"عذر أقبح من ذنب"... لبنان يرفض بيان حرية الإعلام بـ"ذريعة المثلية" | أخبار اليوم

"عذر أقبح من ذنب"... لبنان يرفض بيان حرية الإعلام بـ"ذريعة المثلية"

| الجمعة 20 نوفمبر 2020

شربل بكاسيني - "النهار"

امتنع لبنان، ممثلاً بوزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال #شربل وهبة، عن توقيع البيان الختامي للاجتماع الوزاري الصادر عن المؤتمر العالمي الثاني لحرية الإعلام، والذي استضافته كندا وبوتسوانا، افتراضياً. فجاء البيان حاملاً توقيع 36 دولة عضوة في "تحالف من أجل حرية الإعلام"، من أصل 37 عضواً، وكان لبنان العضو الوحيد في التحالف الذي لم يرق له التوقيع.

لم يعلّق وزير الخارجية اللبناني على الموضوع بوضوح، ولم يتطرّق إلى تفنيد القرار اللبناني، بل اكتفى بتغريدة نشرها الأربعاء، قال فيها: "لكل من يسأل لماذا لم نوافق على البيان الصادر عن الاجتماع الوزاري الأول لحرية الإعلام، أود أن أوضح أننا أبلغنا منظمي المؤتمر أننا نوافق على البيان وعلى مضمونه لكننا تحفظنا على بعض العبارات التي تتعارض مع القوانين اللبنانية". وأضاف: "ليت قوانيننا يتم تحديثها".

من جهتها، استنكرت مؤسسة "مهارات" غير الحكومية، امتناع لبنان عن التوقيع على البيان، "الذي دعا إلى مزيدٍ من الضمانات لحماية حرية الإعلام وسلامة الصحافيين وحرية التعبير وتعزيز التنوع".

ورأت المؤسسة، أنّ القرار اللبناني يأتي "في ظلّ تراجع مستوى الحريات في لبنان وتزايد الاعتداءات والتوقيفات والتضييق على الصحافيين والناشطين ولا سيما الذين لديهم آراء نقدية حول الأوضاع في البلاد، وفي ظلّ الممارسات التي تعيق الوصول إلى المعلومات، وتمنع الصحافيين من القيام بدورهم الرقابي على السلطات السياسية".

في تغريدة ثالثة سبقت اختفاء حسابه على منصة "تويتر"، بطريقة غامضة ومفاجئة وردّاً على سؤال طرحه الصحافي والمراسل في شبكة "سكاي نيوز العربية"، سلمان العنداري، قال وهبة: "لا أستغل منصبي لتمرير التخلف إطلاقاً، لكنني ملزم بالتقيّد بالقوانين اللبنانية، والتي يبقى على المجلس النيابي وعلى السادة النواب أن يطوّروها باستمرار".

وحاولت "النهار" مراراً التواصل مع الوزير وهبة، اليوم، للاستيضاح حول حيثيات القرار، إلّا أنها لم تلقَ جواباً.

من جهتها، طالبت "مهارات"، الخارجية اللبنانية، "بتوضيح سبب عدم توقيع لبنان على البيان الختامي وما إذا كان يحمل بخلفياته قراراً سياسياً واضحاً بعدم دعم وتعزيز حرية الإعلام والصحافة". واعتبرت أنّ "المرحلة دقيقة من الانتقال الديموقراطي الذي يستوجب مزيداً من تعزيز دور الصحافة الحرة في المساءلة".

حلّ لبنان في المرتبة 102، من أصل بين 180 دولة حول العالم، في العام 2020، بحسب تصنيف منظمة "مراسلون بلا حدود" المستقلّة، التي تحظى بصفة استشارية لدى الأمم المتحدة و"اليونيسكو" ومجلس أوروبا، بالإضافة إلى المنظمة الدولية للفرانكوفونية. ومردّ ذلك، بالدرجة الأولى، إلى "ملاحقة المحاكم بعض المذيعين لمجرد إتاحة الفرصة لضيوفهم لانتقاد السلطات اللبنانية".

