العزلة تكتمل فصولاً ولا مفر من صندوق النقد​

بعد سقوط المبادرة الفرنسية بدأت فصول الضغط الخارجي تكتمل

سابين عويس -"النهار"

ثلاثة اشهر والبلاد تحت سلطة حكومة مستقيلة تصرف اعمال ورئيس مكلف عاجز عن تشكيل حكومته تحت وطأة شروط يفرضها معسكران خارجيان يتحكمان بالداخل اللبناني ورجالاته من دون أي اعتبار لما بلغته حال اللبنانيين من فقر وبؤس ويأس.

فتحت معادلة الراعيين الخارجيين، لا حكومة بحزب الله كما تشترط واشنطن، ولا حكومة من دونه كما يؤكد الحزب نفسه متكئاً على طهران، يشتد الخناق على الساحة الداخلية سياسياً واقتصادياً ومالياً في ظل كارثة صحية فرضتها جائحة كورونا، وتخبط سلطة عاجزة عن احتوائها أو ادارة تداعياتها.
لا حاجة الى كثير من التحليل او المعطيات لتبيان وتيرة الانهيار المتسارعة نحو عزل البلاد عن محيطه والعالم.

فبعد سقوط المبادرة الفرنسية التي كانت لتشكل فرصة إنقاذية اخيرة، بدأت فصول الضغط الخارجي تكتمل، مع الارتفاع التدريجي لوتيرته، بحيث لا يمكن عزل معطى أو عامل عن آخر مما أمكن تسجيله اخيراً.

ولعل الايام الأقسى آتية في الفترة الفاصلة عن انتقال السلطة الى الادارة الاميركية الحديدة، بحيث يشكل الشهران المقبلان مرحلة مفصلية وعصيبة للبنان، الذي اقحمته زعاماته السياسية في رهانات خاطئة في غالبيتها، ربطت الملف الحكومي بالانتخابات الرئاسية الاميركية، ورفع بعضها سقف التحدي والمواجهة مع الادارة الحالية على خلفية ان هذه الادارة أصبحت من الماضي، في اغفال تام لما يمكن ان تقوم به هذه الادارة قبل رحيلها.

هي عينها ادارة الرئيس الخارج دونالد ترامب التي رفعت سقف العقوبات الى الصف الثاني في القيادات السياسية، فطالت معاونين لثلاثة زعماء هم رئيس الجمهورية عبر استهداف صهره ورئيس تياره السياسي، ورئيس المجلس النيابي عبر استهداف معاونه السياسي النائب علي حسن خليل، ورئيس تيار "المردة" سليمان فرنجيه عبر تسمية احد صقوره الوزير السابق يوسف فنيانوس، وان كان للأخير امتدادات ابعد نحو "حزب الله"، لا تختلف في الواقع عن امتداد باسيل وخليل في هذا الإطار.

قبل رحيل الادارة الاميركية، استعداد لرزمة جديدة من الاسماء ستطال شخصيات اخرى من الصف الثاني، من دون استبعاد ان ترتقي الى شخصيات من الصف الاول، قد تشكل أسماؤها وقعاً قوياً على الساحة الداخلية وتقلب بعض الأوراق التي يتسلح بها اصحاب هذه الاسماء في ممارساتهم وأدائهم السياسي، ومواقفهم.

لا مفر من الصندوق
بموازاة اشتداد الضغط العربي والدولي على لبنان، لا أفق لأي معالجات حقيقية تجري على المستوى الداخلي. فسلطة تصريف الاعمال بالكاد تتمكن من ادارة الازمة الصحية الناجمة عن التفشي الواسع لجائحة كورونا، فيما تغيب اي نقاشات جدية على مستوى السلطات المالية والنقدية حول الوصفات الممكن اتباعها لمنع استمرار الانزلاق نحو الهوة، في انتظار تأليف حكومة جديدة تأخذ على عاتقها هذه المسؤولية، وفي انتظار دخول لبنان في برنامج مع صندوق النقد الدولي، اذا التزمت الحكومة العتيدة هذا الخيار. علماً انه لدى سؤال احد المسؤؤلين السابقين في الصندوق على هامش ورشة عمل للصحافة الاقتصادية في دول المنطقة، كان الجواب ان لا حل ولا مفر للبنان للخروج من أزمته الا البرنامج. ذلك ان بلداً يعاني هذا الحجم من المشاكل، لن يكون قادراً وحيداً على مواجهتها، فضلاً عن ان لا سياسة واحدة كافية، بل ثمة حاجة ملحة الى رزمة متكاملة من السياسات والاجراءات لا يمكن فصلها عن بعضها.

من جهته، ولدى سؤاله عن الإصلاح الاول الواجب السير فيه كأولوية، قال مدير دائرة الشرق الاوسط وشمال افريقيا في الصندوق جهاد ازعور ان طول عمر الازمة اللبنانية أدى الى تحولها الى ازمة اجتماعية يمكن تبين نتائجها من خلال مستويات التضخم والبطالة ومنسوب الهجرة، فضلا عن النمو السلبي المحقق على مدى عامين متتاليين. لذلك، لا يرى ازعور ان ثمة اجراء واحد يجيب على الازمة، بل هناك حاجة ملحة الى خطة متكاملة اصلاحية مدعومة من كل القوى السياسية ولا سيما من البرلمان حيث الحاجة الى ورشة تشريعية لاقرار القوانين الإصلاحية. وايضاً مطلوب دعم القوى الاقتصادية والقوى العاملة من اجل تحقيق الأهداف المرجوة واهمها استعادة ثقة المواطنين والمستثمرين. ويرى ضرورة المعالجة الجذرية للوضع المالي في ظل ما يشهده القطاع المالي اخيراً، وهي ضرورة ليتمكن تدريجياً من الوصول الى التوازن المالي وإعادة انطلاق الاقتصاد وتمكين المواطنين من ذوي الدخل المحدود إقتصادياً.

عن رأي الصندوق وتقييمه للخسائر المالية يدعو ازعور الى ضرورة الإصلاح المؤسساتي في مختلف القطاعات وليس فقط الكهرباء مثلاً وذلك من اجل خفض عجزها وتعزيز مستوى الشفافية فيها. ويرى ان تقييم الخسائر من مهمة الدولة وفريق الصندوق على تواصل وتفاعل مع السلطات اللبنانية لتقديم المساعدة التقنية الى حين تأليف حكومة جديدة وتبين ما اذا كان لديها النية في الدخول في برنامج مع الصندوق.