قرض البنك الدولي للفقراء: اعتراضات على الشكل والمضمون... خرق دستوري وسيادي! | أخبار اليوم

قرض البنك الدولي للفقراء: اعتراضات على الشكل والمضمون... خرق دستوري وسيادي!

| الأربعاء 17 فبراير 2021

 لماذا لم تجتمع حكومة تصريف الأعمال وتناقش وتحسن الشروط وتصادق على الاتفاقية؟

"النهار"- سلوى بعلبكي

يستمر مسار انهيار الدولة وسمعتها السيئة في الهبوط الى أسفل الدرك اقليميا ودوليا كما وتتفاقم نزعة عدم ثقة المؤسسات الدولية المانحة بأداء الدولة اللبنانية. عدم الثقة، مرده الى نقص يتزايد يوما بعد يوم في الشفافية والحوكمة بالاضافة الى امعان المسؤولين في الدولة بتسييس كل الخدمات الرسمية وادارتها والسيطرة على منافع الحكم كل لجماعته أو طائفته أو ملته.

فإذا كان من البديهي أن تكون احدى قواعد السيادة الاساسية أن لا تسمح الدولة بتدخل أي جهة اجنبية بأي نشاط خارق للسيادة على اراضيها، إلا ان ما سلفته هذه السلطة السياسية على مدار العقود الاخيرة للمانحين الدوليين والواهبين من استغلال وعشوائية ونهب منظم لمعظم المساعدات، دافع كاف ليتجرأ كل مانح أو مساعد او دول صديقة كانت أو مؤسسات دولية بـ"الخبط" على الطاولة والصراخ بوجه الحكام اللبنانيين: "قوانين" النهب المنظم ولوائح الازلام والمحاسيب لن أمشي بها، و"قوانيني" وشروطي هي التي ستسري، أو فليبحث الغيارى منكم على السيادة من مصادر تمويل أخرى. صفقة عدم الثقة الدولية وإن ارتدت اليوم سجالا عبثيا، اتهاميا، سياسيا وانتخابيا، سقفه نقاط متبادلة يسجلها بعضهم على بعض نواب وسياسيين يمكنهم، إن شاؤوا، تمويل حاجات الفقراء اللبنانيين من حساباتهم الخاصة بما يفوق قرض #البنك الدولي.

في ظل هذا الانحدار، سلك اتفاق القرض مع البنك الدولي المخصص لتميول برنامج دعم الأسر الأكثر فقرا طريقه نحو مجلس النواب، بعدما وافق رئيس مجلس النواب نبيه بري على تسلم مشروع القانون في فترة تصريف الأعمال على خلفية الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد. وبناء على ذلك حط الاتفاق على طاولة اللجان النيابية المشتركة امس التي شهدت نقاشات حادة بين النواب وصلت صداها الى خارج جدران القاعة المخصصة للاجتماع.
فقد عقدت لجان المال والموازنة والصحة العامة والعمل والشؤون الاجتماعية جلسة مشتركة برئاسة نائب رئيس مجلس النواب ايلي الفرزلي وحضور وزير المال في حكومة تصريف الاعمال غازي وزني، وزير الشؤون الاجتماعية رمزي المشرفيه، والمقرر النائب ابراهيم كنعان وعدد من النواب.

الاعتراضات التي سجلت على مشروع الاتفاق مع البنك الدولي تتعلق بالشكل والمضمون. في الشكل، يشكل قانون الاتفاق وفق المعترضين خرقا دستوريا في ما يتعلق بالاحالة الاستثنائية له الى مجلس النواب وتجاوز صلاحيات مجلس الوزراء وذلك بمخالفة واضحة للمادة 52 من الدستور، وإن حصلت على موافقة استثنائية من رئيسي الجمهورية والحكومة. إذ تشير هذه المادة "يتولى رئيس الجمهورية المفاوضة في عقد المعاهدات الدولية وإبرامها بالاتفاق مع رئيس الحكومة ولا تصبح مبرمة إلا بعد موافقة مجلس الوزراء…". أما في المضمون فيؤكد المعترضون أن الدولة تخلت عن كل الشروط السيادية بقبولها الشروط التي وضعها البنك الدولي للسير بالقرض، علما ان ابرز الشروط التي فرضها البنك الدولي تتعلق بتحديد الآليات التي يجب أن تلتزم بها الدولة لصرف هذا القرض من تشكيل اللجان وكيفية توزيع هذا القرض، بالاضافة الى اعطاء صلاحيات كبيرة لبرنامج الأغذية العالمي في توزيع هذه المساعدات.

