القرار ليس كافياً إذا لم يترافق مع خطوات جدية وخطة واضحة للأشهر المقبلة
الطاقم الطبي منهك اليوم وأمامنا 6 أشهر قاسية
لا يهم أن يكون هناك سرير بقدر ما يهم أيضاً أن يجد المريض من يهتم به
ليلي جرجس -"النهار"
بعد فشل الإغلاق الجزئي، تجرّعت الحكومة كما الناس كأس الإقفال العام مع بعض الاستثناءات. هذا القرار الجريء كما وصفه وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال حمد حسن، ليس كافياً إذا لم يترافق مع خطوات جدية وخطة واضحة للأشهر المقبلة. لم يعدّ أحد يتحمل الحلول الوسطية أو الجزئية. الظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة باتت تقتل الناس أيضاً... الدولة عاجزة وتتخبط في استشاراتها العقيمة، والفيروس يفتك في مجتمع متهالك. الوضع صعب والخيارات محدودة وعلى الجميع تحمل المسؤولية أفراداً ومسؤولين. وأمام ما وصلنا إليه، سؤال واحد يبقى الأهم: ماذا بعد الإقفال؟ وماذا لو فشل الإقفال ولم يأتِ بالنتائج المرجوة؟
إذاً سيدخل لبنان نهار غد السبت في عزلته لأسبوعين كاملين قابلين للتمديد. الامتحان صعب ودقيق فإما النجاح في تخفيف العبء على القطاع الاستشفائي وتخفيض عدد الإصابات، وإما السقوط في الهاوية مع سنياريوات كارثية باتت أكثر واقعية اليوم في ظل تفشي الفيروس واستنزاف القدرة الاستشفائية التي بلغت قدرتها القصوى.
يرى البعض أن الإقفال هو الفرصة الأخيرة أمام الناس كما الدولة في إحداث التغيير وأن نعود مثالاً للنهج الناجح والجيد في التعامل مع كورونا كما حصل في بداية انتشاره في لبنان. ولكن هواجس عدد من الأطباء والمعنيين وفئة كبيرة من الناس تختصر الأزمة التي ندور في فلكها بصورة مستمرة، عالقون في الاستثناءات والعصيان والوضع الاقتصادي الرديء. وعليه، جاء قرار الإقفال بعد فشل تطبيق توصيات لزيادة قدرة المستشفيات، كما كتب طبيب الطوارئ على "تويتر" الدكتور مازن السيد أن "التوصيات واضحة. المشكلة في لبنان مشكلة تنفيذ وتحمّل مسؤوليات، اقفال عام يليه احتفال بالأعياد وكأن شيئاً لم يكن".
يعرف الأطباء جيداً ما قد تؤول إليه الأمور... صرختهم منذ أسابيع فعلت فعلها في الضغط على المستشفيات الخاصة لتشغيل 10% من أسرتها لمرضى كورونا. لم تعدّ المستشفيات الحكومية قادرة على تحمل العبء وحدها.
برأي مدير مستشفى الحريري الجامعي الدكتور فراس الأبيض أنه "برغم الوضع الاقتصادي الصعب، الاقفال العام لمدة أسبوعين فقط هو أضعف الإيمان، وأقل المطلوب، إذا أخذنا الأرقام بالاعتبار. يجب خفض نسبة الانتشار، والحد من الضغوط على المستشفيات والأطقم الطبية المنهكة. علينا جميعاً أن نتساعد لإنجاح هذه الخطوة، كي نكبح العدوى، إلى أن يصل اللقاح".
دق الأطباء في الآونة الأخيرة ناقوس الخطر، محذرين من كارثة صحية خطيرة، فماذا لو فشل الإقفال مرة جديدة؟ وما هو السيناريو الذي ينتظرنا خصوصاً أن الأعياد على الأبواب والشتاء سيكون قاسياً بين الإنفلونزا والكورونا؟
رأى المدير الطبي في مستشفى أُوتيل ديو دو فرانس" والإختصاصي في الأمراض الصدرية الدكتور جورج دبر أن "المستشفيات اليوم وصلت إلى قدرتها الاستيعابية القصوى في ظل ارتفاع الإصابات اليومية وعدم مشاركة بعض المستشفيات في زيادة عدد أسرة علاج حالات كورونا. وفي حال بقيت الإصابات في ازدياد، لن يتمكن المرضى من ايجاد سرير في المستشفى، ما سيؤدي حكماً إلى ارتفاع نسبة الوفيات. لذلك كان الهدف من الإقفال لإراحة القطاع الصحي المنهك ولملمة قواه، وخروج المرضى المتواجدين اليوم في المستشفيات للمعالجة بالفيروس." وأشار إلى أنه "حتى ينجح الإقفال يجب أن يكون شاملاً وعاماً وشبيهاً للتعبئة العامة في شهر نيسان الماضي، ويجب أن يكون مدروساً لمراعاة الوضع الاقتصادي، وأن يكون هناك مؤازرة للقوى الأمنية لتطبيق الإجراءات بشكل صارم. وبالتالي الإقفال والسماح لبعض القطاعات بالعمل وفق قوانين وشروط معينة، ومراقبة مدى تنفيذها وتطبيق الإجراءات سيعطي النتيجة المرجوة".
وأكد دبر أن "الطاقم الطبي منهك اليوم، وأمامنا 6 أشهر قاسية، لا يهم أن يكون هناك سرير بقدر ما يهم أيضاً أن يجد المريض من يهتم به، خصوصاً في ظل الإصابات التي طالت الطاقم الطبي والهجرة للطاقم الطبي والتمريضي الكبير".
وتساءلت رئيسة قسم الأمراض الجرثومية في مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت الدكتور سهى كنج "ما نفع الإقفال اليوم وبعدها تأتي الأعياد وتعود الناس إلى مخالطة بعضها من دون أدنى وقاية؟ يجب أن يترافق الإقفال مع التزام المواطنين بإرشادات لمنع انتشار الفيروس. وصلت المستشفيات اليوم إلى قدرتها الإستشفائية القصوى، ونعالج المرضى من المنزل ونطلب منهم شراء جهاز الأوكسيجين لمراقبة حالتهم، وفي حال انخفضت النسبة إلى 94 نطلب منه التوّجه إلى المستشفى لأنه لم يعد بوسع المستشفى استقبالهم". وقالت، "لستُ مع الإقفال، لأن هذا القرار في الظروف التي يمرّ بها البلد، حيث يرزخ مواطنوه تحت الفقر والعوز سيؤدي إلى تردي أكبر في المجتمع. لذلك كنت اتمنى عوضاً عن اتخاذ قرار الإقفال، اللجوء إلى المراقبة وتشديد المحاسبة ومعاقبة المخالفين".