تشرح المنظمة أنّ "المصير ذاته طال بعض الصحف لقيامها بالتحقيق في الفساد". وتقول: "عادة ما يمثل الصحافيون أمام المحاكم -المدنية أو حتى العسكرية- إذ غالباً ما تُفرض عليهم غرامات مالية، علماً أنهم مهددون بالسجن دائماً".

بدوره، ذكر بيان المؤتمر أنّ الدول الأعضاء في "تحالف من أجل حرية الإعلام" حضّت الحكومات على "تعزيز بيئة آمنة ومواتية للصحافيين لأداء عملهم، من دون تدخل لا داعي له عن طريق التدابير التشريعية والمراقبة غير القانونية أو التعسفية، وعبر اعتماد قوانين تثير التشهير المفرط".

توصيات وإجراءات
أشارت الدول الموقّعة على البيان، إلى أنها "أقرّت بأنّ الإفلات من العقاب على الاعتداءات على الصحافيين هو واحد من التحديات الرئيسية لتعزيز حمايتهم". وأضافت: "طالبنا الحكومات ببذل قصارى جهدها لمنع العنف ضد الصحافيين والعاملين في مجال الإعلام، ولضمان المساءلة من خلال إجراء تحقيقات في العنف ضدهم، وتسليم مرتكبي الجرائم إلى العدالة، وضمان حصول الضحايا على العلاجات المناسبة".

وتابع البيان: "أكّدنا على وجوب حماية حقوق الإنسان، من ضمنها تلك التي تنطوي على حرية وسائل الإعلام، تمامًا كما هي محمية خارجها، وأقرّينا بالدور التحويلي للتقنيات الرقمية في دعم الوصول إلى المعلومات والأفكار ونشرها".

ودعت الدول الأعضاء، الحكومات إلى "توفير ملاذ آمن للصحافيين المعرضين للخطر، وزيادة التنسيق والاستثمار في الإنفاق على تطوير وسائل الإعلام لدعم استقلاليتها"، بالإضافة إلى الآتي:

- "تقديم دعم ثابت وطويل الأجل لبناء جهود وطنية تعاونية قوية تتناول سلامة الصحافيين ومسألة الإفلات من العقاب.
- الانخراط في الدعوة المنسقة كمجموعة صوتية ملتزمة بالدفاع عن حرية وسائل الإعلام
- تعزيز التدابير لتعزيز بيئة قانونية مواتية لحرية التعبير، بما في ذلك لأعضاء وسائل الإعلام
- السعي إلى إدراج قضية سلامة الصحافيين في عمليات هيئات الأمم المتحدة وهيئات حقوق الإنسان الإقليمية ذات الصلة.
- تنفيذ تدابير مستجيبة للنوع الاجتماعي لحماية سلامة الصحافيين التي تعترف بالمخاطر الجنسية التي تواجهها النساء والفئات المهمشة المتداخلة، بما في ذلك الأقليات العرقية والإثنية والدينية، والأشخاص ذوي الحاجات الخاصة، والأشخاص المستضعفين، بما في ذلك المثليين والمثليات ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسية.
- اعتماد وتطبيق عقوبات هادفة ضد الجناة المعروفين بانتهاكات وتجاوزات حقوق الإنسان رداً على قمع الصحافيين والقيود المفروضة على حرية الإعلام.
- إدانة جميع الاعتداءات على الصحافيين والتصدي للوصم والتشهير المتزايد للصحافيين من قبل المسؤولين الحكوميين.
- العمل مع الوسطاء الرقميين، مثل منصات وسائل التواصل الاجتماعي، لتعزيز التدابير الوقائية ضد إساءة استخدام موادهم بطرق تقيّد بشكل غير ملائم حرية وسائل الإعلام
استكشاف أفضل الممارسات لمعالجة صعود نظم المعلومات والتأمل في المقترحات التي قدمها فريق الخبراء من منتدى المعلومات والديموقراطية".

"تحوير وتمييع للموضوع"
وجرى التداول بمعلومات أن سبب امتناع وهبة عن التوقيع على البيان يعود "لورود فقرة تتحدث عن حماية حرية التعبير لمجتمع الميم (المثليين والمتحولين جنسياً) ولتعارضها مع القوانين اللبنانية".

