منهم بالقرارات الكبرى والمتوسطة المحصورة بالصفين الأول والثاني، محجوبون عن الساحة وحتى عن مسؤولي حزبهم من الصفين الثالث والرابع وما دون، وخصوصاً على مستوى تقدير ما تبقّى من قوة الحزب والترجيح في شكلها وحجمها ونوعيتها، كما بالنسبة إلى من يتحكّمون بالقرار العسكري والتصرّف بسلاحه وأصحاب الكلمة الفصل في البتّ بكثير من الأمور.
لا يحمل هذا الكلام أي تجنٍ على من يتولّى زمام الأمور في الحزب منذ اغتيال أمينيه العامين السيدين حسن نصرالله وهاشم صفي الدين ومرحلة ما بعد تفاهم 27 تشرين الثاني 2024. فكل المعنيين، ولا سيما منهم العسكريون والديبلوماسيون المكلّفون الأدوار التفاوضية، يدركون أنّهم لم يلتقوا بأحد من الكادرات العسكرية الجديدة للحزب ولا القيادة العليا المتمثلة بالأمين العام الشيخ نعيم قاسم، الذي لم يُسجّل له أي حضور علني ومباشر حتى اليوم، ولم يلتق بأي مسؤول أجنبي إيراني ولا عربي ولا غربي. وانّ اللقاءات التي جمعت بعض الموفدين الغربيين والعرب على قلتهم في الفترة الأخيرة، بقيت لقاءات البعض منهم محصورة برئيس كتلة "الوفاء للمقاومة"، ولم يذكر بعد إن كان أحدهما انتهى إلى أي نتيجة حاسمة من غير الذي يمكن ان يتبلّغوه من بري.
ولذلك يؤكّد أحد العارفين بكثير من التفاصيل، انّ الحوار مع قيادة الحزب الموجودة فوق الارض ما زال محصوراً بالشؤون السياسية، كتلك التي رافقت الانتخابات البلدية والاختيارية، او أي نشاط سياسي او اجتماعي او حزبي آخر ما زال ممكناً من دون أن تطاوله المسيّرات الإسرائيلية ووسائل المراقبة الاخرى التي وضعت الأراضي اللبنانية كافة في مرماها، لتقرّر متى وكيف تستخدم صواريخها الذكية الثقيلة منها او الخفيفة، كالتي تستخدمها المسيّرات في عمليات "القنص الجوي" التي لم تتوقف بعد، وقد شملت من لم ترحمهم التفاهمات في ظلّ ما تركه كتاب الضمانات الأميركية لإسرائيل للتصرف على كل الأراضي اللبنانية وفق معلوماتها وتوجّهاتها، في ما شملته اعتداءاتها حتى اليوم من مسؤولي الحزب في الجنوب او في الضاحية الجنوبية لبيروت وما بينهما على الطريق الساحلي وصولاً إلى الاراضي الإيرانية، حيث تبين انّها تلاحقهم إلى هناك. واياً كانت الألقاب والمسؤوليات التي حدّدها الناطق العسكري باسم جيش الاحتلال للمستهدفين، فلم يصدر حتى آخر العمليات منها في الجنوب أي توضيح او تكذيب لهوية المسؤولين والقابهم وأدوارهم الحزبية القديمة والجديدة، وهو ما أعطاها ما يكفي من الصدقية في الخارج والداخل، باستثناء ما ندر منها وهو ضئيل جداً.
