صديقٌ ما له هو له وما لكَ هو له وله وله... وله!
أنطون الفتى - "أخبار اليوم"
عندما قذف الصحافي العراقي منتظر الزيدي الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الإبن بحذائه، خلال مؤتمر صحافي جمعه برئيس الحكومة العراقي الأسبق نوري المالكي في عام 2008، كانت تلك الخطوة الدّليل الأبرز على مصير كلّ من يُمكنه أن يدخل الى المنطقة، بتحالفات وخيارات خاطئة.
فالرئيس بوش نزل الى حدود إيران في أفغانستان والعراق، بتنسيق ولو غير مباشر مع طهران، وضمن حسابات معيّنة مدّدتها في المنطقة، لا سيّما بعد إسقاط نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين. فانتهى به الأمر خائباً، يقاتل الدّعم الإيراني للعمليات الإنتحارية، ولتدفّق الإرهابيّين والإنتحاريّين الى العراق، ليقاتلوا القوات الأميركية هناك. فضلاً عن قتاله (بوش) للأَسْر الإيراني للساحة اللبنانية، بعد إخراج الإحتلال السوري من لبنان.
ساركوزي
الخطأ هذا، حاول أن يدفع الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي، المجتمع الدولي الى تفاديه. ولكنّه رغم ذلك، عاد ووقع فيه هو نفسه، عندما بالغ بتقدير أن محاولة الإتّفاق مع الرئيس السوري بشار الأسد سيكون أفضل من التعاوُن مع النّظام الإيراني، وإيديولوجيّته. وكان ذلك بعد أحداث 7 أيار 2008 في لبنان.
فهو (ساركوزي) خُدِعَ بالوجه الإيراني المقنَّع في سوريا، وبأقنعة إيرانيّة كثيرة منتشرة في المنطقة. والأقنعة تلك نفسها، هي التي خدعت الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
منفعة كبرى
ماكرون فشل ومبادرته في لبنان، وهذا واضح منذ أيلول الفائت. وهو أمر أكثر من طبيعي، كنتيجة لدخوله الخاطىء إليه. فهو لم يأخذ في الاعتبار الحاجة اللبنانية الى التحرُّر من "الإيراني"، وبالغ في تقدير حدود السياسات الأميركية. وهذا ما جعله يأتي الى لبنان بـ "أجندات" متعدّدة، لا تعرف تماماً من أين تبدأ، لتعرف نقطة الوصول النّهائي الأكيد.
فضلاً عن أنه دخل لبنان، واضعاً نُصب عينَيْه أولوية العلاقات الفرنسيّة - الإيرانية، ومُستبسِلاً بمحاولة النّجاح في التعاطي مع طهران لبنانياً، ربما سعياً منه لفتح باب إعادة ترطيب العلاقات الأميركية - الإيرانيّة من خلال صلة وصل فرنسيّة، كانت لو نجحت، ستؤسّس منفعة كبرى لباريس.
درس
كما أن الرئيس الفرنسي دخل لبنان، وكأن لا صداقات تاريخيّة لباريس فيه، لا بدّ لها من التعاطي معها، حتى تنجح في الملف اللبناني. فهو تجاهل هذا الواقع، وعمل كمن يؤسّس من الصّفر، وبما يبني مع جهة واحدة، هي تلك التابعة لإيران فيه (لبنان). وهذا هو السبب الأبرز لفشله.
في أي حال، هذا درس كبير لفرنسا، ولغيرها، أي لكلّ من يرغب بالتحرّك والنّجاح في الملف اللبناني. والأهمّ فيه، هو وجوب عَدَم الثّقة بإيران، ولا بأي وكيل لها، لا في الداخل اللبناني، ولا على مستوى المنطقة، وذلك بموازاة الضّغط على طهران أيضاً.
أساسي
هذا ما لم تفعله فرنسا، بل قامت بعكسه، مُضحيّةً ليس فقط بأوراق حياد لبنان، وبالقرارات الدولية المرتبطة بالملف اللبناني، بل حتى بأي ضغط كان يتوجّب عليها القيام به في ما يتعلّق بضرورة الإسراع في التحقيقات المرتبطة بكشف حقيقة أسباب انفجار مرفأ بيروت.
فالمشكلة لا يمكنها أن تكون الحلّ، ولا رسم الحلّ معها. وكما أن إيران هي إحدى أسباب مشاكل لبنان، فلا يُمكن للحلّ اللبناني أن يكون محصوراً بالوقوف "على الخاطر" الإيراني فقط. وبالتالي، لا يُمكن عَدَم رؤية أحد في لبنان إلا إيران وحدها، بموازاة التغافُل عن ضرورة الإهتمام باحتياجاته (لبنان) الأخرى، وتطلّعات الأطراف غير "الإيرانيّة" فيه. وهذا خطأ أساسي وقع فيه ماكرون أيضاً.
له وله وله... وله
ماكرون، قد يستحق ذلك، لأنه لم يتعاطَ بصدق، ولم يدخل لبنان لتحقيق استقلاله عن "الإحتلال الإيراني". ولكن فرنسا "أكبر من هيك"، وأكبر من الوقوع صريعة حياكة سجادة إيرانيّة، مع احترامنا للجميع طبعاً.
خسارة أن فرنسا، الدولة الكبرى، باتت أسيرة للمنفعة التي يوفّرها لها الإتّفاق النووي بين الغرب وطهران، وأسيرة لخوفها من إيران القادرة على إشعالها خلال ثوانٍ قليلة.
وخسارة أن فرنسا، بلد الآداب والحضارة، جعلت نفسها أسيرة بحث عن صداقة نظام، حوّل بلاد فارس من أرض حضارة، الى أرض تصدير ثورة ومشاكل.
فتلك الصداقات "تُشَرْشِحْ"، وقد تنتهي بأسوأ من "رَشْقَة" حذاء على الوجه، من صديق، ما له هو له، وما لكَ هو له وله وله... وله.