حكم للقاضية جدايل بكفّ التعقبات عن متظاهرين | أخبار اليوم

حكم للقاضية جدايل بكفّ التعقبات عن متظاهرين

| الأربعاء 02 ديسمبر 2020

على السلطات التعامل الحضاري وليس كدولة بوليسية


كلوديت سركيس -"النهار"
في حكم لافت ومهم على صعيد استعراض حق التظاهر السلمي من الوجهة القانونية أصدرته القاضية المنفردة الجزائية في بيروت ناديا جدايل انتهت فيه إلى كف التعقبات عن متظاهرين "نزلوا بصورة عفوية عام 2015، من كل الطوائف ومختلف المناطق إلى قرب ساحة النجمة للمطالبة بحقوق أساسية بسيطة وهي الحق في الصحة وكرامة العيش، في ظل أزمة تراكم النفايات المستشرية في حينه". وأكدت في الحكم على "دور القضاء العدلي وخصوصاً القضاء الجزائي في مجال الحريات العامة وممارسة الأفراد لها في المجتمع اللبناني". ولفتت إلى مسألة مبدئية هامة وهي أن القاضي يصدر أحكامه "بإسم الشعب اللبناني".

وقالت في الحكم، إن القاضي ليس ملكاً متربعاً على عرشها، بعيداً من رغبته، يقطن برجاً مشيداً إنما هو الناطق بلسان كل فرد من المجتمع. يعيش الألم نفسه، يتنشق رائحة النفايات نفسها، يتحمل الأعباء والأزمات الاقتصادية نفسها، ليصدر قرارات مستمدة من سيادة الشعب ليكون الشعب حكماً. هذا الشعب الذي ضاق ضرعاً من تسلسل الأزمات التي عصفت بلبنان ولا تزال، والتي، وبمعزل عن الكلام عن مسببها، حرمت المواطن اللبناني من أدنى مقومات الحياة الكريمة خصوصاً على الصعيدين الصحي والبيئي، كما هي الحال في ملف هذه الدعوى، حيث كان الدافع الرئيسي للتظاهر المشكو منه أزمة النفايات الحاصلة حينها في ساحة رياض الصلح.

واعتبرت القاضية جدايل، وبالاستناد إلى المادة 183 في قانون العقوبات، أنّه "لا يعد جريمة الفعل المرتكب في ممارسة حق بغير تجاوز"، مؤكدة أن "التظاهر يعد وجهاً من وجوه ممارسة حرية التعبير التي تحتل مكانة بارزة في المجتمعات الديموقراطية، إذ تعتبر إحدى الركائز الأساسية لتقدم النظام الديموقراطي وتطوره، ويقتضي ضمان تمتع الأفراد بها لتشجيعهم على المشاركة في الأمور المتعلقة بمصالح المجتمع"، مبينة أن "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان كرس مفهوم حرية الرأي والتعبير بأنها تشمل الحرية في اعتناق الآراء بدون مضايقة وتعتبر حقاً لصيقاً بالإنسان"، وأضاف في المادة 20 منه "لكل شخص الحق في حرية التجمع السلمي والاجتماع". وزادت المادة 21 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي انضم إليها لبنان أنه "يجب الاعتراف بالحق في التجمع السلمي، ولا يجوز أن توضع قيود على ممارسة هذا الحق إلا تلك التي تفرض طبقاً للقانون والتي تكون ضرورية في مجتمع ديموقراطي لصالح الأمن القومي أو السلامة العامة أو النظام العام أو حماية الصحة العامة أو الآداب العامة أو حماية حقوق الآخرين وحرياتهم". كما أن الميثاق العربي لحقوق الإنسان، الذي وقعه لبنان عام 2006، كرس أيضاً في البند 6 في المادة 24 منه حرية الاجتماع وحرية التجمع بصورة سلمية"، مذكرة أن "البند (ب) في مقدمة الدستور اللبناني نص على أن لبنان هو عضو مؤسس وعامل في منظمة الأمم المتحدة وملتزم مواثيقها والإعلان العالمي لحقوق الإنسان وتجسد الدولة هذه المبادئ في جميع الحقوق والمجالات من دون استثناء، كما كرست المادة 13 في الدستور حرية إبداء الرأي وحرية الاجتماع".

وعرجت القاضية جدايل في سياق التعليل أيضاً على دأب "اجتهاد المجلس الدستوري على اعتبار أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والاتفاقات الدولية المتممة له هي جزء لا يتجزأ من الدستور، ما يعني أنها أصبحت ضمن الكتلة الدستورية "، مستنتجة من كل ما أوردته أن "حرية التعبير وحرية التجمع أصبحا بذلك من الحقوق والحريات الأساسية المحمية بقاعدة قانونية عليا ويقتضي تكريسها بوسائل قضائية ناجعة، علماً أن ضمان الحريات الأساسية يتناسب مع دولة الحق Etat de droit التي يتحتم على القضاء وجميع الأجهزة إرساؤها". وعليه يكون لبنان ملزماً دولياً وعربياً وداخلياً تكريس وحماية حرية التعبير عموماً والحق في التجمع السلمي خاصة، ويتوجب على القضاء العدلي لا سيما القضاء الجزائي حماية هذا الحق لجعله قابلاً للممارسة فعلياً لكي لا يبقى حقاً نظرياً قاصراً عن تحقيق الغاية التي تم تكريسه من أجلها، علماً أنه يتحتم عليه سنداً إلى المادة 2 من قانون أصول المحاكمات المدنية تكريس مبدأ سمو الاتفاقية الدولية على القانون العادي استناداً إلى مبدأ تسلسل القواعد". واستناداً إلى كل ما أدرجته قالت في الحكم "إن الحق في المشاركة ضمن تجمعات شعبية في سبيل إبداء الرأي بصورة جماعية من أداء السلطة الأساسية، هو وجه من وجوه حرية التعبير والحرية بالتجمعات، بل هو واجب كل مواطن صالح يسعى إلى وجوب تكريس مبدأ محاسبة المسؤولين عن أعمالهم في الدول الديموقراطية، وهو حق معترف به في القانون الوضعي اللبناني، ويستوجب بالتالي ضمانته وحمايته سواء من #القضاء اللبناني أو من كل الأجهزة المكلفة حفظ الأمن والنظام"، شارحة أن "الاجتهاد الفرنسي كرس مبدأ حرية التظاهر، وذهب أبعد من ذلك إلى حد اعتبار التوقيفات من رجال الشرطة مخالفة للقانون إذا كان في الاستطاع سلوك وسائل أخرى أقل تعدياً على حرية التظاهر". وأكدت القاضية أن "تكريس مبدأ الحق بالتظاهر، يفرض على السلطات جميعها ضمان حسن ممارسته والتعاطي مع ممارسي هذا الحق، لا كدولة بوليسية بل بصورة حضارية كدولة قانون، طالما أن المتظاهرين ملتزمون سلمية التجمع من دون تجاوز، ضماناً لأمنهم الشخصي، وأمن الأشخاص المولجين بضبط التحرك على الأرض".

انضم الى قناة " AkhbarAlYawm " على يوتيوب الان، اضغط هنا


المزيد من الأخبار