أدوية كثيرة مفقودة في السوق... أين تذهب الكميات الهائلة المستورَدة؟ | أخبار اليوم

أدوية كثيرة مفقودة في السوق... أين تذهب الكميات الهائلة المستورَدة؟

| الخميس 14 يناير 2021

"النهار"- فرح نصور

لا يخفى على أحد أنّ الأزمة الاقتصادية هي أمّ الأزمات في لبنان، وأنّها أثّرت على قطاعات على رأسها القطاع الصحي والدوائي، لا سيّما مع انتشار كورونا الذي لم يكن ينقص لبنان سواه. يتنقّل اللبنانيون بين الصيدليات ولا يسمعون سوى كلمات موحدة: "مقطوع، خالص، في البديل"، وباتوا يعيشون هواجس عديدة تدفعهم إلى تخزين كل ما يدور من حولهم، هاجس الخوف من انقطاع الأدوية وغلاء أسعارها بعد رفع الدعم عنها، والإصابة بكورونا وعدم وجود حتى مُسكّن لآلام الرأس للتخفيف من أقلّ أعراضه. ما هو واقع أزمة الدواء؟ وكيف يمكن حلّها؟ وما هي الأسباب العديدة وراء انقطاع الأدوية؟

يشرح نقيب مستوردي الأدوية، كريم جبارة، أنّ "تشخيص مشكلة انقطاع الأدوية غير واضح، لكن كما هو معروف، لا يزال هناك مشكلة في استيراد الدواء للأسباب التي كانت موجودة في الخمسة أشهر الماضية، من صعوبة في التحويلات الخارجية وتأخّر في الاستيراد وغيرها، ومن جهة أخرى، نشهد طلباً هائلاً على الأدوية في لبنان، فمثلاً، لا يجد الناس دواء "أسبرين بروتكت" الذي يوصف لعلاج سيلان الدم لبعض مرضى كورونا، فالمستورِد ولغاية الأيام الثلاثة الأولى من استيراده، سلّم 60 ألف علبة منه، ولغاية اليوم أي بعد حوالى 7 أو 8 أيام، سلّم المستورِد 170 ألف علبة، وهذا لغز يجب توضيحه، فالطلب على هذا الدواء في الحالات الطبيعية هو 120 ألفاً شهرياً، أمّا الآن، فالمستورِد سلّم 170 ألف علبة منه بأقلّ من نصف شهر أي ما يعادل 50% أكثر خلال أسبوعين".

أين تذهب الكميات الكبيرة من الأدوية في هذا الوقت القياسي؟

يجيب النقيب أنّ "الناس يشترون الأدوية بكميات كبيرة خوفاً من رفع الدعم ومن انقطاع الأدوية لعدم ثقتهم بالمستقبل ولا يمكن لومهم، فهم يخزّنون الأدوية لا يشترونها فحسب"، مضيفاً أنّ "الأدوية المقطوعة لا يمكن استيرادها مجدّداً، لكنّني أجزم أنّ الأدوية الموجودة يتم تسليمها إلى الصيدليات وبكميات كبيرة، إنّما من الجهة الأخرى الطلب هائل عليها".

ويؤكّد على أنّ "المستورِدين ملتزمون بقرار وزير الصحة الصادر في أواخر العام الماضي، والقاضي بوجوب تسليم المستورِد الصيدلي احتياجاته الشهرية، وأنّه على الصيدلي تسليم المريض علاج شهر واحد، والمستوردون والموزعون يسلّمون الصيدليات احتياجات شهر واحد لضبط عمليات التخزين والتهريب، مع التدقيق في الكميات المباعة والمطلوبة".

ويكمل جبارة أنّ "البعض يُرجِع سبب فقدان الأدوية إلى تخزين المستورِد لها، لكن لا مصلحة له بذلك لأنّ سعر الدواء لن يرتفع، فوفق خطة وزير الصحة، لن يتمّ المسّ بأسعار 65 % من الفاتورة الدوائية، وقد يكون هناك أناس يشترون الأدوية بكميات كبيرة لبيعها في السوق السوداء".

ويشير إلى أنّ "هناك هلعاً لدى الناس لشراء الأدوية، شبيه بتهافتهم على شراء المواد الغذائية قبل الإقفال، وخصوصاً لشراء الأدوية التي تُعنى بعلاج كورونا كالباراسيتامول والأزيترومايسين، والأسبرين والفيتامينات وحتى دواء الإفيرمكتن الذي تستورده بعض الصيدليات بأذونات خاصة، يتهافت عليها الناس بطريقة غير طبيعية ويخزّنونها لديهم تحسّباً لإصابة مستقبلية بالفيروس، والحال مشابهة لآلات الأوكسيجين التي نفدت من الأسواق بعد تهافت الناس لشرائها، وهذا كلّه ناتج عن انعدام الثقة، إذ يشعر الفرد أنّه متروك لمصيره ويقوم بأمور مماثلة ليحمي نفسه، ونشهد بالتالي مظاهر غير طبيعية في السوق، ويصعب في هذا الإطار معرفة الطلب الحقيقي للأدوية في البلد".

