إشكاليات الفيديرالية: تزيد حدّة الخلاف حول السلاح | أخبار اليوم

إشكاليات الفيديرالية: تزيد حدّة الخلاف حول السلاح

| السبت 23 يناير 2021

إسقاط النموذج السويسري على الواقع اللبناني عشوائي ومغلوط

إيلي القصيفي - اساس ميديا
ما دام الفيديراليون اللبنانيون لا ينفكون يسقطون التجربة الفيديرالية السويسرية على الواقع اللبناني فمن المفيد العودة ولو سريعاً إلى تلك التجربة لتبديد أوهام تطبيق النموذج السويسري في لبنان.

يعرّف القاموس التاريخي السويسري النظام الفيديرالي للدولة بأنّه جمع وحدات سياسية مستقلّة، سابقة الوجود على الدولة الفيديرالية نفسها، في جسم سياسي مستقلّ أوسع. ومن المهمّ جدّا التفريق بين الدولة الفيديرالية وبين الدولة الوحدوية اللامركزية التي تقرّر بفعل سيادي حدود الصلاحيات التي تعطيها للوحدات اللامركزية ضمن نطاقها الجغرافي.

فالنقطة الأولى والأساسية هي أنّ الفيديرالية بماهيتها تنطلق من "المفكّك" إلى "الموحّد"، وبالتالي فإنّ مسار الفيديرالية السويسرية هو عكس ما ينظّر له الفيديراليون في لبنان، حيث أنّ إنشاء الدولة السويسرية الحديثة منتصف القرن التاسع عشر تمّ بتوحيد الكانتونات التي حافظت على قدر كبير من الاستقلال السياسي والتشريعي في إطار دولة فيديرالية عاصمتها برن ألغت الحدود الداخلية وفرضت عملةً وجيشاً موحدين.

علماً أنّ عملية التوحيد هذه جاءت نتيجة وحلّاً للحرب الأهلية (سندربوند) التي تقاتلت فيها مقاطعات ليبرالية (بروتستانت وكاثوليك) مع مقاطعات محافظة تطالب بسيادة أكبر للكانتونات.

بالتالي فإنّ إسقاط النموذج السويسري على الواقع اللبناني عشوائي ومغلوط، خصوصاً أنّ حجة التعدّدية الدينية في البلدين حجّة مضلّلة، إذ لم يكن خلال إنشاء الدولة الفيديرالية في سويسرا سوى طائفتين رئيسيتين، البروتستانية والكاثوليكية.

هذا فضلاً عن أن التجربة الفيديرالية السويسرية تمتدّ جذورها إلى القرن الرابع عشر عندما  كانت المدن والمقاطعات السويسرية المستقلة تقيم بينها تحالفات دائمة على أساس التضامن. وقد نمت فكرة فيديرالية الدولة السويسرية منذ القرن السابع عشر حين مرّت بمحطات عديدة وصولاً إلى دستور 1848 الذي وحّد الكانتونات ووسّع صلاحيات المركز.

في المحصلة فإنّ الفيديرالية السويسرية ذات مسار تاريخي عريق وطويل ونتيجة تجرية عملية وتطبيقية متشعبة جدّاً، وكلّ ذلك لا ينطبق على الحالة اللبنانية.

عليه وفي العودة إلى الواقع اللبناني، فإنّ الإصلاح الممكن ينحصر في الدولة الموحدة اللامركزية، إلّا إذا أراد الفيديراليون وضع لبنان على سكّة عكسية لأيّ نظام فيديرالي من خلال "تفكيك" ما هو "موحّد".

لكن أيّا يكن من أمر، فإذا كانت الغاية من الدعوة إلى إقامة نظام فيديرالي أو "اتحادي" هي البحث عن حلول للأزمات اللبنانية المعقّدة، فالمفارقة أنّ مجرّد نقاش أو عرض إمكانات تطبيق الفيديرالية في لبنان يبيّن أنّ كلّ الإشكاليات التي تواجهها الدولة المركزية ومجتمعها هي نفسها تعترض وبشدّة أي محاولة لتحقيق أي شكل من أشكال النظام الفيديرالي في لبنان.

لننطلق من حجّة الفيديراليين الرئيسة وهي السعي لإدارة أفضل للتعدّدية في لبنان. فالأكيد أنّ الإشكالية التعددية لا تتمثّل بقدرة الطوائف على ممارسة إيمانها وشعائرها، لاسيّما في ظلّ "فيديرالية شخصية" تقيم  نظاماً تشريعياً يطبّق على الأفراد و"الأقليات" حيثما وجدوا على الأراضي اللبنانية، مع الأخذ في الاعتبار المطالب الآخذة في التوسّع لإقامة قانون موحّد للأحوال الشخصية.

إنّما الإشكالية الأساسية هي في الصراع السياسي / الطائفي. وهي إشكالية تاريخية. على الرغم من أنّ الدستور اللبناني افترض، منذ صيغته الأولى عام 1926، الصفة المؤقتة لـ"طائفيته"، وصولاً إلى اتفاق الطائف الذي نظّم انتقالاً ممرحلاً إلى الصيغة اللاطائفية للنظام السياسي.

ولذلك فإنّ الانتقال إلى نظام فيديرالي في ظلّ نظام سياسي ومجتمع متطيّفين لن يحلّ مشكلة صراع الطوائف على السلطة، بل سينقل إشكالية التمثيل الطائفي إلى مستوى الحكومة الفيديرالية.

