توقيع مرسوم تحديد الخط البحري واجب وطني
والتقاعس عنه يرقى الى مستوى الخيانة الوطنية
داود رمال – "أخبار اليوم"
لم تنظر اي سلطة في العالم الى قضية السيادة الوطنية، لا في التاريخ القديم ولا في التاريخ الحديث، على انها وجهة نظر قابلة للتغيير والتعديل والتراجع والتنازل، والسيادة المنقوصة ولو بذرة تراب او بنقطة مياه هي ليست سيادة انما تفريط بالحقوق الوطنية للشعب وللدولة، واي لعب فوق الطاولة او تحت الطاولة في سبيل تمرير امور مشبوهة لا يمكن وصفها الا بأنها خيانة وطنية توجب الحاسبة الشعبية والقضائية.
على هذه القاعدة انطلق الوفد اللبناني في المفاوضات غير المباشرة مع العدو الاسرائيلي برعاية الامم المتحدة وبوساطة مسهلة من الولايات المتحدة الاميركية، ومتسلحا بالقوانين الدولية لا سيما قانون البحار الذي يحدد الحق اللبناني وسقف التفاوض الذي يجب ان تدور تحته المفاوضات التي يريدها العدو الاسرائيلي شكلية متكئا على دعم اميركي يقوم على ان التفاوض هو على مساحة ال860 كيلومترا مربعا وليس على ما حددته الدراسة البريطانية وهي 2290 كيلومترا مربع.
ويتم التداول في الاعلام اللبناني وبين المسؤولين عدة مواضيع حول ملف ترسيم الحدود البحرية ومسألة التفاوض مع العدو الإسرائيلي من بينها ما يلي:
أن الخط الذي عرضه الوفد المفاوض والذي ينتهي بالنقطة 29 كان مفاجئاً للجميع، هذا الخط يعيد مساحة 1430 كيلومترا مربعا الى المنطقة الاقتصادية الخالصة اللبنانية بالاضافة الى مساحة 860 كلم مربع التي كان يُدعى انه متنازع عليها. وقد اعتبره البعض أنه خط جديد وأدّى الى طرح العدو الاسرائيلي خطاً يمتد الى مقابل صيدا مما يجعل البلوك رقم 5 متنازعاً عليه بالاضافة الى البلوكات الجنوبية رقم 8،9، و 10. إنما الحقيقة ان هذا الخط قديم ومنذ العام 2011 حيث اقترحه المكتب الهيدرغرافي البريطاني (UKHO) بموجب تقرير تم تسليمه الى الحكومة اللبنانية آنذاك، إلا انه لم يعرض على مجلس الوزراء وتم وضعه في الادراج. حيث تم بعد ذلك إعداد دراسة تقنية وقانونية من قبل الجيش بعد إنشائه مصلحة هيدروغرفيا في العام 2014 والتي تُعنى بإنشاء الخرائط البحرية وترسيم الحدود البحرية، وقد أكدت هذه الدراسة على الخط المقترح من قبل المكتب الهيدروغرافي البريطاني في العام 2011 وتم احالة الموضوع الى مجلس الوزراء في العام 2019. وهذا يعني ان هذا الخط ليس بجديد وهو مرسّم وفقاً لقانون البحار وبالتقنيات الحديثة المتوافرة لدي الجيش اللبناني في مصلحة الهيدروغرافيا. اما القول ان العدو الاسرائيلي قام برسم خط يمتد الى مقابل صيدا رداً على الخط اللبناني الجديد (القديم)، فهذا قول ليس له أساس حيث ان الاعلام الاسرائيلي طرح هذا الخط الذي ليس له أي اساس قانوني وقد تم سحبه سريعاً من التداول من قبل الجانب الاسرائيلي بعد طرح الجانب اللبناني في الاعلام ايضا خطين لهما سند قانوني ويجعلا معظم حقول النفط والغاز الاسرائيلية ضمن مناطق متنازع عليها، وبالتالي لم يُطرح هذا الخط (الذي سمي بخط 310) على طاولة المفاوضات وأجبر العدو على سحبه من التداول في الاعلام الاسرائيلي نظراً للضرر الذي يشكله على حقول النفط والغاز الاسرائيلية.