وعن فعالية الإجراء الذي اتّخذته الصيدليات لتحديد كمية الأدوية للفرد الواحد للحدّ من نفاد الأدوية نظراً لشح وجودها، يقول جبارة إنّ "هذا الإجراء حدّ من التسليم إلى المواطن، لكنّه زاد من حال القلق لديه ما دفعه إلى محاولة تأمين الدواء بشكلٍ مكثّف، ويبقى هذا الإجراء تكتيكياً".

ويكمن الحل الفعلي لأزمة الدواء، برأي جبارة، "بطمأنة المواطن على مستوى أعلى وكنقابة، نقول إنّه يجب المُضي بخطة ترشيد الدعم التي عرضها وزير الصحة، وإراحة المواطن وتحديد قواعد استيراد وبيع الأدوية حتى نهاية 2021، وتحديد الأدوية التي سيرتفع سعرها من التي سيبقى سعرها على حاله، بالإضافة إلى طمأنة الناس والتخفيف من خوفهم، وتضافر الجهود لوضع رؤية مستقبلية، والوزير قام بواجباته ويبقى على المعنيين القيام بواجباتهم، كما على الحكومة ومصرف لبنان والمعنيين التعهّد بتأمين الأدوية لهذا العام لطمأنة الناس".

وفي هذه الأزمة، يلجأ كثيرون إلى شراء الأدوية البديلة عن العلامات المعروفة، أو ما يُعرف بالـ generic. وإذا ما أخذنا النسبة المالية للفاتورة الدوائية، "تمثّل هذه الأدوية 32 % من الفاتورة الدوائية في لبنان وفقاً لوزارة الصحة، وهي نسبة جيدة مقارنة ببلدان كثيرة أخرى كتركيا وفرنسا وحتى الولايات المتحدة الأميركية من حيث الفاتورة الدوائية"، على ما يقول جبارة. ويلفت إلى أنّ "وجود الأدوية البديلة لا يقلّل من هلع الناس لشراء الأدوية، فمَن لا يجد العلامة التجارية من الدواء المطلوب، يشتري فوراً الـ generic منه، وحتى البديل يُفقد من الأسواق، فالأزمة حالياً هي أزمة ثقة بالدرجة الأولى".

في هذه الأزمة، ألا يمكن لصناعة الدواء اللبناني أن تعوّض نقص الدواء المستورَد؟

يتمّ توزيع ثلثي الأدوية المصنوعة في لبنان من قِبل موزعين تابعين لنقابة مستوردي الأدوية. ويفيد جبارة في هذا السياق أنّ "الدواء المصنوع في لبنان يشكّل 20 % من سوق الأدوية، وتنقسم هذه النسبة ما بين 13 % للصناعات التي تتم بموجب رخصة من الشركات العالمية، و 7% هي generic لبناني بحت".
ويتابع: "حالياً وخلال هذه الأزمة، هناك فرصة للصناعة الوطنية للدواء وللـ generic المستورَد ليرفعا من حجم أعمالهما، والمواد الأولية لصناعة الأدوية مدعومة وقد ارتفع إنتاج الأدوية المحلية لأنّ الطلب في لبنان زاد وخصوصاً على أدوية الأمراض المزمِنة، إذ لدى فقدان أي منتج، يهرع الجميع لتغطية مكانه، ويمكن أن يكون الـgeneric اللبناني وهي فرصة له، ويمكن أن يكون الـgeneric المستورَد، وهي أيضاً فرصة له".

نقيب الصيادلة

بدوره، يوضح نقيب الصيادلة غسان الأمين أنّ" ما يحصل في قطاع الأدوية هو تماماً كما حصل مع الناس عندما تهافتوا لتخزين المواد الغذائية قبل الإقفال منذ يومين بعد سماعهم عن احتمال إقفال السوبرماركت خلال هذه الفترة، لكن نحن نعاني من أزمة دوائية مشابهة منذ نحو ثلاثة أشهر، بعد أن أعلن حاكم مصرف لبنان في أيلول الماضي بأنّه لن يدعم الدواء بحلول أواخر العام 2020، فهذا الإعلان أدى إلى "هجمة" الناس على شراء الأدوية ووقعنا في أزمة حادة".