فقد أورد البيان الختامي فقرة أثارت تحفّظ لبنان غير المبرّر، جاء فيها: "أقرّينا بأهمية التمثيل في وسائل الإعلام للمجموعات التي غالباً ما تعرّضت لأشكال متعددة ومتقاطعة من التمييز وانتهاكات وتجاوزات أخرى لحقوق الإنسان، بما في ذلك أفراد الأقليات العرقية والإثنية والدينية، والأشخاص ذوى الحاجات الخاصة والمثليات والمثليين ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسانية وثنائيي الجنس (LGBTQ)."

بيد أنّ القانون اللبناني لا يجرّم المثلية الجنسية بشكل مباشر، وبين أنّ الدستور يحمي كافة اللبنانيين، لجأ لبنان على ما يبدو إلى حجّة "هوموفوبيّة" لتبرير موقفه. ويشير القانون اللبناني، وتحديداً قانون العقوبات، بصيغة مبهمة، إلى المثلية، في المادة 534 التي تنصّ على أنّ "كل مجامعة على خلاف الطبيعة يُعاقب عليها بالحبس حتى سنة واحدة".

في هذا الإطار، يعتبر المستشار القانوني لمؤسسة "مهارات"، المحامي طوني مخايل، في حديث لـ"النهار"، أنّ "هناك تعمية وتمييعاً وتحويراً للموضوع الأساسي للمؤتمر الذي يقوم على حماية الصحافيين وعلى ضمان حرية الإعلام".

بيان المؤتمر العالمي لحرية الإعلام لا يتعلّق بحقوق مجتمع الميم، "البعبع" الذي يُرهب السلطة اللبنانية، ولا يُلزم السلطة التشريعية اللبنانية، على أي حال، على صياغة قوانين أحوال شخصية تشرّع زواج المثليين.

يرى مخايل أنّ "الفرصة أتيحت للبنان ليبرز على الساحة العالمية كدولة مدافعة عن حرية الإعلام، ومع ذلك امتنع عن التوقيع على بيان يحضّ لبنان على حمايتها، في خطوة غير مبرّرة"، مؤكداً أنها "ذريعة واهية لئلا يتبنّى لبنان القرارات التي تحتوي على توصيات تحضّ الدولة على حماية الصحافيين وعلى التحقيق في الجرائم التي ترتكب في حقّهم".

يذكر أنّ مقدّمة الدستور اللبناني تنصّ على أنّ "لبنان عضو عامل في منظمة الأمم المتحدة وملتزم مواثيقها والإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وتجسد الدولة هذه المبادئ في جميع الحقول والمجالات دون استثناء".

في السياق، ذكر بيان المؤتمر أنّ الدول المشاركة دعت الحكومات إلى الاستمرار في ضمان حرية واستقلالية وسائل الإعلام وسلامة الصحافيين وغيرهم من العاملين في مجال الإعلام. ويستخلص مخايل، في إشارة إلى محاولة تملّص من المسؤوليات تجاه الإعلام، أنّه، "لو كان لدى لبنان النية في التوقيع، لما تذرّع بحقوق المثليين التي تكفلها المواثيق العالمية، والتي لا تتعارض مع القانون ولا تمسّ بهيبة الدولة وبالأمن القومي"، مشدّداً على أنّ "إقحام الدين في المسألة لا ينفع".

القرار اللبناني لم يمرّ مرور الكرام، إذ أثار جدلاً على مواقع التواصل الاجتماعي، وأعاد إلى الواجهة الحديث عن حقوق المثليين في لبنان. إذ اعتبرت الإعلامية والنائبة المستقيلة بولا يعقوبيان أنّ الدافع وراء عدم التوقيع "عذر أقبح من ذنب"، مشيرةً إلى أنّ لبنان تحوّل إلى مسخرة بين الأمم، بعدما كان رائد الحق والحرية وحقوق الانسان". وأضافت: "إنه الانحطاط العام تحت إدارة المافيا".

ودعا الناشط كارلوس مسعد على "تويتر" إلى "إلغاء المادّة 534 التي تتعارض مع أبسط حقوق الإنسان".

انضم الى قناة " AkhbarAlYawm " على يوتيوب الان، اضغط هنا


المزيد من الأخبار

الأكثر قراءة