وبالتالي ادعاء ان شركة توتال قد اوقفت عمليات التنقيب في البلوك 9 الحدودي بسبب النزاع الحدودي البحري وتعثر المفاوضات مع العدو الاسرائيلي ليس صحيحاً، بل على العكس قدمت هذه الشركة برنامج عملها الى هيئة ادارة قطاع البترول واكدت على الاستمرار بالتزامها. إلا أن عملية التاخير تعود فقط الى وجود جائحة كورونا وأن شركة توتال استفادت من قانون تأجيل المهل بتأجيل الحفر من العام 2021 الى العام 2022 كباقي الشركات في العالم ولا سيما تلك التي تعمل في المياه القبرصية على سبيل المثال لا الحصر.
كذلك هناك من يعتبر أن المطالبة بمساحة 1430 كلم مربع من خلال تعديل المرسوم رقم 6433/2011 وايداعه في الأمم المتحدة ومن ثم التراجع عنه لاحقا بعد انتهاء المفاوضات والتوصل الى حل بين الخط اللبناني الجديد (القديم) والخط الاسرائيلي، يعتبر تنازلاً ولا يمكن القبول به امام الشعب اللبناني. إن هذا الكلام غير صحيح كون عدم تعديل المرسوم 6433/2011 يعني القبول بالتفاوض على مساحة 860 كلم مربع، وبالتالي سوف يحصل لبنان على اقل من هذه المساحة، فلماذا لا يُسمى هذا تنازل بينما التفاوض على مساحة اكبر والحصول على نتيجة افضل يُسمى تنازل. من الطبيعي عند الذهاب الى التفاوض أن تطالب كل دولة بحدها الاقصى ومن ثم التوصل الى حل منصف عادل، وهذا ما ينص علية قانون البحار وهذا ما فعلته وسوف تفعله جميع الدول دون استثناء، والمحاكم الدولية أكبر شاهد على ذلك.
كذلك يتم التداول بمسالة أن التفاوض يجب ان يتم دون التطرق الى أي خطوط قديمة ويتم انطلاق التفاوض على ترسيم جديد كون اتفاق الاطار اشار الى ذلك، فالحقيقة أن اتفاق الاطار لم يذكر ذلك وان الاسرائيلي متمسك بالتفاوض على الخطوط المودعة في الامم المتحدة من قبل الطرفين أي على مساحة 860 كلم مربع، ولا يرضى بترسيم جديد إلا ضمن هذين الخطين، ولهذا السبب يشدد الوفد المفاوض اللبناني على سحب الخط اللبناني القديم الذي ينتهي بالنقطة 23 وايداع الخط الجديد (القديم) الذي ينتهي بالنقطة 29 لكي يجبر العدو على التفاوض على كامل المساحة المتنازع عليها والبالغة 2290 كيلو مترا مربعا بدل التفاوض على 860 كلم مربع.
