أزمات متراكمة في النظام الدستوري أدّت الى شبه شلل في انتاجية المؤسسات
"النهار"- مجد بو مجاهد
على اختلاف التسميات والتوصيفات المرتبطة بواقع الأزمة اللبنانية، وفي ما إذا كانت أزمة في النظام بذاته أو بعدم تطبيقه، إلّا أن الهواجس المتعاظمة في المجالس السياسيّة من الانعكاسات التي قد تولّدها الأزمة الظاهرة بأوضح صورها في الكباش القائم بين الرئاستين الأولى والثالثة في موضوع تشكيل الحكومة، تطرح علامات استفهام حول خطورة النتائج التي يمكن أن تسفر عن احتدام الصراع السياسي المتصاعدة نيرانه. وتنطلق أوساط سياسية مواكبة للعمل المؤسساتيّ من هذه المشهديّة المقلقة، في إشارتها لـ"النهار" الى أنّ ما من أولوية يجب أن تتقدّم على تشكيل الحكومة واكتمال عقد السلطة التنفيذية، ومن ثم مقاربة كلّ القضايا التي تشكّل محلّ خلاف واختلاف. وفيما لفت الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الى أنّ النظام اللبناني في مأزق بسبب الحلف بين الفساد والترهيب، تركّز الأوساط على أنّ المبادرة الفرنسية تشكّل خريطة طريق إنقاذية يمكن أن تمهّد لحياة سياسية صحيّة، لكن كيف يمكن التعويل على مسؤولين لبنانيين لم يستطيعوا أن يوحّدوا رؤيتهم حول معنى المبادرة الفرنسية ومضمونها؟
وتربط قراءة الأوساط بين الصراع القائم بين القوى السياسية، وما يتصاعد من حرائق في المشهد الطرابلسيّ الذي يثير مخاوف متعاظمة من أن يؤدّي الى إحراق لبنان في ظلّ تشابك بين #أزمة سياسية وأخرى اقتصادية تنعكس على كامل المناطق اللبنانية، مع رسم تساؤلات حول اللحظة القائمة وعمّا إذا كانت مؤاتية للتفتيش عن جنس الملائكة؟ أم هي مرحلة فرملة الانهيار من خلال تشكيل حكومة إصلاح مستقلة تسهم في وقف الانزلاق نحو الهاوية ومن ثم العمل على معالجة هذه العناوين بعيداً من مظاهر الجوع؟ وتطرح علامات استفهام حول القدرة الفعلية للوصول الى نظام سياسي جديد "على البارد"، إذا كانت تعديلات الحقبات الماضية قد سبقتها نزاعات وحروب؟
تاريخيّاً، تبدو عبارة أزمة النظام معروفة في مقاربة الخبير الدستوري والقانوني أنطوان صفيرالذي يرى عبر "النهار" أنّها "أزمة شائعة منذ ما قبل الحرب اللبنانية وحتى اليوم، باعتبار أن النظام اللبناني القائم منذ دستور لبنان الكبير سنة 1926 وحتى ما بعد التعديلات في اتفاق الطائف، لا يزال في طور الأسئلة وعدم الوصول الى الأجوبة حول أزمة النظام"، مشيراً الى أنّه "إذا كنا نودّ تقييم النظام من الناحية الدستورية، فهناك مشاكل تقنية في الدستور، لذلك أقول إنّ الأزمة ليست أزمة نظام بل هي أزمة في النظام الدستوري، باعتبار أن الصلاحيات غير متوازنة بين المؤسسات الدستورية، ما أدى الى تعطيل شبه دائم والى استعمال النصوص الدستورية الناقصة وغير المكتملة أو غير المحدّدة التفسير بشكل سياسي وفق المصلحة لهذا الفريق أو ذاك".
من أبرز الأمثلة على الأزمات الدستورية المتوالية التي يعدّدها صفير: عملية تشكيل الحكومة التي تأخذ في كلّ مرّة عدّة أشهر، عدم انتخاب رئيس جمهورية مراراً وتكراراً وفق المواقيت الدستورية، التمديد لرؤساء جمهورية، التمديد لمجلس النواب، عدم إجراء الانتخابات الفرعية في المجلس السابق عن مقعدي كسروان وطرابلس على أثر انتخاب النائب ميشال عون رئيساً واستقالة النائب روبير فاضل وقتذاك.
ويقول إنّ "كلّ هذا يشير الى أزمات متراكمة في النظام الدستوري أدّت الى شبه شلل في انتاجية المؤسسات الدستورية وعدم قدرة الدستور على تشكيل إطار لحلّ الأزمات، بل أصبح الخلاف بالنظر الى الموقف السياسي أو الحزبي لهذه المجموعات أو تلك، حول النصّ الدستوري الذي أصبح موضع خلاف حول تفسيره وتطبيقه. ومن النواقص الكبيرة، عدم إعطاء المجلس الدستوري صلاحية تفسير الدستور، وهذا ما تحدّث عنه النواب في الطائف في ظلّ اتّفاق في هذا الموضوع؛ لكن نزعت هذه الصلاحية وأعيدت الى مجلس النواب أي السلطة السياسية، وهذه مشكلة".
وعن تعطيل جلسات انتخاب رئيس الجمهورية، يرى صفير أنّه "لا بدّ من تفسير المادة كي لا تكون محلّ تأويل سياسي (هناك من يتحدّث عن أكثرية الثلثين ومن يتحدث عن النصف زائداً واحداً)، حيث وصلنا إلى لا انتخابات رئاسية بما يعني تعطيل الدستور. وإذا كان لا بدّ من الثلثين فإنها ضمانة لحدّ أدنى من الدعم وليس لتعطيل مجلس النواب، لأنّ الانتخابات الرئاسية موجب على النائب، وليس الجلوس في المنزل وتعطيل الدستور والديموقراطية".
ويضيف: "من الأزمات الدستورية أيضاً هي عدم قدرة السلطة العليا أي رئيس الجمهورية على ردّ القوانين والمراسيم لأنه أصبح ملزماً بمهل، وهذا ما لم يفرضه الدستور على السلطة الدنيا أي على الوزراء. هذا أيضاً خرق. يجب أن يكون هناك تراتبية في هذا الموضوع. وإذا كان لا بدّ من قيود معمّمة على الجميع. أمّا لجهة تشكيل الحكومة فهذه صلاحية مشتركة دستورية بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف وتالياً يجب أن يكون هناك مهلة تحدّد التكليف وصلاحية كلّ من الرئيسين في هذا الاطار وإلا نكون أمام مهل مفتوحة أدّت الى مشاكل كبيرة احشائية في النظام اللبناني والى شلل في ظلّ أكبر أزمة عرفها لبنان بالنقد والاقتصاد ونحن في حالة طوارئ وليس هناك من حكومة أو أمل في تشكيلها إلا كلام ومبادرات في غير موقعها".
ويخلص صفير الى أنّ "المشكلة ليست في النظام، بل في تطبيق النظام وتفسيره"، مشيراً الى أنّه "لا يمكن الاستمرار في نظام دستوري غير متفق على مضامينه. هذه العناوين معروفة ونظامنا لم يزل حديثاً وجيّداً، علماً أن الدستور اللبناني هو الدستور الوحيد المدني في هذه المنطقة، إذ أنه لا يستلهم أي شريعة دينية في التشريع، فهو نظام مدني، ولكن هذا النظام يجب أن يطوّر من خلال قوانين وتفعيل الدور المدني في المؤسسات والتعيينات ضمن إطار التنوع أي القيد الطائفي الذي يحفظ هذا التنوع كي لا تطيح العددية بالتنوع والتعدّدية".