خلال سنوات الحرب الأهلية اعتادت عبلة باروتا الاحتماء وعائلتها من القذائف كلّما اشتدت المعارك
عبلة ربّة المنزل التي تعافت خلال الأشهر الماضية من إصابة بالغة جراء انفجار المرفأ القريب من منزلها
تقول:أثناء الحرب، حين كنا نسمع القصف، كنا نختبئ في المنزل أو الملاجئ. لكن اليوم كيف نختبئ من الجوع؟ من الوضع الاقتصادي؟ من كورونا؟ من زعمائنا؟
تشرح: "كانت مخاوفنا أن نموت جراء قذيفة أو قناص، لكن اليوم كل شيء يخيفنا، المرض والفقر والجوع".
تصمت قليلاً ثم تضيف بحسرة: أن يموت الفرد جراء قذيفة أفضل، أقله لا يعاني.. بينما نعاني اليوم ونموت ببطء
على غرار عبلة، يردّد كثر في جلساتهم وعلى شاشات التلفزيون أن ما يشكون منه اليوم تحت وطأة الانهيار الاقتصادي منذ العام 2019
والتدهور الجنوني لليرة والخوف من العوز، لم يشهدوه حتى في أسوأ أيام الحرب الأهلية التي يحيي لبنان الثلثاء الذكرى الـ46 لاندلاعها
وبدأ النزاع في 13 نيسان 1975 بين أحزاب مسيحية وفصائل فلسطينية ساندتها قوى إسلامية ويسارية لبنانية
وتكرّست خطوط تماس طائفية غالبا، بين المناطق ورغم فصول مرعبة من العنف والخطف والقصف كانت وتيرة الحياة تستأنف عادية كلما سكتت المدافع
ولم تتوقف العجلة الاقتصادية، بينما كانت الجهات المتصارعة تتلقى دعماً وفيراً من المال والسلاح من الخارج
"لم نر الدولة"
خلال الأسابيع الماضية شهدت متاجر إشكالات بين زبائن كانوا يتهافتون على سلع مدعومة من الدولة
وبات العثور على أدوية أو حليب للأطفال أشبه برحلة بحث عن كنز مفقود وهو ما لم يحصل خلال الحرب الأهلية إلا نادراً ولفترة محدودة
وباتت عائلات كثيرة تعتاش من مساعدات وإعانات تقدمها جهات مانحة أو حتى أحزاب
في محلة الكرنتينا الملاصقة للمرفأ، يروي جان صليبا مختار المنطقة سابقاً قصص عائلات تدمرت منازلها أو تضررت أو فقدت أفرادا جراء انفجار بيروت
ويقول الرجل: " لم نرَ الدولة" منذ الانفجار "ولولا المساعدات المادية والغذائية من الجمعيات، لما كان الناس يقوون على الاستمرار".
ويتحدث بمرارة عن "نكبة جماعية" ألمّت بسكان المنطقة ويقول إن ما تعرضوا له في أحلك جولات الحرب "نقطة في بحر" مآسي الانفجار.
حينها "كان الفرد يتوجّه إلى عمله خلال النهار.. وثمة فترات جنى فيها الناس المال. كانت هناك بحبوحة لم تعد موجودة اليوم"
"ولّت الأيام الحلوة"
وإذا كان "جيل الحرب" صمد بمواجهة القذائف فإنّ "الحالة الاقتصادية في ظل دولة لا تسأل عن المواطن هي "ما تخيف" الناس جميعاً اليوم
ورغم كل هذا المشهد المأسوي والنقمة الشعبية على الطبقة السياسية ما زالت القوى السياسية عاجزة عن إيجاد حلول لأزمة أسقطت حكومتين
وقد مضت أشهر على استقالة الثانية وفاقمها تفشي كورونا ثم انفجار المرفأ
في منطقة رأس بيروت، يقصد زبائن قليلون محل سمير حداد (83 عاماً) المتواضع لإصلاح آلات كهربائية
بعدما كان أربعة موظفين يعملون لديه خلال الحرب في صالة عرض أنيقة
تغلبه دموعه ويشهق بالبكاء عندما يتذكر "أيام العز" في بيروت
ويقول: الوضع اليوم قاس جداً.. أصلّي لربّي أن يحمي البلد الى أن يتحرك ضمير المسؤولين.