السطوة المالية والاقتصادية والسياسية للولايات المتحدة في العالم تجعل من عملية تطبيق قوانينها أمراً الزامياً
سلوى بعلبكي -"النهار"
لم تكن العقوبات الاميركية على رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل مفاجئة في الاوساط اللبنانية، فهذا السيناريو كان منتظراً منذ أكثر من سنة بعدما وصلت تحذيرات إلى باسيل على خلفية تحالفه مع "حزب الله"، وتعزز أكثر بعد العقوبات التي استهدفت الوزيرين السابقين علي حسن خليل ويوسف فنيانوس للأسباب والمعطيات عينها.
هذه العقوبات وردت تحت قانون "ماغنيتسكي"، وهو قانون يُعنى بعمليات انتهاك حقوق الانسان وتلك المتصلة بالفساد. القانون صادقَ عليه الرئيس السابق باراك أوباما في 2012 وعُدّل في العام 2017 لتكون له أبعاد دولية. وبناء عليه اصبح باستطاعة الولايات المتحدة الاميركية فرض عقوبات على اي شخصية حول العالم بغضّ النظر عما اذا كانت لها اي علاقة بالولايات المتحدة أم لا، ووضعها على لائحة مكتب مراقبة الاصول الاجنبية OFAC.
بالمقارنة مع حالتَي الوزيرين خليل وفنيانوس، يبدو لافتاً أن وزارة الخزانة الاميركية لم تحدد القانون الذي وضعت بموجبه الوزيرين على لائحة العقوبات، ولكن تبين لاحقاً أنهما أُدرجا بناء على قانونين مختلفين هما قانون "ماغنيتسكي" وقانون منع التمويل الدولي لـ”حزب الله” المعدل لعام 2017. في حين كان واضحاً أن باسيل أُدرج تحت "ماغنيتسكي"، وتاليا فإن هذه القوانين تسري بناء على الحالة التي توضع فيها اي شخصية طبيعية او معنوية على لائحة العقوبات، وعند ورود هذا الاتهام تصبح هذه الشخصية حكماً على لائحة مكتب مراقبة الاصول الاجنبية “أوفاك”.
فما هي التداعيات على الشخصيات التي تُدرج على لائحة العقوبات إنْ كان حيال اموالها في المصارف، وأملاكها غير المنقولة وأملاك الزوجات والأولاد، أو في ما يخص السفر الى الولايات المتحدة وغيرها من الدول؟ يوضح الخبير القانوني في الشؤون الاقتصادية الدكتور علي زبيب ان “لائحة “أوفاك” تطاول فقط الاشخاص المدرجين عليها، ولا تشمل أصولهم وفروعهم. ولكن ثمة حساسية بالنسبة الى المؤسسات المالية والمصارف في لبنان حيث تقوم بتنفيذ اجراءات لتقليص المخاطر، وتاليا تفضل المبادرة الى تجميد حسابات الاصول والفروع خوفاً من أن تكون الشخصية المعنية قد قامت بعمليات مالية مشبوهة كتهريب الأموال والحسابات والاصول المنقولة وغير المنقولة للاصول والفروع. ولكن من حيث المبدأ ومن حيث النص القانوني الاميركي المطبَّق، فإن هذه الاجراءات لا تطاول الاولاد والزوجة. إلا أنه في الحالة اللبنانية يمكن المصرف ان يقوم بتجميد موقت لهذه الاصول ويبلغ هيئة التحقيق الخاصة، وبناء عليه تقوم الهيئة بإجراء التقصي والتحقيقات، وبعد 15 يوما او شهر تقوم إما بتجميد هذه الاصول، وإما بإفادة المصرف بأن ليس هناك اي شبهات على هذه الحسابات، وتاليا ليس ثمة حاجة لإقفال هذه الحسابات او تجميدها. أما بالنسبة للسفر الى الولايات المتحدة الاميركية، فمن الواضح ان الشخص الموضوع على لائحة “أوفاك” ممنوع من السفر كليا الى تلك البلاد وتُسحب منه تأشيرة السفر واي امتيازات أخرى، علماً أن هذا الإجراء لا يشمل اي دولة اخرى. ولكن نظراً الى السطوة السياسية والمالية للولايات المتحدة على المستوى الدولي، يسعى عدد كبير من الدول الى ارضائها ولا تحبذ الدخول في اي اجراءات قد تؤدي الى عقوبات بحقها، لذا تعوق عملية السفر اليها، مع الاخذ في الاعتبار أن بعض الدول تربطها معاهدات مع الولايات المتحدة للتنسيق بهذه الامور”.