وفي هذا الاطار سأل النائب حسن فضل الله "لماذا لم تجتمع حكومة تصريف الأعمال وتناقش وتحسن الشروط وتصادق على الاتفاقية. اي خرق اوسع للدستور، اجتماع الحكومة مع انه ليس خرقا، ام إبرام اتفاق خارج مجلس الوزراء؟ اكثر من ذلك يفرض الاتفاق ان يبرم المقترض (لبنان) اتفاقا من خلال رئاسة مجلس الوزراء مع برنامج الأغذية العالمي لإدارة الأموال ويضع النص بنود الاتفاق وصلاحيات البرنامج. وسأل "الا يناقض ذلك المادة 52؟ أين دور رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء والنواب؟ فبقرض محدد ومن مال الشعب اللبناني تباع كل الصلاحيات الدستورية في وقت يعطل البلد بعنوان الدفاع عن الصلاحيات وعدم المس بها".

ووفق مشروع قانون قرض البنك الدولي، على الدولة اللبنانية ان تقدم للبنك الدولي كل تقرير يتعلق بالمشروع، واللافت ان القرض لن يدخل حيز التنفيذ إلا إذا حددت إجراءات العمل وإدارة شؤون العاملين على نحو مقبول من البنك الدولي. واللافت ايضا هو الدور الكبير الذي اعطي لبرنامج الأغذية العالمي، إذ ورد في مشروع القانون بأن تبرم الدولة اللبنانية اتفاقية مع البرنامج لتيسير تنفيذ بعض اجزاء من القرض بشروط مقبولة من البنك الدولي. الى ذلك، ثمة مهمات ستعطى لبرنامج الأغذية وسينال عليها 1% من قيمة القرض، أي قرابة 2 مليون و460 ألف دولار. ومن هذه المهمات: توزيع أدوات الدفع الإلكتروني على المستفيدين، إعطاء تعليمات مباشرة إلى مقدمي الخدمات المالية لتقديم التحويلات النقدية، حفظ الوثائق المناسبة لجميع المعاملات التي يجريها في إطار المشروع، وتسديد الرسوم نيابة عن الأهالي في المدارس الرسمية.

هذا الامر أشار اليه فضل الله بالقول "في المضمون، يفرض الاتفاق مصادرة مؤسسات الدولة لمصلحة برنامج الأغذية العالمي، فالاتفاق يدخل في أدق تفاصيل تشكيل اللجان وتحديد الصلاحيات، والصلاحيات المعطاة للبرنامج هي بثمن من مال الشعب لانه يقتطع من القرض نحو مليونين ونصف مليون دولار، يضاف اليها نحو 8 ملايين دولار للموظفين الذين ينتظرون الحظوة بالدخول إلى ادارة المشروع. فوفق اي آلية سيتم اختيار الموظفين فيما التجارب السابقة غير مشجعة حتى من المؤسسات الدولية التي تساهم احيانا في الفساد والإفساد من خلال التوظيف وهدر المال العام".

وتطرق النقاش ايضا الى المادة الرابعة من الاتفاقية وفيها أن آخر موعد ليصبح القرض حيز التنفيذ هو 120 يوماً بعد تاريخ التوقيع، وفي حال لم ينفذ يلغى الاتفاق نهائيا. ليتبين لاحقا انه وفق النص الاصلي باللغة الانكليزيه جاء أنه اذا ارتأى البنك الدولي ان تأخيرا حصل بناء لمبررات اقتنع بها، فانه سيمدد المهلة.
إذاً، أكثر من 18 مليون دولار من أصل هذا القرض ستذهب للكلفة التشغيلية المرتبطة بتشكيل لجان وتوظيف استشاريين وخبراء واكاديميين لمتابعة مراقبة صرف هذا القرض اي أن المبلغ الذي سيستخدم لهدف القرض اي الاكثر لمساعدة فقرا ومحاربة جائحة كورونا هو 226 مليون دولار ستسدده الدولة بفائدة تبلغ 0.25%.

وفيما تعمل وزارة الشؤون الاجتماعية على تحديث قاعدة بيانات الأُسر المحتاجة، ستذهب قائمة المستفيدين عبر وزارة الشؤون إلى رئاسة الحكومة ومنها إلى برنامج التغذية العالمي الذي يصدر البطاقات قبل أن توزعها الوزارة على مركز الخدمات الإنمائية، ومنها إلى المستفيدين من القرض، حيث سيتم سحب المبلغ المحدد لكل عائلة من ماكينة الصرف الآلي شهرياً ولمدة سنة".


