تسديد قروض الدولار بالليرة وفق سعر الصرف الرسمي | أخبار اليوم

تسديد قروض الدولار بالليرة وفق سعر الصرف الرسمي

| الإثنين 21 ديسمبر 2020

 تسديد قروض الدولار بالليرة وفق سعر الصرف الرسمي

إقتراح نيابي جديد يضع المسمار الأخير في نعش المصارف


" النهار"-  سلوى بعلبكي
تستمر الدولة في سياسة "الخبط عشواء" بمواجهة الأزمة الإقتصادية الخانقة التي تُحاصر المواطنين والشركات والمصارف على السواء. ففي حين أن المطلوب هو بُعد النظر وعين الحكمة في معالجة الإنهيار ووقفه، يميل المجلس النيابي للرضوخ الى شعبوية سياسية تبتغي اكتساب رضىً شعبي وشبابي، خصوصا في أوساط "الثوار" على حساب قطاع عريق واساسي في البناء الإقتصادي التاريخي للبنان، هو القطاع المصرفي.

إذ فيما عالجت المصارف "ولو على مضض" أزمة القروض الصغيرة بالدولار الأميركي وقبلت استيفاءها بالليرة اللبنانية، على السعر الرسمي، أي 1515 بناء على تعاميم مصرف لبنان، وتحملت خسائر الفرق ما بين السعر الرسمي والسعر الحقيقي للسوق، يأتي اقتراح نيابي في السياق نفسه لكنه يشمل كل القروض، الكبيرة والصغيرة، وبينهما قروض الشركات والمؤسسات الكبرى، مع عدم الوضوح في حال إقرار القانون، ما إذا كان سيشمل سندات دَين الدولة اللبنانية للمصارف بالدولار الأميركي أيضا.

مثل هذه الخطوة العشوائية تذكّر بخطة الحكومة الإقتصادية التي تضمنت إنشاء 5 مصارف جديدة، بأن الدولة تسعى الى إلغاء القطاع المصرفي واستبداله ببضعة مصارف موزعة وفقاً لـ"الأعراف اللبنانية"، والإستغناء عن مؤسسات مالية ومصرفية لها من الخبرة والعراقة ما يجعل الأمل في إعادة نهوضها كبيراً وضرورياً.
واستناداً الى أكثر من مطّلع، أنه لو تم تمرير القانون المطروح، فان ذلك يعني عمليا أن ليس من سبب أو ضرورة أمام أي تاجر أو رجل أعمال، أو حتى مواطن لإيداع أو تسديد دولار واحد للمصارف، وسنكون أمام عملية تجفيف للعملة الصعبة داخل القطاع المصرفي، وتالياً انتفاء دوره وقطع علاقاته المالية والتمويلية، مع المؤسسات عبر البحار، وتحوّله الى ما يشبه ماكينة صرافة وظيفتها عدّ النقود ودفع رواتب الموظفين فقط.

إذاً، يناقش مجلس النواب في جلسته اليوم، اقتراح القانون المعجل المكرر الذي قدمه النائب جميل السيد، والذي ينص على أن تُدفع كل الديون للمصارف بالليرة اللبنانية وفق سعر الصرف الرسمي، أي 1500 ليرة... وفي الاقتراح الذي جاء في مادة وحيدة: "تسدّد كل أنواع القروض وفوائدها بما فيها الحسابات الجارية المدينة، المترتبة بالدولار الأميركي على الأفراد والشركات على أنواعها لمصلحة المصارف وكونتوارات التسليف قبل صدور هذا القانون، بالليرة اللبنانية على أساس السعر الرسمي المحدد من قِبل مصرف لبنان للدولار الأميركي. وعند توافر حسابَين للمقترض في المصرف نفسه، واحد بالدولار الأميركي وآخر بالليرة اللبنانية، يُلزم المقترض بتسديد الأقساط والفوائد أولا من حساباته بالدولار الأميركي ثم بالليرة اللبنانية عند نفاد الحساب الأول وفقا لما ورد في الفقرة أعلاه".
هذا الاقتراح أثار مخاوف المصارف كونه يقضي على "أي أمل في استرجاع دولار واحد لأي مودِع، وهو أقل ما يقال فيه إنه مشروع علني لإفلاس المصارف أولاً، وللقضاء على أمل أي مودِع في الحصول على أي دولار محلي أو دولار خارجي"، وفق أمين الصندوق في جمعية المصارف المصرفي تنال الصباح.

ثمة علامات استفهام حول هذا الاقتراح، خصوصا ان "المركزي" كان قد أصدر التعميم الوسيط الرقم 568 للمصارف والمؤسسات المالية متضمناً قراراً وسيطاً رقمه 13260 عن عمليات التسليف والتوظيف والمساهمة والمشاركة، فأوجب على المصارف والمؤسسات المالية العاملة في لبنان قبول تسديد العملاء الأقساط أو الدفعات المستحقة بالعملات الأجنبية الناتجة من قروض التجزئة بما فيها القروض الشخصية بالليرة اللبنانية على اساس السعر المحدد لتعاملات مصرف لبنان مع المصارف (بقيمة وسطية 1507.5 ليرات للدولار) شرط: ألّا يكون من غير المقيمين، وألّا يكون لديه حساب بهذه العملة الأجنبية لدى المصرف المعني يمكن استعماله لتسديد هذه الأقساط، وألّا يتعدى مجموع القروض السكنية الممنوحة للعميل 800 ألف دولار ومجموع قرض التجزئة 100 ألف دولار". هذا التعميم يساعد ذوي الدخل المحدود، وفق الصباح، "ولكن أن تسدد كل القروض بالليرة اللبنانية فذلك يقضي على المصارف كافة ويحكم عليها بالإفلاس".
وفي حال أقِر الاقتراح فإن "المظلوم الأساسي في هذا الامر هو "المودِع وليس المُستدين، لأن الأخير الذي استدان بالدولار الأميركي ويريد تسديد دينه عبر استخدام الدولار الخارجي fresh money وصرفه بالدولارات المحلية ثلاثة أضعاف، وإذا أراد أن يسدد بالليرة يصرف الدولار الخارجي بـ8000 ليرة وكأنه يسدد خُمس دينه. أما أصحاب الشركات الكبرى المستدينون بالليرة، فهم أيضا يصرفون الدولار المحلي على سعر 3950 ليرة فيكونون بذلك يسدّدون دينهم باللبناني بما يوازي ثلث قيمته يوم استدانوا بالليرة".

