اصرار اميركي على مواصلة تنفيذ سياستها الرادعة والمعاقبة
روزانا بومنصف -"النهار"
ترافقت الاسبوع المنصرم مع اللقاءات التي عقدها موفد الرئيس الفرنسي باتريك دوريل مع المسؤولين ورؤساء الكتل النيابية مواقف اميركية حملت دلالة كبيرة ورسائل تحذيرية واضحة عبرت عنها السفيرة الاميركية في بيروت دوروثي شيا تزامنا مع اختتام دوريل لقاءاته. حمل دوريل معه اصرارا من الرئيس الفرنسي امانويل ماكرون على متابعة التزامه تجاه لبنان ولكن تجاه اللبنانيين اكثر على نحو ليس واضحا اذا كان اهل السلطة في لبنان باتوا ينامون على حرير استمرار فرنسا كبلد اساسي لا يزال يقف الى جانب لبنان وتاليا لا يزالون لا يستجيبون للجزرة التي لا يزال تقدمها لهم باريس. وفي المقابل رفعت السفيرة شيا العصا بحيث يفترض باهل السلطة التنبه لها على خلفية لهجة ديبلوماسية انما تحذيرية من فقدان لبنان الدعم الاميركي كما فقد الدعم الخليجي واستنفاذ صبر واشنطن مؤكدة سقف الشروط لمساعدة لبنان لان لا شيء مجانيا بعد اليوم. وحتى الان لم تنفع لا الجزرة الفرنسية ولا العصا الاميركية ولا حتى الانهيار المالي والاقتصادي وخسارة اللبنانيين ودائهم ولا حتى الانفجار في المرفأ الذي دمر نصف بيروت في ظل اولويات تتصل بطموحات البعض منهم ومصالحه المباشرة.
وبمقدار ما يفاجىء الموقف الفرنسي في استمرار تساهله ولو علنا مع اهل السلطة في لبنان يفاجىء اصرار الادارة الاميركية على مواصلة تنفيذ سياستها الرادعة والمعاقبة في ظل توقعات او رهانات على انها ستكون معطلة في الفترة الانتقالية الفاصلة عن تسلم الرئيس المنتخب جو بايدن الرئاسة الاميركية. ويخشى البعض ان تكون رهانات داخلية على تمايز في الموقفين الاميركي والفرنسي ازاء الوضع الداخلي يحاول البعض النفاذ منه في الاصرار على شروطه من اجل السماح بتأليف الحكومة تحت طائل البقاء على الوضع الحالي بحكومة تصريف الاعمال حتى تليين الموقف الفرنسي شروطه السابقة والقبول بما حدده دوريل خلال زيارته بحكومة" تتمتع بكفاءات وذات صدقية تنفذ خارطة الطريق الاصلاحية والتي تتيح التعاون مع صندوق النقد الدولي". المقاربة المعتمدة من فرنسا والولايات المتحدة المستمرة في التركيز على الموضوع الحكومي والعقوبات على "حزب الله" وحلفائه هي ما ينشغل بها بعض الاوساط السياسية على خلفية اذا كانت متمايزة فعلا بينهما او متكاملة او تصحيحية من واشنطن لتساهل باريس التي ترفض فرض عقوبات كما تفعل واشنطن معتبرة ان ماكرون لم يقصد ذلك في كلامه عن العقوبات التي فهمها اللبنانيون على غرار العقوبات الاميركية وانه يكفي ان انحدار لبنان نحو المزيد من الانهيار هو العقاب الذي يتلقاه المسؤولون ( وهنا يبرز تساؤل لماذا قد يعتبر المسؤولون الانهيار عقابا لهم في الوقت الذين تسببوا به وهم يدفعون البلد اليه عمدا). فمواصفات الحكومة العتيدة نأى دوريل بنفسه قبل مغادرته لبنان عن وصفها بحكومة خبراء او مستقلين للاصرار على الكفاءة والصدقية ما يترك الباب واسعا امام اهل