الأزمة تأكل دور الملحقين الاقتصاديين... وهبة : العالم لا يثق بلبنان | أخبار اليوم

الأزمة تأكل دور الملحقين الاقتصاديين... وهبة : العالم لا يثق بلبنان

| السبت 16 يناير 2021

لم يعد بإمكانهم سوى تقديم بعض المسكّنات التي لا تفيد مرحلة الانهيار الاقتصادي

 "النهار"- كميل بو روفايل
يعيش لبنان عزلة دولية غير مسبوقة، وقد عانت حكومة دياب عدم التعاطي معها عربياً وأجنبياً، في ظل انهيار النظام المصرفي وشحّ الدولار، فيما لبنان بأمسّ الحاجة إلى يد العون.
وبعد انفجار مرفأ بيروت وعلى أثر هول الكارثة والدمار، عاد لبنان الى اهتمامات المجتمع الدولي، وخاصة بعد جهود الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.

أمام هذا الواقع، تعاني البعثات الديبلوماسية في الخارج أيضاً، ورغم ذلك يبقى دورها ودور الملحقين الاقتصاديين أساسياً في التفاوض، واقتناص الفرص التي قد تساهم في تقديم حلول اقتصادية. لكن ما هي معاناة الملحق الاقتصادي اليوم؟ وما أهمية دوره؟

يشير وزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الأعمال شربل وهبة في حديث مع الـ"النهار"، إلى أنّ "الحاجة إلى الملحقين الاقتصاديين في السفارات انتفت في الأوضاع الراهنة، لأنه لم يعد بإمكانهم سوى تقديم بعض المسكّنات التي لا تفيد مرحلة الانهيار الاقتصادي".

عدد الملحقين الاقتصاديين في السفارات اللبنانية، اليوم، 18 ملحقاً، موزّعين على بعض الدول التي نصّ عليها القانون. ومهامّهم عديدة منها جذب المستثمرين نحو لبنان، ومساعدة المصدّرين والتجار اللبنانيين في حلّ نزاعاتهم مع الخارج، وغيرها من الأدوار.

وأضاف وهبة أنّ "الثقة بالسوق اللبنانية مفقودة، لذا يعمل الملحقون مع أطراف لا تثق بلبنان مالياً واقتصادياً. والمغترب اللبناني الذي يسعى الملحق إلى التعاون معه في سبيل الاستثمار في لبنان مثلاً، سيقول بأنّ مدّخراته عالقة في المصارف اللبنانية، وذلك تبخّرت ثقتهم بلبنان".

عند الحديث عن التعاون الخارجي مع لبنان يقتضي التمييز بين مرحلتين، مرحلة ما قبل الانهيار وما بعدها. لأنه قبل شهر أيلول من عام 2019، وقبل بدء تراجع قيمة العملة اللبنانية في السوق السوداء وشحّ الدولار وأزمة المصارف، كانت مرحلة جذّابة لرؤوس الأموال، نظراً للفوائد المرتفعة على الودائع. أمّا بعد الانهيار، وبعد الحصار السياسي على حكومة التكنوقراط، التي ولدت إثر التظاهرات الشعبية المطالبة بالإصلاح السياسي ومكافحة الفساد، فهناك مرحلة جديدة في التاريخ اللبناني لها خصائصها المختلفة.

وبحسب مصدر معنيّ بالموضوع الاقتصادي لدى وزارة الخارجية والمغتربين، فإنّ "بعض الأسواق أغلقت في وجه لبنان بسبب الأزمة الإقليمية، وازدادت الأمور حدّة بسبب فرض رسوم على الشاحنات اللبنانية التي تمرّ بالأراضي السورية نحو البلدان العربية الأخرى، تتراوح ما بين 1200 إلى 1800 دولار أميركي، فيما لم تتجاوز سابقاً عتبة الـ700 دولار". ودولار اليوم يختلف عن دولار الأمس لدى اللبناني الذي تعطلت أعماله.

يأتي ذلك في ظلّ رفض الحكومات التعاطي الرسمي مع النظام السوري لاعتبارات عديدة، فيما تمثل سوريا خط العبور البرّي الوحيد الذي يتيح للبنان تسويق منتجاته الزراعية في البلدان العربية. لا يأتي هذا الرفض ضمن سياق القرار، بل ضمن سياق التعطيل الناتج عن "اللاقرار"، ففي حكومات الديموقراطية التوافقية، إمّا يوافق الجميع على الاستراتيجية، وإن لم يوافقوا تكُن النتيجة: "لا استراتيجية"، وتسير الأمور بشكل تلقائي وعفوي.

ومنذ بدء الأزمة الاقتصادية، ومنذ تخلّف لبنان عن دفع ديونه بالدولار، وبدء تدهور العملة المحلية في السوق السوداء، والشعب اللبناني ينتظر خطة الإنقاذ، وينتظر القرار الذي سيحدد وجهة المعالجة، وحتى الساعة: "لا قرار".