اجتماع الحكومية واجب دستوري؟
ينتقد بعض النواب قول مستشارين انه وفق الدستور لا يمكن للحكومة ان تجتمع، فيما خالفت الحكومة الدستور بإرسالها المشروع الى مجلس النواب مباشرة من دون ان يمر بمجلس الوزراء. وهنا حسم رئيس مؤسسة جوستيسيا الدكتور بول مرقص لـ"النهار" الموضوع، مؤكدا أن احالة مشروع هذا القرض يجب ان تكون بمرسوم صادر عن مجلس الوزراء مجتمعا. وإذا كان التذرع بالظروف الاستثنائية لتوقيع الاتفاق من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، فإن تصريف الاعمال المنصوص عليه في الدستور اللبناني في الفقرة 2 من المادة 64 بمقتضى التعديلات الدستورية التي جرت بعد الطائف يتسع كلما تأخر تشكيل الحكومة وكلما وقعت ظروف استثنائية كالتي نعيشها والتي تقتضي على الحكومة التصدي لها والاجتماع لبحث هذه الضرورة. واجتماعها هنا ليس جوزايا بل وجوبيا لتسيير أمور الناس واغاثتها، مشيرا الى ان هذا الامر حصل قبل الطائف - حيث لم يكن المعنى ضيقا – فاجتمعت حكومة رشيد كرامي في العام 69 وفي العام 79 اجتمعت حكومة سليم الحص، وفي العام 82 مثلت الحكومة امام المجلس وكانت مستقيلة، وايضا في 2005، وايضا في العام 2013 حيث اصدرت حكومة نجيب ميقاتي مراسيم تشكيل هيئة الاشراف على الانتخابات ومراسيم التنقيب عن النفط.

أما في ما يتعلق بالشروط التي وضعها البنك، فرأى مرقص أنه يمكن للمانح أو المقرض أن يفرض على الدولة شروطا يعلق عليها صرف القرض ويعود للدول المقترضة ان توافق او لا توافق. ولكن المفارقة التي يشير اليها مرقص تكمن انه بصرف النظر عن الخلفيات وراء الشروط المفروضة من البنك الدولي، إلا أن الثابت أن المجتمع الدولي يحرص أكثر من غالبية المسؤولين على المال العام وكيفية صرفه. والمفارقة ايضا أنه المطلوب من ممثلي معظم من كانوا في الحكم حيث تجذر الفساد ان يوافقوا على القيود التي قيل أن خلفيتها مكافحة الفساد وعدم تسليم الاموال المقرضة الى جهات فاسدة.

رفع الدعم سيزيد نسبة الفقر الى 80%
واذا كان النائب فضل الله لا ينفي وجود اهتراء في مؤسسات الدولة وعدم ثقة المقرضين بأدائها وبكيفية صرف الأموال، فانه يسأل "هل هذا يبرر وضعها تحت سلطة البنك الدولي وإلغاء دور الدولة على حساب سيادة البلد وكرامة شعبه"، إلا أن امين عام حزب الكتلة الوطنية بيار عيسى يفضل ان تكون مراقبة من البنك الدولي بدل ان يتولى المعنيون في لبنان ادارة هذا القرض الذي سيكون مصيره مصير المساعدات والقروض السابقة التي ذهبت في معظمها محاصصات طائفية ومحسوبيات زبائنية. وقال لـ "النهار": المسؤولون في لبنان هم من أوصلنا الى هذا الدرك من عدم احترام سيادتنا من خلال تبعيتهم لعرابيهم الخارجيين وهم الذين ساهموا بزيادة نسبة الفقراء الى مستويات غير مقبولة، وتاليا فإن القيمين على الدولة يحتاجون الى أكثر من جهات رقابية، خصوصا بعدما ان عطلوا الاجهزة الرقابية بدليل انهم خفضوا ميزانية اجهزة الرقابة 8% في موازنة 2021. وقال "لا شك في مواقفنا السيادية وتاريخنا يشهد، ولكننا نعتبر أن شروط البنك الدولي ليست تعدي على السيادة بل حماية للفقراء الذين لم يستطع الدولة على حمايتهم".

وانطلاقا من عمله في المساعدات الاجتماعية، اضاء عيسى على الوضع المأسوي الذي يعيشه اللبنانيون مشبها القرض بقارورة الاوكسجين لمرضى كورونا. وإذ انتقد عدم اعطاء المستفدين من القرض بالدولار، اعتبر أن الفقير لن يدخر الاموال بل سيصرفها في السوق ويدعم الليرة اللبنانية أكثر من سياسة المصرف المركزي. ووفق عيسى فإن "الحاجات كبيرة جدا واكثر مما نتصور، وكل يوم تتغير نسبة الفقر، في ـتشرين 2019 كانت النسبة بين الـ 45 و 55% بينهم 25% فقر مدقع، اما بعد رفع الدعم فإنها ستصبح بين 80 و 90%.

وفي انتظار انعقاد الجلسة المقبلة، طالب النواب بتحضير المستندات والنصوص بشكل كامل على ان تعقد جلسة أخرى يكون فيها وزير المال حاضرا للرد على الاسئلة التي أثارها النواب.

انضم الى قناة " AkhbarAlYawm " على يوتيوب الان، اضغط هنا


المزيد من الأخبار