"النهار"- مجد بو مجاهد
يمكن البناء على إيجابيّات مُستخلصة من خريطة تنسيق القوى السياديّة، الحريصة على خطابها الواضح دعماً لمبادرة الحياد، التي أطلقها البطريرك مار بشارة بطرس الراعي، ومواقفها المؤكّدة لعناوين الحريّة والاستقلال وحصريّة السلاح. وصحيح أنّ هذه الأحزاب والمجموعات تشكّل عدّة بيوت مبنيّة على المبادئ السياديّة إلى جانب بعضها البعض، وأنّها لا تشكّل بيتاً واحداً، إلّا أنّ شبكة التواصل والطرق المفتوحة بين المنازل السياديّة توحي بالأفضل المقبل. ويلاحَظ أنّ عمليّة الشبك بين هذه البيوت متداخلة جدّاً، رغم أنّها قد تحمل بعض الأحيان طابعاً تنافسياً مشروعاً، إلّا أن الجميع يؤكّد ضرورة التوصّل إلى قرارات موحّدة ومشتركة ومنسّقة في المحطّات المفصليّة. وليس ما هو أصدق تعبيراً عن هندسة أرضيّة سياديّة جيّدة، سوى سرد المعادلة التالية: سكّان كثرٌ من البيت السياديّ الرابع على علاقة وطيدة بالبيتين الأول أو الثاني. وسكّان البيت الأوّل بنوا جسراً مع البيت الثالث، الذي تربطه علاقة جيّدة أيضاً بالبيت الثاني، ويشارك في المناسبات مع البيت الرابع. ولعلّ هذا المثال يعكس صورة متعاونة نوعاً ما، مع رهان على ضرورة توثيق العلاقات أكثر في الأيام المقبلة. ما هي خريطة تموضع هذه القوى السيادية راهناً؟ وما هي الأسس والعناوين التي تلتقي عندها وتلك التي تتباين حولها؟
يتشكّل أحد بيوت الفرق السياديّة من حزب "القوات اللبنانية" وشخصيات مستقلّة ومجموعات في الانتفاضة، تعمل معراب على التنسيق معها. وعُلم أنّ جسر تواصل شُيّد مع "سيدة الجبل" في الأشهر الماضية، بعدما عُقدت أكثر من جلسة نقاش في السياق، بإيعاز مباشر من رئيس "القوات" سمير جعجع. وقد أنتجت هذه اللقاءات توافقاً وتكاملاً في العناوين السيادية والحياد، وتباينات طبيعيّة في مكان آخر. وتؤكّد مصادر "القوات" لـ"النهار" أنّ جدول عمل معراب متكامل ويشمل المواضيع السيادية، ودعم الحياد والاهتمام بالانتخابات النيابية المبكرة والتدقيق الجنائيّ. وتعمد "القوات" إلى إعطاء كلّ ملف في الشأن العام أولويّته. وفي سياق آخر، عُلم أنّه تمّ تجاوز مرحلة الاشتباك الخطابي مع الكتائب، علماً أنّ التواصل غير قائم الآن. وثمّة تأكيد لحقّ الاختلاف والتمايز كعامل جيّد، مع تفهّم أن لكلّ فريق وجهة نظره وظروفه وأسلوبه التكتيكيّ. وعلى صعيد العلاقة مع الأحرار، عُلم أنّ هناك زيارة مرتقبة من وفد قواتيّ لتهنئة كميل شمعون بترؤسه الحزب، مع تأكيد التواصل المستمرّ مع "الريّس دوري" ودور حزب الأحرار والمجموعات السيادية. وإذا كان لا يزال من المبكر الحديث عن التحالفات الانتخابية، تحرص "القوات" على ضرورة تنظيم علاقة كلّ القوى السيادية على المستوى الانتخابيّ للوصول إلى تحقيق الأهداف المبدئيّة.