على هذه الخلفيات، تنتظر مراجع ديبلوماسية عودة برّاك إلى بيروت – وإن قيل إنّ الاثنين المقبل موعدها - فهو ليس نهائياً، ما لم يكن هناك جواب لبناني واضح يحاكي ما طرحه الرجل ويردّ على مختلف الاسئلة، كما وردت في سياقها المرتبط بالوضع ما بين سوريا ولبنان ومصير تنفيذ القرار 1701 ما بين لبنان والعدو الإسرائيلي. وهو ما يمكن ترجمته بأنّ لبنان قد اتخذ قراراً نهائياً سيبلغه اليه تلبيةً لرغبته الإسراع في توفير المعطيات التي طلبها بصفته الجديدة، اياً كانت المعطيات المنتظرة من جانبه او تلك المستحيلة منها. فكل ما هو واضح أنّ الامور باتت رهن ما تسرّب من لقاءات برّاك التي سبقت زيارته الأخيرة لبيروت وتلتها، وقد شملت عواصم عربية وخليجية بعد زيارته دمشق.
وتوقف المراقبون أمام آخر رسائل برّاك، وآخرها ما نُقل من "أنّ لبنان أمام نافذة فرص قد تُغلق في خلال شهرين في حال لم يتجاوب مع المطالب"، واكّدوا أهمية ما نقله من رسائل واضحة لا تحتمل تفسيرات مجتزأة او متناقضة. وخصوصاً انّ ما طلبه من مهلة قصيرة ما زال مدار أخذ وردّ في الصالونات السياسية اللبنانية، طالما انّ المسؤولين اللبنانيين لم يشرحوا بعد لمواطنيهم ما اراده برّاك بكل جدّية وشفافية مطلوبة في مثل الظروف العصيبة التي تعانيها أكثرية اللبنانيين القلقين على حاضرهم ومستقبلهم، تاركين المجال واسعاً لسيناريوهات همايونية قديمة وأخرى مدوزنة على قياس الرغبات والأمنيات، من دون ملامسة ما أراده الرجل الذي عُرف بجدّيته. حتى انّ بعضاً مما هو متداول نزع الصفة الإيجابية عن افكاره التي أغدقها بعض من التقاهم في بيروت، وأفرغها من مضمونها نتيجة التقلّبات في المواقف او التناقض المقصود على خلفية توزيع الأدوار بين طرفي "الثنائي الشيعي". وكان المطلوب تسويق أفكارهم في أوساط الرأي العام اللبناني والشيعي تحديداً، فيما المطلوب مخاطبة المراجع الدولية والأممية وإقناعها بها، فهي التي تُناقش من الطرف الآخر في ما هو مطلوب للبتّ بالمراحل اللاحقة التي يمنّون النفس بها من دون بذل الجهود الكافية لبلوغها.
وعليه، تضيف المراجع الديبلوماسية، أنّ واشنطن وعبر موفدها ومن خلفها ما هو متوافر له من دعم خليجي وعربي في مهمّته المزدوجة السورية واللبنانية، ما عادوا ينتظرون موقفاً من "حزب الله" في لبنان، ولا من أي فصيل سوري آخر غير أركان السلطتين الجديدتين في البلدين. فما ينتظره الرجل من قرارات أُلقيت على عاتق أهل الحكم في لبنان لم يعد يتطلّب رأياً او موقفاً من اي طرف آخر. فالإدارة الاميركية ومعها قادة دول الخليج يتصرفون منذ فترة وكأنّ المنطقة الممتدة من غزة ولبنان وسوريا حتى العراق، باتت محرّرة وخالية من أي تأثير إيراني. وإنّ ما لحق بهذا المحور من هزائم وخسائر بات على اركان الحكم تحمّلها بعد أن تبنّوا حصيلتها، وما عليهم سوى تحمّل النتائج أياً كان ثقلها. وهو أمر خطير جداً وخصوصاً انّه يفرض إنهاء عمليات توزيع الأدوار - إن كان ذلك ما زال معتمداً - بين طرفي "الثنائي الشيعي" واركان الحكم بما فيها السلطات الإجرائية والتشريعية والتنفيذية. فالجميع في خندق واحد. لينتهي الحديث عن خلاف بين هذا المرجع او ذاك إلى غير رجعة، مخافة أن ينعكس على الوضع في لبنان في مرحلة لم يعد ينفع فيها الندم.


مقالات عن

براك