السلطة للاجتهاد في فرض شروطهم على رغم قوله ايضا ان فرنسا لن تقبل باي حكومة لمجرد ان تتألف حكومة بعد ياس الخارج من لبنان بل بحكومة تتمتع بهذه المواصفات لان فرنسا ستراقب ذلك. وهو امر بدا بالنسبة الى البعض تساهلا او امساكا للعصا من منتصفها في ظل تباينات مواقف المسؤولين ومحاولة لتضييق او رأب الصدع بينهم على خلفية استياء فرنسا من عجز للسياسيين عن ان يكونوا معا في غرفة واحدة في اشارة الى ان عدم التواصل بينهم يجعل من المتعذر تأليف الحكومة العتيدة. وامساك العصا او التوسط الفرنسي لتأليف الحكومة بدا من التناقض الذي اظهره دوريل امام المسؤولين من تأكيده عدم وجوب الربط بين العقوبات الاميركية والحكومة في رفض واضح لما ذهب اليه رئيس الجمهورية على هذا الصعيد ومسايرته في ضرورة التواصل وموافقة الكتل النيابية كما موافقته وموافقة رئيس مجلس النواب على خلفية ان الحكومة تحتاج الى نيل ثقة المجلس (وهو امر بديهي ولكن مقاربة عون ظاهريا صحيحة ولكن يقصد بها امر اخر اي اعادة تعويم رئيس تياره ردا على العقوبات الاميركية) ولكنه في الوقت نفسه لم يظهر الدعم الكامل للرئيس سعد الحريري في سعيه لتنفيذ "المبادرة" الفرنسية على خلفية ان تكون حكومة مستقلين وخبراء.
وفي الواقع تواجه فرنسا تحديا كبيرا في حشد اي دعم للبنان اذا لم تتألف حكومة تلقى صدى ايجابيا داخليا وخارجيا. فسيطرة رئيس الجمهورية وتياره على الحكومة مع حلفائه كما في الحكومات السابقة سيحكم على الحكومة بالموت مسبقا لانها لن تحظى باي صدقية لا سيما وان ما قبل العقوبات على باسيل غيره ما بعدها. فاي وزارة سيكون مسؤولا عنها ستوسم بما وسم به. ففرنسا يمكن ان تؤمن الدعم الانساني للشعب اللبناني ولكن لا الولايات المتحدة ولا الدول الخليجية او العربية عموما ستولي لبنان اي اهمية في ظل الشروط التي تفرض على الحكومة وحتى بعض الدول الاوروبية ايضا. ولذلك اذا تجاوب الحريري مع شروط عون فقد يفقد اي ثقة داخلية، وهي ثقة صعبة جدا وغير متوافرة راهنا، والثقة الخارجية كذلك. والكرة تاليا في ملعب رئيس الجمهورية الذي تقع كرة التعطيل في ملعبه راهنا حتى لو كان هناك افرقاء اخرين يناسبهم التعطيل راهنا. لكن البيان الذي اصدره قصر بعبدا بعد زيارة دوريل لرئيس الجمهورية عن ربط عون تأليف الحكومة بتشاور واسع مع القوى السياسية وربط الحكومة بالعقوبات على باسيل اثار استغرابا حول تخلي رئيس الجمهورية عن صلاحيته ورئيس الحكومة لتأليف الحكومة علما ان الحريري اجرى مشاورات مع الكتل النيابية قبل الانطلاق في تأليف الحكومة فيما ان الرد على موقفه من الامر الاخر اي ربط الحكومة بالعقوبات على باسيل اتى من السفيرة الاميركية التي حددت المسار الانحداري للعلاقات الاميركية مع لبنان اذا انتهت الحكومة الى الشروط التي تأتي بحكومة تناسب اهل السلطة.
تجدر الاشارة الى ان دوريل خصص لقاء مسائيا مع المجتمع المدني ولا تزال فرنسا كما الولايات المتحدة تولي شأنا للشعب اللبناني على عكس اتجاهات السلطة.