يتكوّن بيت فريق سياديّ آخر من حزب الكتائب و"حركة الاستقلال"، وعدد من النوّاب المستقيلين ومجموعات منتفضة يتحالف أو ينسّق معها، ومن أبرزها "أنا خطّ أحمر"، "لقاء تشرين"، "عامية 17 تشرين"، "تقدّم"، "نبض الجنوب"، "رابلز". وتشير مصادر مسؤولة في الكتائب لـ"النهار"، إلى أنّ التواصل قائم والعلاقات جيّدة مع غالبية القوى والفرق السياديّة. وثمّة تمايز صغير بين بعضها لجهة تصويب الخطاب والأهداف، لناحية أنّ بعض الفرق تصبّ كامل تركيزها على الجانب السياديّ، فيما يبني تحالف الكتائب والمجموعات المقرّبة منه خطابه على مشكلة هيمنة سلاح "حزب الله" من جهة، ومشكلة فساد المنظومة الحاكمة من جهة ثانية. إلى ذلك، تفيد المعطيات بأنّ إطلاق التحالف المعارض الذي يشكّل الكتائب جزءاً منه، سيُعلن في أيار المقبل. وتأتي هذه الأجواء فيما برز عاملٌ، تشير إليه المصادر أيضاً على صعيد الكتائب و"القوات"، من خلال عدم الرغبة في استمرار السجال الذي كان قائماً بينهما قبل أشهر في ظلّ علاقة عاديّة اليوم.
ويضمّ بيت فريق سياديّ ثالث لقاء "سيدة الجبل" و"حركة المبادرة الوطنيّة". وقد أطلق اللقاء حديثاً "الجبهة الوطنية لرفع الاحتلال الإيراني عن لبنان". ويرى أنّ الدعوة ليست لتشكيل جبهة وطنية كاملة، بقدر ما هي للالتفاف الفوري حول مبادرة البطريرك الراعي، التي تمثّل المصلحة اللبنانية الصافية في مواجهة سلاح "حزب الله"، ولتكوين حالة سياسية توحّد قراءتها، رغم أنّ الكلّ يستطيع أن يبقى في مكانه ويجد الشكل الذي يراه مناسباً لدعم مبادرة البطريرك. وهناك ملاحظات يرسمها "سيدة الجبل" حول خطاب بعض القوى الشابّة في الانتفاضة، التي ذهبت نحو عناوين متعلّقة بسوء الإدارة وتجنّبت عنوان "حزب الله" (ليس المقصود هنا المجموعات السياديّة). ويبني "سيّدة الجبل" ركيزته على ثلاثية تأمين سيادة الدولة واستقلالها، من خلال تنفيذ اتفاق الطائف والتمسّك بالدستور اللبناني وتنفيذ قرارات الشرعية الدولية.
ويلتقي تحالف بارز أيضاً في بيت يضمّ تحالف حزب الوطنيين الأحرار ومجموعات "128"، "helpLebanon"، "التجمع من أجل السيادة"، "الملتقى السيادي"، "المقاومة السيادية اللبنانية"، "جبيل تحاسب"، "جنوبيون للحريّة"، "فدراليون"، "Fist"، "ICLIC"، "مشروع وطن"، "سند". وتشير المعطيات إلى أنّ مجموعة "بيراميد" (منصّة تضمّ عدّة مجموعات سياديّة)، تعاونت حديثاً مع "الجبهة المدنية الوطنية" وشكّلا ما سميّ "الائتلاف الوطني اللبناني". وتتعاون هذه المجموعات ولقاء "سيدة الجبل" في النشاطات والتحرّكات والوقفات الشعبية. وتصف مصادر مجموعات هذا الفريق لـ"النهار" العلاقة مع "سيدة الجبل" بالجيّدة جدّاً، مشيرةً إلى تواصل قائم بين عدد من المجموعات السيادية مع "القوات" والكتائب أيضاً، لكن لا يمكن الحديث عن تواصل رسميّ بين المجموعات كلّها في السياق.