وفي حديثه لـ"النهار"، يتابع الأمين أنّ "بعد ذلك بدأ يدور الحديث عن ترشيد الدعم، وبدأنا باجتماعات مع مجلس الوزراء ووزارة الصحة ولجنة الصحة الوزارية لترشيد الدعم، وتوافقت جميع هذه المؤسسات بالإضافة إلى نقابة الأطباء ونقابة الصيادلة ولجنة الصحة النيابية، على لائحة يترشّد فيها الدعم، وإذا ما طُبّقت، تخفّف عن مصرف لبنان نفقات بنحو 250 مليون دولار، إلّا أنّ مصرف لبنان حتى الآن لم يُبيّن موقفه بعد من هذه اللائحة، علماً أنّ خلال هذه الاجتماعات، كان يحضر ممثلاً عن حاكم المركزي".

إضافة إلى ذلك هلع الناس وعدم ثقتهم بالدولة والنظام، وفق الأمين، و"شهدنا شراء هائلاً لأدوية كورونا مع ارتفاع أعداد الإصابات في لبنان، رغم عدم وجود أدوية علاجية لهذا الفيروس، ما أدّى إلى فقدان الأدوية من الصيدليات، وما دفع بالمستورِد إلى تقنين تسليم الأدوية إلى الصيدليات، فالناس هجمت كالجراد عليها، وهذا ما سبّب بأزمة من جديد".

والحلّ بحسب الأمين، "يكمن في طمأنة الناس الخائفة، لكن لا أحد ينفذه وهناك غياب للمسؤولين في هذا الإطار، إذ يجب مصارحة اللبنانيين وتوضيح الأمور لهم عن مصير الدواء لحلّ هذه الأزمة، ولن يخزّنوا بذلك الدواء لديهم، وإذا ما وافق المسؤولون في الدولة على الخطة التي وضعناها، ستُحَلّ 90 % من هذه الأزمة، لكن لا يمكن أن يبقى الشعب تائه كذلك".

وأضاف: "يتّهمون الصيدليات بأنّها تخزّن الأدوية، إنّما واقع حال أكثر من 70% منها تعيس وهي بالكاد قادرة على تغطية مصاريفها، والمؤسف الآن أنّ الميسور من الناس يشتري الأدوية ويخزّنها، ومَن هو غير قادر على ذلك لا يجد حتى الدواء، ومشكلة الأدوية الأكبر تكمن في أدوية الأمراض المزمنة التي خزّنها كثيرون لسنة، خوفاً من ارتفاع سعرها بعد رفع الدعم، وأصبحت مفقودة في الصيدليات".

الضمان الاجتماعي

وكان المدير العام للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي محمد كركي قد أعلن، في بيان، أنّه "على أثر الأزمتين الصحية والاقتصادية المستجدتين في البلاد، ما حال دون توافر جميع الأدوية المطلوبة في السوق المحلية، وحيث إن بعض الأدوية باهظة الثمن، وفي إطار العمل على ضبط الإنفاق الصحي وخفضه، ولا سيما في مجال الدواء، واستناداً إلى القانون رقم 207 الصادر بتاريخ 30/12/2020 الذي أجاز للصيدلي استبدال الدواء الموصوف بدواء جنيسي Generic دون موافقة الطبيب المعالج، وذلك ضمن شروط وضوابط محددة، أصدر المدير العام للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي الدكتور محمد كركي مذكرة رقم 5 تاريخ 12/01/2021 قضى بموجبها إعطاء صلاحية للصيدلي أن يقوم باستبدال الدواء برديفه الجنيسي Generic وذلك دون الرجوع إلى الطبيب المعالج أو الحصول على موافقته الخطية، وذلك ضمن الضوابط والشروط الموضوعة في المادة 47 الجديدة، لا سيما أن يكون الدواء أقل سعراً وبنفس الجودة وموافقة المريض المضمون على الاستبدال.

وعليه، يطلب من جميع المستخدمين قبول المعاملات الوارد فيها البدائل الجينيسية Generic وتصفيتها وصرفها لصالح المضمون.
وفي هذه المناسبة، يجدد المدير العام التزامه القيام بكل ما يتوجب عليه لتسهيل وضمان حق المضمونين، ويتمنى على الصيادلة الالتزام بحسن تطبيق المادة 47 الجديدة لا سيما لجهة أن يكون الدواء البديل مشمولاً بلوائح الصندوق ويحتوي على التركيبة والفعالية نفسها وأقل سعراً وموافقة المريض المضمون على الاستبدال".

انضم الى قناة " AkhbarAlYawm " على يوتيوب الان، اضغط هنا


المزيد من الأخبار

الأكثر قراءة