المطلوب، برأي الصباح، هو "مساعدة المودِعين وليس المستدينين... وإلا فإن هذا القانون يقضي على أمل أي مودِع في استرجاع أي دولار، أكان محلياً أم Fresh Dollar"".

ويشير اقتراح القانون الى أنه "نتيجة التدهور المالي والاقتصادي أصبح هناك 3 أسعار للدولار الأميركي: واحد رسمي بين 1507 – 1515 ليرة، وآخر مصرفي لأصحاب الدخل المحدود بقرار من مصرف لبنان بين 3000 – 3200 ليرة، وسعر ثالث في السوق يفوق الـ4200 ليرة للدولار. ولما كان بنتيجة سياسة مصرف لبنان النقدية ولجوئه إلى شراء الدولار من السوق السوداء فيما أظهرته التحقيقات أخيرا، أو في قراره العلني بمصادرة تحويلات المغتربين إلى ذويهم بالدولار الأميركي عبر شركات الـOMT وغيرها، مع إلزام ذويهم بقبضها بالليرة اللبنانية فقط، اضافة إلى عزوف مصرف لبنان عن ضخ الدولارات في السوق لضبط ارتفاع سعره، مما أدى عمليا إلى فقدان الدولار النقدي من السوق إلا بأسعار خيالية ليست بمتناول الأفراد ولا الشركات. ولما كانت المصارف المقرِضة للافراد والشركات تتَّبع سياسة مزدوجة ومتناقضة، حيث إنه إن كان لديك حساب بالدولار فلا تستطيع سحب أي جزء منه إلا بالليرة وعلى أساس السعر الرسمي للدولار 1507 – 1515 ليرة، في حين أنه إذا كان عليك قرض بالدولار الأميركي في المصرف نفسه وليس لديك حساب بالدولار، فإنه يلزمك بتسديد القرض بدولارات نقديّة بسعر يناهز الـ 4200 ليرة للدولار غير المتوافر أصلا في السوق".

تتفاوت آراء الخبراء في اقتراح القانون هذا، ففي حين يرى الخبير الاقتصادي ايلي يشوعي أنه "يمكن ان يشجع على استقدام الدولار من الخارج Fresh Dollar على اعتبار ان الدولار النقدي يمكن ان يساوي 5 دولارات من المصرف، ومن ناحية اخرى فإن أصحاب المداخيل بالليرة يمكنهم ايفاء الدين بالليرة على اساس الـ 1500 ليرة"، معتبرا ان هذا الامر هو "بمثابة ربح للمقترضين وتسهيل لهم، خصوصا ان هذه الفئة دفعت الكثير من الفوائد في السابق". أما بالنسبة الى المودع فيوضح يشوعي أن الامور "لن تتغير على اعتبار ان المودع حاليا الذي يريد سحب وديعته كاملة تُحتسب على الـ 1500، أو ان ثمة سقف للسحوبات الشهرية على اساس 3900 ليرة. أما بالنسبة الى المصرف فإنه لن يربح ولن يخسر".

أما الخبير الاقتصادي لويس حبيقة فيعتبر أن "تعميم الحلول الجزئية أمر خاطىء، وتاليا فإن اقتراح القانون المقدم من النائب السيد بحاجة الى درس معمق... اعتقد ان هذا هو الاتجاه لدى النواب". وأكد ان هذا المشروع "يشكل خطرا على المصارف التي ستخسر كثيرا في ظل هذه الظروف. خصوصا ان مشروع القانون يستهدف في ما يستهدف الشركات الكبرى". ولا يرى حبيقة ضرورة للاستعجال في اقرار قانون كهذا، خصوصا أن هذه الآلية تطبق حاليا على الافراد وصغار المقترضين الذين يدفعون قروضهم بناء على تعميم من مصرف لبنان على سعر الـ 1500.

وبين الرأيين تؤكد مصادر اقتصادية ان هذا الاقتراح هو "لزوم ما لا يلزم"، خصوصا في ظل تطبيق المصارف التعميم الرقم 568، معتبرة أن السير باقتراح كهذا "قد يشكل المسمار الاخير في نعش القطاع المصرفي في مقابل اعادة تعويم اصحاب الثروات الذين أفادوا سابقا من القروض المدعومة عن غير وجه حق ومعاملتهم مثلهم مثل ذوي الدخل المحدود".

لا يختلف اثنان على أن المجلس النيابي اليوم هو أمام امتحان استمرار تبنّيه للنظام الإقتصادي الحر في لبنان، أو التحول الى الإقتصاد الموجّه، وتحدٍّ آخر هو اقتناع كتله وأعضائه بضرورة الحفاظ على ما تبقّى من القطاع المصرفي، رغم تعثّره، وانكفائه، لأنه يبقى بمثابة دعامة أساسية يتكىء عليها الإقتصاد اللبناني متى حانت ظروف إعادته الى الحياة وتحرّك عجلة النمو.

انضم الى قناة " AkhbarAlYawm " على يوتيوب الان، اضغط هنا


المزيد من الأخبار