وإذا كانت المطالبة بالفيديرالية ردّا على إشكالية سلاح حزب الله فإنّ السياسة الدفاعية للدولة الفيديرالية هي من صلاحية الحكومة الفيديرالية. وبالتالي فإنّ مشكلة سلاح الحزب الحاضرة بقوّة في إطار الدولة المركزية لن تحلّها إقامة نظام فيديرالي. إذ سينتقل الصراع على السياسة الدفاعية من الحكومة المركزية في الدولة المركزية إلى الحكومة الفيديرالية في الدولة الفيديرالية.

وما ينطبق على السياسة الدفاعية ينطبق على السياسية الخارجية  التي تبقى هي أيضاً من صلاحية الحكومة الفيديرالية. فإذا كان الإنقسام على السياسة الخارجية للبنان الآن أحد الوجوه الرئيسية لأزمته فإنّ الانتقال إلى نظام فيديرالي لن يحلّ هذه المشكلة بل على العكس فهو سيرافقهما.

إذ وبمجرّد إنشاء وحدات فيديرالية سياسيّة / طائفية فإنّ كلّا منها سيحاول أخذ السياسة الخارجية للدولة إلى دائرة علاقاته الخارجية. وهو ما سيحوّل حكماً الوحدات الفيديرالية إلى مناطق نفوذ خارجية ومركزّة جغرافياً، ما يجعل أي توتّر بين دولتين خارجيتين، لكلّ منهما نفوذ في كانتونات لبنانية، ينعكس صراعاً بينها وصولاً إلى حدّ الصدام المسلّح.

وهذا يحيلنا إلى معايير تقسيم المناطق الفيديرالية في لبنان. فإذا كان هذا التقسيم سيتّم على أساس طائفي، فلطالما كان الربط بين الجغرافيا والهوية الطائفية أو الإثنية أو الإثنين معاً ربطاً تفجيرياً، خصوصاً في ظلّ واقع صراعي في لبنان والمنطقة يأخذ بعداً طائفياً يعزّزه وجود ميليشيات مؤسَّسة ستسعى عند البحث في أي "تفكيك" للدولة الوحدوية إلى الاستحواذ على أكبر بقعة جغرافية، وإن لم يكن بالحسنى، فبالقوّة.

كذلك فإنّ التقسيم الإداري على أساس طائفي يضمر تهجيراً لأقليات دينية تعيش بين ظهراني مجموعة سكانية متجانسة دينياً. أو في أحسن الأحوال فإنّ تقسيماً مشابهاً سيخلق مشكلة "أقلية ضمن الأقلية"، كما حصل إبان نظام القائمقاميتين منتصف القرن التاسع عشر، وهو ما يفاقم الإشكالية الطائفية عوض تخفيفها.

وللتذكير، فإنّ التقسيم الإداري في لبنان شكّل معضلة رئيسية أمام البحث في تطبيق اللامركزية الإدارية الموسعة التي نصّ اتفاق الطائف على اعتمادها على مستوى الوحدات الإداریة الصغرى (القضاء وما دون). ولذلك فإنّ آخر اقتراح قانون حول تطبيق اللامركزية الإدارية قدّمه النائب سامي الجميل في العام 2017، كان اعتمد "التقسيمات الحاليّة كوحدات لامركزية"، خشية تفجير النقاش حوله. كما أنّ اعتماد القضاء وما دون كوحدات لامركزية لا يمكن أن يحقّق الغاية الإنمائية من اللامركزية في ظلّ ضعف إمكانات العديد من الأقضية، وهو ما يجعل من الأولى إجراء التقسيم الإداري اللامركزي وفق معايير إقتصادية اجتماعية.

علماً أنّ التقسيم الإداري ليس البند الوحيد الذي أثار إشكاليات عند البحث في مشاريع قوانين اللامركزية. إذ قال الرئيس نبيه بري في 2 تشرين الثاني 2017 إنّه لن يقبل أي استقلال مادي أو أمني للمجالس اللامركزية. كما اعتبر النائب السابق نوّاف الموسوي أنّ "ثمة نقطة ذات إشكالية في اقتراح الجميل وهي إنشاء قوة شرطة تكون بمثابة قوة عامة مسلحة، بمثابة جيش". وليس قليل الدلالة أن يكون هذين الاعتراضين صادرين عن هاتين الجهتين.

في المحصّلة، فإذا كان من المحال إنكار إشكاليات الواقع اللبناني الحالي لاسيّما لناحية الاختلالات البنيوية في وظائف الدولة واستعصاء الإصلاح في ظلّ استحالة تعايش الميليشيا والدولة، فإنّ البحث عن حلول لهذه الإشكاليات لا يمكن أن يجنح نحو مفاقمتها، كما هي الحال مع الطرح الفيديرالي الذي يعزّز أكثر هشاشة الواقع اللبناني بالنظر إلى مغالطاته وأخذه وجهات طائفية تكرّس الواقع الحالي بالغ السوء.

ويبقى التحدّي السياسي الرئيسي في لبنان هو النضال التراكمي لإعادة انتاج مسار اجتماعي اقتصادي للدولة والمجتمع يعيد إنتاجهما على أسس المصالح المشتركة للبنانيين. وهذا ليس تحدّ بسيط لكن ليس هناك سواه.

انضم الى قناة " AkhbarAlYawm " على يوتيوب الان، اضغط هنا


المزيد من الأخبار

الأكثر قراءة