وهناك من يشير وللأسف انه يوجد خلاف حول توقيع المرسوم الذي يُعدل المرسوم 6433/2011، وهذا الخلاف هو بين وزير الأشغال العامة والنقل ووزيرة الدفاع على من يُوقّع هذا المرسوم الى جانب رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء. الجواب على ذلك بسيط: هذا الخلاف غير موجود أصلاً، وإن كان هناك اختلاف في وجهات النظر فهذا لن يكون سبباً في ايقاف مرسوم يعيد الى لبنان مساحات مائية مليئة بالنفط والغاز تبلغ حوالي خمس مساحة لبنان، من يستطيع إهمال أو عرقلة أو عدم التوقيع على المرسوم بحجج شكلية لا تقدم ولا تؤخر. وتجدر الاشارة الى أنه يوجد قرار من مجلس الوزراء تحت رقم 20 تاريخ 23/12/2014 يعطي مصلحة الهيدروغرافيا في الجيش اللبناني التي انشأت بتاريخ 1/2/2014 مهمة انشاء الخرائط البحرية وكل ما يتعلق بالشأن الهيدروغرافي ومن بينها مسألة ترسيم الحدود البحرية، وبالتالي لم تعد المديرية العامة للنقل البري والبحري التي كانت مسؤولة سابقا عن هذا الموضوع تتعاطى بهذا الشأن. وتجدر الاشارة أيضاً أن المعطيات الدقيقة التي توفرت والتي أوجبت تعديل المرسوم رقم 6433 وفقاً للمادة الثالثة منه قد حصلت عليها مصلحة الهيدروغرافيا في الجيش بقيامها بعمل جبار في مسح الشاطئ في منطقة الناقورة وعلى طول الساحل اللبناني، وبحصولها على برنامج الترسيم الذي غير موجود في الكثير من الدول. وقد تم تتويج عمل الجيش الخبير القانوني المحترف نجيب مسيحي الذي له بصمات في محكمة العدل الدولية لا سيما في الدفاع عن حقوق كوستاريكا ضد نيكاراغوا في النزاع الحدودي بينهما والفوز بالقضية لصالها. فكيف لا نستفيد من خدماته المجانية الوطنية في هذا المجال، أم لا يعجب المسؤولين اللبنانين إلا هدر الاموال والسمثرات.
كذلك يتم التداول عن إمكانية تعديل المرسوم 6433/2011 من الناحية القانونية ومن ناحية التزام لبنان أمام الأمم المتحدة، وما هي سلبيات وايجابيات تعديل هذا المرسوم، وهل ممكن تصحيح كل الأخطاء والإهمال السابق، وهل أصبح الوقت داهماً أمام المسؤولين لاتخاذ القرار المناسب لكي لا تضيع الفرصة على لبنان باستعادة حقوقه والتوصل الى حل عادل لمسألة النزاع الحدودي البحري مع العدو الاسرائيلي. الجواب: من شأن تعديل الحدود اللبنانية البحرية الجنوبية تحويل حقل كاريش الی حقل متنازع عليه مما يتيح للبنان طلب تجميد الأعمال فيه الی حين حل النزاع الحدودي. كون القانون الدولي يسمح بذلك قبل البدء بالانتاج والمتوقع في النصف الثاني من هذا العام، واستثنى من هذه القاعدة تجميد الأعمال في الحقول والآبار التي تمّ بدء الاستخراج منها نظراً للعواقب المادية الهائلة لهكذا خطوة وأثرها علی البيئة البحرية (غانا\ساحل العاج، المحكمة الدولية لقانون البحار، ٢٠١٥). لذا، فعلی لبنان التحرك قبل بدء أعمال الاستخراج بغية التمكن من ايقافها والضغط بذلك علی العدو الإسرائيلي الذي سيضطر حينئذ لتليين موقفه من مسألة ترسيم حدوده مع لبنان والعودة الى طاولة المفاوضات باسرع وقت ممكن.
وتجدر الاشارة الى ان خط الناقورة – النقطة 23 لا يمكن الدفاع عنه فهو ساقط من الناحية التقنية والقانونية، فهو لا يبدأ من نقطة رأس الناقورة بل من نقطة تقع في البحر، والنقطة 23 ليست نقطة وسطية، وهذا الخط لا يتبع طريقة خط الوسط ولا طريقة تقنية أخرى. كذلك الخط الاسرائيلي ليس له أساس قانوني أو تقني، وهذا يعني أن المنطقة القديمة التي كان يُدعى أنه متنازع عليها والبالغة 860 كلم مربع تعتبر غير موجودة وهي من الماضي. بينما المنطقة الجديدة الواجب التفاوض عليها فهي تقع بين خط هوف والخط اللبناني الجديد أي أن المساحة التي يمكن القول انه متنازع عليها أصبحت 1800 كلم مربع بدلا من 860 كلم مربع.