يعيش ويأكل ويشرب ولكن معظمه في القبر... الموت "مشقّفين" وعلى مراحل! | أخبار اليوم

يعيش ويأكل ويشرب ولكن معظمه في القبر... الموت "مشقّفين" وعلى مراحل!

انطون الفتى | الأربعاء 28 أبريل 2021

 لا يحصل مرّة واحدة في الواقع...

 

أنطون الفتى - "أخبار اليوم"

 

ها نحن في قلب الأسبوع العظيم المقدّس مجدّداً، الذي يضعنا على تماس مباشر مع موت السيّد المسيح بطبيعته الإنسانيّة، رغم أنه لا يموت من حيث انه إله.

الموت الذي دخل الحياة بسبب الإنسان، وسقطته من الفردوس، هو نفسه تذوّقه الرب في طبيعته الإنسانية، ومنح القدرة للإنسان ليس على أن لا يموت، بل على أن يتخلّص من ذاك الذي تسبّب بإدخال الموت الى الوجود، وهو الشيطان.

 

"تَتَبَهْوَر"

أكثر من نصف البشرية "مش قاشعة" الله، ولا تريد ذلك، وهذا معلوم. ولكن كلّ البشرية، بشقَّيْها المؤمن، والمُلحِد، "قاشعة" الموت، وتخاف منه، وتتمنّى لو أنه يبتعد عنها. ولكن ما باليد حيلة، إذ كما أن الإنسان لا يختار ساعة الحبل به، ومولده، فإن لا سلطان له على ساعة موته.

أكثر من نصف البشرية "مستقتلي" على كلّ ما هو مدني، إلا أنها تصمت عند الموت، عن كلّ "المدنيّات" و"العلمانيات"، حتى في الكوامن الداخليّة لأكبر المُلحدين في الأرض. وهذه أسرار قد لا يعرفها إلا من يرى كوامن النّفوس، ولا سيّما تلك التي تستقوي، و"تَتَبَهْوَر"، في أوقات الرّخاء والصحة.

 

فعلي

الموت ليس بسيطاً، وهو لا يحصل مرّة واحدة في الواقع. فنحن نموت "مشقّفين"، ونعني بذلك هنا، أننا نموت على مراحل. فكلّ معاكَسَة تصادفنا، أو إخفاق، أو ضياع حلم، أو خيبة أمل، أو خيانة، أو فشل، هي كلّها موت لنا.

أما الموت الفعلي الذي نموته، حتى وإن كنّا أحياء، فهو ذاك المتعلّق بمن هو من لحمنا ودمنا. فموت أب، أو أمّ، أو أخ، أو إبن... يعني أن جزءاً من "عضويّتنا" ماتت، ودُفِنَت في القبر، وأن هذا الجزء فُقِدَ الى الأبد. و"عضويّتنا" تلك، هي ما نحمله من هذا الشّخص، في خريطتَيْنا العضوية والنّفسيّة.

 

المحبّة

كيف يُمكن لإنسان أن يُكمِل حياته على الأرض كالعادة، إذا كانت نصف جيناته، وأنفاسه، وكيانه، في القبر، بفعل موت أحد الوالدَيْن مثلاً؟

الجواب متروك لكلّ شخص، وهو ليس دعوة الى عَدَم الرّجاء، ولا الى عَدَم الإيمان بالرب، بل على العكس. ولكن لنتأمَل معاً، بما يقوله القدّيس يوحنّا في رسالته الأولى عن أنه "إذا قال أحد إني أحبّ الله وهو يُبغض أخاه، كان كاذباً، لأن الذي لا يحبّ أخاه وهو يراه، لا يستطيع أن يحبّ الله وهو لا يراه". ولنطبّق المبدأ نفسه، على الموت، كما على المحبّة.

 

كيف يمكن؟

وبالتالي، كيف يُمكن لإنسان أن يفهم، وأن يتوغّل، وأن يسبر غَوْر موت السيّد المسيح على الصّليب، وأن يغيّر حياته بمفاعيل هذا الموت المحيي، وهو لا يراه بعينَيْه البشريّتَيْن، إذا كان يُكمِل حياته بعد موت شخص كان يراه، ويعيش معه، وكأن شيئاً لم يحصل. وهذه حالة يتشاركها المتديّنون (هؤلاء يختلفون عن المؤمنين) والمُلحِدون، على حدّ سواء، وبأشكال مختلفة.

 

فخّ

عَدَم "التَّمْسَحَة" ضروريّة جدّاً لفَهْم موت المسيح، الذي لم تكمل الحياة من بعد موته كما لو أنه لم يحصل، وذلك بقيامته (المسيح)، ومن خلالها. كما أن عَدَم "التَّمْسَحَة" تلك، ضرورية جدّاً، لفَهْم الموت الذي نراه بأعيننا الزمنية.

فـ "التّمسَحَة"، تعرّض فئة المتديّنين للسّقوط في فخّ استشارة أرواح الموتى، من خلال غرقهم في السّعي الى رؤية الميت في الحلم، أو الى التحدّث إليه، والعيش معه، حتى ولو من خارج الله، وذلك تماماً مثل من يستحضر أرواح الموتى.

 

العقل

أما الملحدون، وهم أولئك الذين "ما بيحطوّا عا نفسون واطي" طبعاً، لأنهم من أهل العلم والعقل، فلا يجيدون التعاطي مع الموت، ويغرقون في تناقضات سلوكيّة، بين ما يرغب باستمرارية من غاب عنهم بالموت، وبين ما يلبّي اقتناعهم بأنه اتّجه نحو الزوال المُطلَق.

 

لا بدّ

صحيحٌ أن الخلود بات مستحيلاً في أرض ما بعد سقطة الفردوس. وأكيدٌ أن الرّجاء بالرب، وترك الأموات والموت بين يدَيْه، هو أكثر ما يتوجّب علينا أن نقوم به. ولكن لا بدّ من وقفة قليلة أمام واقعنا هذا، وإجراء إعادة تقييم لروحياتنا، لا سيّما إذا كنّا من المتوغّلين في الحياة اليوميّة الفوضويّة، "اللّي مش قاشعة الله"، ولكنّها غير قادرة على أن "تزمط" من الموت.

انضم الى قناة " AkhbarAlYawm " على يوتيوب الان، اضغط هنا


المزيد من الأخبار