ويقول مدير الشؤون الاقتصادية في وزارة الخارجية والمغتربين بلال قبلان لـ"النهار": "منذ تدهور الوضع الاقتصادي في لبنان ونحن ننتظر من السلطة الإجرائية خطة استراتيجية حتى نكون أدواتها في البعثات الديبلوماسية، ونوجّه عملنا في سبيل تحقيقها، لأننا جهاز تنفيذي".
ويضيف: "نتابع كل حالة على حدا، الملحقون الاقتصاديون يقومون بعملٍ جبّار. على سبيل المثال، سوّقنا زيتاً من دير ميماس في طوكيو، ونظمنا في السعودية (القرية اللبنانية) التي تعرض المنتجات المحلية، وغيرهما من الأمثلة الكثير، لكن تبقى هذه الخطوات مستقلة إحداها عن الأخرى".

ويُخبر وزير الخارجية أنّ "التعامل مع الموردين بات صعباً جدّاً، فالثقة لم تعد موجودة إطلاقاً، وعندما يشتري لبنان محروقات لا تقبل البواخر أن تفرّغ حمولتها قبل أن يفتح المركزي الاعتمادات وتحوّل إليها الأموال بالدولار".

لا تأتي الثقة بأيّ اقتصاد من موارده أو من طاقاته، فهذه عوامل مساعدة. تأتي الثقة من التخطيط ومن البرامج والاستراتيجيات، التي تضعها الدولة وتسعى لتنفيذها بكل الأدوات المتاحة. في ظل غياب هذا التخطيط، لا بل في ظلّ غياب الإرادة والتشكيلة الحكومية، تتضاعف حدّة الانهيار، وتتضاءل قدرة الملحقين على جذب الاستثمارات من الخارج.

ويشير قبلان إلى ثلاثة مفاتيح أساسية لكي يتمكّن الملحقون من القيام بعملٍ جيّد، هي: "الخطة الاقتصادية، وتسويق المنتجات اللبنانية في الخارج، وإبرام الاتفاقيات الخارجية".
وفي ظل حكومة تصريف الأعمال، لا خطط ولا اتفاقيات. لذلك يشرح الوزير وهبة بأنّه "لدى استقالة الحكومة لا تجتمع ولا تأخُذ قرارات، ولا يمكنها سوى تصريف الأعمال. والحكومة اليوم تسيّر الأعمال بالحد الأدنى، الأمر الذي لا يكفي للنهوض بالاقتصاد اللبناني الذي استُنزفت ماليته، لذلك لا يمكننا تحميل الملحق الاقتصادي عبء هذه المسؤولية".

وبحسب معلومات الوزير، فإنّ وزارة الدفاع قررت استدعاء الملحقين العسكريين في الخارج، لكي يقوموا بعملهم من الإدارة هنا. وتطالبه بعض الجهات باستدعاء الملحقين الاقتصاديين أيضاً، ولا يستبعد تحقق هذه الفكرة، لأنّ اللقاءات تحصل عبر الفيديو. وأضاف الوزير: "ظروفنا المالية لم تعد تسمح بهذا الانفلاش المالي والرواتب التي تدفع في الخارج".

يبدو أنّ الدولة اللبنانية قررت الحدّ من مصروفها بالعملة الخضراء في البعثات الديبلوماسية، وستستفيد من كورونا وما فرضه من واقعٍ جديدٍ وثقافة جديدة على صعيد اللقاءات والمفاوضات.

ولاسترجاع ثقة المجتمع الدولي في لبنان، يقترح وهبة: "تشكيل حكومة تحظى بثقة المجتمع الدولي، والبرلمان، والشعب اللبناني". لذلك، فإنّ أيّ حكومة تأتي خارج نطاق هذه الثقة، ستكون تحدّياً لطرف، ولبنان بأمسّ الحاجة لتكاتف وتعاون الجميع في سبيل إنقاذه. ستستعيد البعثات الديبلوماسية والملحقون الاقتصاديون أدوارهم في إنقاذ لبنان، للعمل كأداة لهذه الخطة المركزية، لدى تشكيل حكومة قادرة على وضع استراتيجية، يثق بها جميع الأطراف.

وبحسب مصدر معني بالشأن الاقتصادي لدى وزارة الخارجية والمغتربين، فإنّ المنتجات اللبنانية التي ينبغي لها أن تكون منافسة على الصعيد العالمي، بسبب انخفاض سعر الليرة اللبنانية بالنسبة للخارج، لا تحظى بهذه الميزة التنافسية. وضرب مثالاً النبيذ، الذي لا يمكن تصديره إلى الخارج إلا إذا كانت الزجاجة ضمن معايير الجودة العالمية، ما يستدعي استيرادها، فيدفع بأسعارها نحو الارتفاع. وهذا يحدّ من دور الملحقين في تسويقها.

دور البعثات الديبلوماسية أساسي جدّاً، وأدّت دورها التاريخي عندما كان لبنان يلقّب "بسويسرا الشرق"، متفاهماً مع محيطه، ولديه نخبة من القادة، ورجال الفكر الذين يحسنون التخطيط الاستراتيجي، ويضعون البرامج.

أمّا الآن، فعند التكلم عن أهمية دورهم للإنقاذ، يجب وضعهم ضمن خطة شاملة وهادفة. على المسؤولين، وبعد مرور أكثر من سنة على الانهيار المالي والاقتصادي المدوي، تحديد الوجهة وتشكيل حكومة تتناسب مع هذه الوجهة، حتى لا تقع مجددّاً في فخ التعطيل والبقاء على "اللاقرار" الذي لطالما اعتدناه، والذي لا يتناسب وفداحة السقوط.

انضم الى قناة " AkhbarAlYawm " على يوتيوب الان، اضغط هنا


المزيد من الأخبار