من المعروف ان قوانين “ماغنيتسكي" أو “هيفبا” أو “قيصر” هي قوانين اميركية وليس لها اي طابع دولي وليست جزءا من المعاهدات الدولية القائمة بين الدول، ولم يتم تبنّيها من الامم المتحدة. ولكن من حيث الواقع الفعلي فإن السطوة المالية والاقتصادية والسياسية للولايات المتحدة في العالم تجعل من عملية تطبيق هذه القوانين أمراً الزامياً، وتالياً فإن المؤسسات المالية في جميع انحاء العالم، بما فيها المؤسسات المالية والمصرفية في لبنان، ملزمة بالامتثال، لا بل بالانصياع الى هذه القوانين ولوائح العقوبات نظراً الى عدم وجود اي خيار بديل، وفق ما يقول زبيب الذي يؤكد أن “الولايات المتحدة الاميركية تقوم عبر وزارة خزانتها بإبلاغ مؤسساتها المصرفية بعدم جواز قيامها بالتعامل مع اي مؤسسة مالية او مصرفية او اي شركة تجارية في العالم اذا لم تكن ممتثلة للقوانين الاميركية. وبما ان المؤسسات المالية اللبنانية لديها مصارف مراسلة في الولايات المتحدة، خصوصا انها لا تقوى على الاستمرار في عملها بشكل طبيعي من دونها لأسباب عدة، أولها كون الاقتصاد اللبناني اقتصاداً مدولراً، ولأن اي عمليات دولية تجري يجب أن تكون عبر هذه المصارف المراسلة، وتاليا فإن عدم تطبيق المصارف هذه القوانين سيعرّضها لقطع علاقاتها بالمصارف المراسلة، بما يعني اقفال هذه المصارف واقعياً. من هنا تسعى المصارف الى الامتثال، وكذلك يصدر مصرف لبنان التعاميم الواضحة بضرورة الامتثال لهذه القوانين الاميركية”.
وإذا كان الامر الواقع يفرض تنفيذ العقوبات، إلا أن ثمة محاذير دستورية في هذا الشأن، خصوصا اذا كان الشخص “المعاقب” نائباً. فإذا كانت الولايات المتحدة لا تخرق الدستور اللبناني كونها غير مؤتمنة عليه، إلا أن المصارف ترتكب مخالفة دستورية واضحة عند قيامها بعملية اقفال حسابات نائب في البرلمان اللبناني لأسباب عدة يوردها زبيب كالآتي:
"- تنص المادة 27 من الدستور بشكل واضح على ان عضو مجلس النواب يمثل الامة جمعاء ولا يجوز أن تُربط وكالته بأي قيد أو شرط من قِبل منتخبيه.
المادة 39 من الدستور تنص: لا تجوز اقامة دعوى جزائية على اي عضو من اعضاء المجلس بسبب الآراء والافكار التي يبديها طوال مدة نيابته.
المادة 40 تنص على انه لا يجوز أثناء دورة الانعقاد اتخاذ اي اجراءات جزائية في حق اي عضو من اعضاء المجلس أو القاء القبض عليه اذا اقترف جرما جزائيا إلا بإذن من المجلس، ما خلا التلبّس بالجريمة بالجرم المشهود. من هنا فإن قبول اي مصرف لبناني بإقفال حساب مصرفي لنائب لبناني هو قبول باتهام جزائي بالفساد أو بتمويل الارهاب بحسب القانون المطبق. وفي حال قبول الاتهام الجزائي للنائب من دون موافقة مجلس النواب، يقع المصرف بمخالفة دستورية واضحة جداً قد تفضي الى ملاحقته قضائياً في لبنان على خلفية مخالفته الدستور”.
هل من وسائل ممكنة حيال عملية الطعن؟ يقول زبيب إنه “يحق لأي شخص او شخصية ترِد على لائحة “أوفاك” بعدد من الاجراءات التي تبدأ مع المكتب نفسه، اي “أوفاك”، وتنتهي في القضاء الاميركي، إذ يمكن أي شخصية تقديم طلب الى “اوفاك” بناء على قانون حرية المعلومات لمعرفة جميع الوقائع والاتهامات والمعلومات. وفي حال رفض المكتب يمكن اللجوء لاحقاً الى القضاء. كما يمكن الشخص تقديم طلب اعادة النظر وشطبه من هذه اللائحة مع التأكيد على القيام بإجراءات اصلاحية”.
ولكن زبيب يشير الى أنه “ليس هناك من مهلة لمكتب مراقبة الأصول الاجنبية للرد، ويمكنه ان يطلب معلومات اضافية، وقد يأخذ الأمر سنوات عدة. وفي حال لم يثمر التواصل مع “أوفاك” عن أي نتيجة، فإن من حق الشخص المُدرَج على اللائحة اقامة دعوى قضائية وفقاً لقانون الاجراءات الادارية APA أمام محكمة مقاطعة كولومبيا بحجة خرق الحريات الشخصية”.
وبما ان من الصعوبة جبه القوانين الأميركية التي لها سطوة بحكم الواقع، لذا ينصح زبيب باللجوء الى”الحل الوسط، أولاً عبر فتح قنوات من خلال الحكومة اللبنانية والسلطات الرقابية المصرفية اللبنانية للتواصل مع الادارة الاميركية، وقيام الشخصيات المدرجة على لوائح العقوبات باستنفاد جميع الوسائل القانونية المتاحة، إنْ على المستوى القضائي أو على المستوى الاداري للحؤول دون تطور الامر ودون وقوع عقوبات اضافية، أو للحؤول دون وقوع هذا الشخص تحت وطاة عقوبات اقتصادية قد تكون هدامة لمستقبله السياسي او التجاري او استمرارية عمله في بلاده”.